«صنعت لتصوير الفيلم السابق لداوود أولاد سياد» في انتظار «بازوليني» العديد من الديكورات فوق أراض وقع تأجيرها من القرويين. من بينها ديكور مسجد وقع تشييده فوق أرض «موحا» الذي يظهر في الفيلم... بعد انتهاء التصوير وقع تفكيك كل الديكورات ما عدا «ديكور المسجد» هكذا جاء في ملخّص فيلم «الجامع» (La mosquée)، للمخرج المغربي «داوود أولاد السيد»، والذي يشارك في المسابقة الرسمية للافلام الطويلة في الدورة الحالية لمهرجان «أيام قرطاج السينمائية». ما جاء في الملخّص كان المشهد الاول لفيلم «الجامع» ومنعرج الاحداث فيه، حيث يستهلّ الفيلم بطرح المشكل منذ البداية لتطوّر الاحداث وتزداد تعقيدا طوال 85 دقيقة من الزمن. جمالية الطرح إذن عنوان الفيلم «الجامع» فيه اشارة واضحة للمشكل المطروح في الفيلم والمتمثل في ديكور «الجامع»، الذي منع صاحب الارض من تفكيكه قانونيا، لأنه لم يتحصل على ترخيص لذلك، ورغم كونه سأل الايمّة والسلط المعنية في قريته، فإن جميعهم، ما عدا إماما واحدا مثقفا أكّدوا له أنه لا يجوز شرعا ولا قانونا لصاحب الارض «موحا» أن يفكك او يهدم ديكور «الجامع»، خاصة أن أهالي المنطقة أصبحوا، يجتمعون لأداء فريضة الصلاة في هذا الديكور». تزداد حيرة «موحا» الشخصية البسيطة الطريفة لبساطتها ويزداد عذابه، حتى أصبح غير قادر على مناقشة زوجته في ما يخص حاجيات أسرته... فكلّما حدّثته عن موضوع، أجاب عن موضوع «ديكور الجامع»... وكان في كل مرّة يمتطي دراجته النارية، للبحث عن إمام أو مسؤول يفك له عقدة هذا الديكور الجامع المبني على أرضه، ولكن هيهات، لا حلّ لعقدتك يا «موحا». «موحا» حاول استخلاص حضور التلفزيون لتصوير فعاليات مهرجان ينظّم بالقرية التي يعيش فيها لكن المسؤول افتكّ منه المصدح (الميكروفون)... وعوض أن يحلّ هذا التصرّف مشكلة «موحا» زادها تعقيدا، لتنتهي أحداث الفيلم بجبر البطل المظلوم بأداء الخدمة العسكرية وهو الذي تجاوز السن القانونية لأداء هذا الواجب الوطني بضعفها وأكثر... طرح مميّز، لكاتب السيناريو ومخرج الفيلم، الدكتور «داوود» أولاد السيد، توّج بأداء رائع لأغلب الممثّلين وخاصة البطل «موحا»، فعبد الهادي توهراش» و«بشرى هريش» و«مصطفى تحتاج»، و«سالم دابيلا» وبقية الممثلين أقنعوا المشاهد بأدائهم، كما أقنع المخرج بفكرته ولعل «موحا» كان الابرز بحكم أنه محور الاحداث في الفيلم، فكانت مواقفه وتعابير وجهه أو ملامحه، معبّرة أكثر من الحوار أحيانا... مواقف وملامح، أضحكت الجميع في قاعة «الريو» ليلة أول أمس، حتى أن احدى المشاهدات، دخلت في «هيستيريا» من الضحك و«القهقهات» مما أحدث نوعا من الفوضى التي لم تدم طويلا بالقاعة. مواقف وتعابير وجه لم تكن مصطنعة او مفبركة، ولم يكن «موحا» مهرّجا، بل كان رائعا في أدائه الى حد تصديق القصّة لكن وكما يقال في مثلنا الشعبي «كثر الهمّ يضحّك». جمالية الصورة ولئن نجح «موحا» وبقية الممثلين في الفيلم أداء ونجح المخرج «داوود أولاد السيد» في طرحه وكتابته واخراجه ل «الجامع»، فإن الصورة بدورها كانت رائعة وشدّت اليها المشاهد حتى أنه لم يغادر أحد القاعة الا بعد التصفيق الحار اثر نهاية الفيلم. ويبدو أن صاحب الفيلم يعي جيدا أهمية الصورة في السينما فأعطاها الاهمية التي تستحق وهو الذي اشتغل كمصوّر. المتعة تحقّقت في هذا الفيلم على جميع المستويات كما يقول كثيرون ممّن شاهدوا «الجامع»، فالفكرة طريفة والطرح أطرف وأجمل، والأداء مقنع الى حد كبير، والصورة الرائعة تدلّ، على حرفية كبيرة و«صنعة» سينمائية بصراحة، تكاد تكون نادرة في وطننا العربي، وحتى لا نتهم بالتدخّل في قرارات لجنة التحكيم، نكتفي بالقول إن فيلم «الجامع» مميّز.