صادق المشاركون في الندوة الدولية للتجمع الدستوري الديمقراطي حول «الشباب وتحديات اليوم» في بداية أشغالهم على اعتماد الخطاب الذي توجه به رئيس الدولة وثيقة مرجعية يتم الاستناد الى مضامينها خلال المداخلات والنقاش العام وفي توصيات الندوة. وكان السيد محمد الغنوشي الوزير الأول والنائب الأول لرئيس التجمع ألقى الخطاب الافتتاحي للرئيس بن علي والذي تضمن محاور مهمة جدا على رأسها جدارة الشباب بأن يكون محور الاهتمام الدولي ومحور الرهان على المستقبل مستقبل السلم والتقارب والتعاون والتضامن مستقبل الازدهار الدائم والرخاء الشامل وكما جاء في الخطاب الرئاسي فإن بناء عالم أكثر آمنا واستقرارا وأوفر عدلا ونماء بعيدا عن النزاعات والتطرف وشتى مظاهر التعصب والارهاب يتوقف على مدى العناية بالشباب وحسن تنشئته على القيم والمثل الكونية واعداده أفضل اعداد ليكون في مستوى الآمال المعلقة عليه. تغير المرجعيات هذا وقد باشرت الندوة أعمال جلستها الأولى مباشرة اثر فترة استراحة وقد ترأس هذه الجلسة الأمين العام للتجمع السيد محمد الغرياني وتضمن ثلاث محاضرات بحثت مسألة على غاية الأهمية هي الشباب وتغير المرجعيات». وتساءل المحاضر السيد زهير المظفر الوزير المعتمد لدى الوزير الأول المكلف بالوظيفة العمومية والتنمية الادارية حول مدى تأثير تغير المرجعيات على الشباب موضحا أن العلاقة بين الشباب والمرجعيات علاقة وطيدة جدا على اعتبار الشباب هو القوة المحركة والفاعلة في كل مجتمع كما أنه لا يزال الشريحة العمرية الأكثر تفاعلا مع التيارات الفكرية والمذهبية والايديولوجية والنظريات التي يجد فيها ملجأ للتعبير عن ذاته وسبيلا لتحقيق أحلامه، هذا بالاضافة الى أن الايديولوجيات نفسها تولي أهمية خاصة للشباب لأنه قوة دفعها والضامن لاستمرارها وذكر الاستاذ زهير المظفر أن العالم يعيش اليوم على وقع ما أطلق عليه البعض «مرحلة غليان المرجعيات» وسماه البعض الآخر «فوضى المرجعيات» وهو ما يطرح استفسارا ملحا حول الكيفية التي تعامل معها الشباب مع تغير المرجعيات التقليدية ومدى تأثره بالمرجعيات الجديدة وكيف تفاعل الشباب التونسي مع مرجعية التغيير؟ انهيار وتحولات وبعد استعراضه مآل مختلف الايديولوجيات التقليدية والتي لخصها المحاضر في ثلاثة محاور هي انهيار المنظومة الشيوعية والاشتراكية وانحسار الفوارق بين اليسار واليمين في الدول الغربية وتعثر مشاريع البناء الوطني في بلدان الجنوب ملاحظا ان المرجعيات الجديدة تبشر في عمومها بنهاية التاريخ وبانتصار النموذج الليبرالي الى الديمقراطي المعتمد على اقتصاد السوق منتهيا الى أن مرجعية الفردانية ونظرية الخلاص هي التي على ما يبدو أصبحت المسيطر على أذهان معظم شباب اليوم في العالم وانصرافه عن الفعل السياسي لفائدة الفضاء الافتراضي. كما أبرز المحاضر أن النظريات الجديدة التي تروج لموت الايديولوجيا وانتصار نظام السوق والمعتمدة أساسا على خطاب اعلامي نافذ وثقافة لها قدرة كبيرة على اختراق الثقافات الأخرى وعلى بناء عالم يقوم على قبول الأمر الواقع خلقت هذه النظريات بشكلها المذكور شعورا بالانهزامية لدى الشباب كما أنها لم تحظ بنفس الاهتمام الشبابي الذي لقيته المرجعيات التقليدية وهو ما يفسر بحسب رأي المحاضر نزوع الشباب الى الفردانية. وفي هذا الصدد أفاد السيد زهير المظفر أن بعض الأبحاث تشير الى أن النزعة الفردية والبحث عن النجاح تقف وراء اعراض الشباب عن الانخراط في الأحزاب السياسية واهتمامه بالعمل الميداني المباشر الذي يصب في بعض الحالات في العنف أو حتى الارهاب، كما تفيد مختلف التجارب أن المجتمع المدني أصبح أكثر استقطابا للشباب على حساب الأحزاب السياسية لما توفره من فرص للمشاركة الفاعلة خاصة أمام تنوع الفضاءات وغياب الالتزام والانضباط الحزبي الذي كان لهما الدور الكبير في تفريغ الأحزاب من الشباب لفائدة مكونات المجتمع المدني كما أن الشباب وجد ما يشبع حاجاته في التواصل الاجتماعي عبر الفضاء الافتراضي بعيدا عن الالتزام الحزبي. تجاوب وفي معالجته للحالة التونسية ابرز المحاضر أن الشباب التونسي كان دوما متفاعلا مع التحولات الفكرية الداخلية والخارجية وأنه تفاعل على وجه الخصوص مع المشروع المجتمعي للتغيير الذي بشر به بيان السابع من نوفمبر حيث وجد فيه تعبيرا عن طموحاته في تحقيق الديمقراطية والتعددية وترسيخ المجتمع المدني وضمان حقوق الانسان كما وجد في قيم المجتمع المتضامن المتوازن وفي قيم الاعتدال والتسامح والتآزر ما يغذي فيه جذوة الوطنية. ولاحظ المظفر أنه يمكن تفسير تجاوب الشباب التونسي مع المشروع المجتمعي للتحول في أمرين هامين هما تكريس مبدأ تونس أولا واعتبار الشباب هو الحل وليس المشكلة.