كثيرا ما سئلتُ عن سبب وجود هذين الحرفين اللذين يختلفان شكلا ويتفقان لفظا في الحروف الهجائية العربية، ولماذا لم يكتف العرب بواحد منهما ما داما يُنطقان نطقا واحدا؟، والجواب هو أن العرب القدماء كانوا يفرقون بين هذين الحرفين في النطق، ففي قول الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)(1) كلمتان ينطقهما معظم الناس في العالَم الإسلامي والعربي نطقا واحدا، ولكنهم يكتبون الأولى بالضاد (ناضرة) ومعناها (مشرقة) ويكتبون الثانية بالظاء (ناظرة) ومعناها (مُبْصِرَة) أو (منتظرة) عند المعتزِلة، فقد كان العرب في بلادهم ينطقون كلا منهما نطقا مختلفا عن الآخر، لكنّ انتشار الإسلام وانتشار اللغة العربية لغة القرآن في كثير من الأقطار التي لم يكن أهلها يتكلمونها قبل الإسلام لم يستطيعوا التمييز بين هذين الحرفين فنطقوهما نطقا واحدا رغم أنهم كتبوهما كتابة صحيحة. وكل هذه الكلمات وأمثالها لا يَعرف سامعُها أنها تُكتب بالظاء القائمة، أخت الطاء أي المشالتين، أو تُكتب بالضاد أخت الصاد الساقطتين، أي غير المشالتين، إلا إذا كان قد رآها مكتوبة من قبل. وقد جمع الحريري، الكلمات التي تكتب بالظاء في منظومة ضمن المقامة السادسة والأربعين المسماة بالحلبية، التي مطلعها: أيها السائلي عن الضاد والظا ٭ ءِ لكيلا تُضلَّه الألفاظَ هي: ظمياءُ والمظالمُ والإظ ٭ لامُ والظُّلمُ والظُّبَى واللِّحاظَ... وقد ختمها بالأبيات التالية: والشناظي والدلظُ والظَّأبُ والظّبْ ٭ ظابُ والعُنْظوانُ والجِنعاظُ والشناظيرُ والتَّعاظُلُ والعِظْ ٭ لِمُ والبَظْرُ بَعْدُ والإنعاظُ هي هذي سوى النوادرِ فاحفظْ ٭ ها لِتقْفو آثارَكَ الحُفّاظُ واقضِ فيما صرفتَ منها كما تق ٭ ضيه في أصله، كقيْظٍ وقاظوا(2) وهي في العربية لا تكاد تتجاوز المائة كلمة، وقد أشار الحريري إلى أن ما وقع اشتقاقه منها يكتب مثلها ك: حفِظ، يحفَظُ، احْفَظْ، حفظا، محفوظات، الحُفّاظ، الخ ومعظمها من الكلمات قليلة الاستعمال، وقِلّة استعمالها يُوقِع مَن يكتبها في الخطإ، لذلك لا يستطيع أن يكتبها صحيحة إلا من تعود على كتابتها، وأنا شخصيا لم أر منها مستعملا في النثر أو الشعر إلا كلمة الشناظير، ومفردها شِِنظير أي أحمق، والتاء للمبالغة في الحمق، وذلك في أرجوزة قالتها امرأة زوَّجَها أهلُها رجلا من هذا القبيل: شِِنْظيرَةٌ زوَّجََنِيه أهلي٭ من حمقه يحسبُ رأسي رجلي٭ كأنَّه لم يَرَ أُنْثَى قَبلي٭ وأما البَظْرُ والإنْعاظُ، اللذين ذكرهما الحريري في البيت الثالث قبل الأخير من تلك القصيدة الظائية، فقد شرح الفقهاء اللفظ الأول منهما في باب الخِفاض، وهو ختان الإناث الشائع في بعض بلاد المشرق العربي، وشرحوا اللفظ الثاني في باب نواقض الوضوء، فابحث عن شرحهما هناك أو في أحد المعاجم. وأختم هذه الكلمة بهذا الخبر الذي يؤكد أن العرب كانوا يميزون بين الضاد والظاء بالنطق والسماع. قال السيوطي:(... ويُروى أن رجلا قال لعمرَ بنِ الخطاب: «ما تقول في رجل ظحَّى بضبي [يريد: ضحّى بظبي؟] فعجب عمرُ ومَن حضره من قوله، فقال: يا أمير المؤمنين، إنها لِغةٌ – وكَسَرَ اللام – فكان عجبُهم من كسرهِ لام لُغةٍ أشدَّ من قلبِ الضاد ظاءً والظاء ضادًا)(3). وقد ذيَّل السيوطي (ذِكْر ما ورد بالضاد والظاء) بالخبر السابق، وعلّق عليه بقوله: (قلت: هذا الأثر أخرجه القالي في أماليه قال...: «قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يا أميرَ المؤمنين، أ يظحَّى بضبي؟ قال: وما عليك لو قلت: [أ يُضحَّى] بظبي؟ قال: إنها لغة. قال: انقطع العِتاب ولا يُضحَّى بشيء من الوحش) (4). وأخيرا فقد تبين لي، من خلال قراءاتي لِما كُتب عن هذين الحرفين في الكتب القديمة، ومن سماعي للمتكلمين بالعربية في شتى الأقطار، أن العرب القدماء في بلادهم كانوا ينطقون كل واحد مهما نطقا خاصا، وأن الذين تعلموا العربية في البلاد التي انتشر فيها الإسلام لم يستطع معظمهم التمييز بينهما في النطق، فاكتفوا بالتمييز بينهما بالكتابة، وقد تبين لي أن أحسن مَن يدلنا على كيفية نطقهما نطقا صحيحا هم قراء «الذكر الحكيم» الذين ينطقون جميع الحروف العربية نطقا صحيحا سليما، وقد أمر الله تعالى عباده أن يسألوا أهل الذكر في كل شيء لا يعلمونه(5)، فلنتعلم نطقهما منهم، ولْنعلمْ صبياننا وتلاميذنا نطقهما نطقا صحيحا في المدارس الابتدائية حتى يستطيعوا كتابتهما كتابة صحيحة بالاعتماد على النطق الصحيح لكل منهما. وللحديث بقية. تعليقات وهوامش (1) سورة القيامة الآية 23. (2) المقامة السادسة والأربعون: الحلبية للحريري. (3) كتاب المزهر في علوم اللغة وأنواعهاج1 ص 562/563 شرح وضبط وتصحيح وتعليق محمد أحمد جاد المولى ومحمد علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم نشر دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه جزآن. (4) الخبر في «كتاب ذيل الأمالي والنوار». ص 142 المنشور إثر الأمالي لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي، المجلد الأول يشتمل على الأمالي والمجلد الثاني يشتمل على كتاب ذيل الأمالي والنوادر، ويليه التنبيه لأبي عُبيْد البكري، طبع على نفقة إسماعيل يوسف ديا، الطبعة الثانية مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة 1344ه 1926م وما وضعناه بين معقفين سقط من رواية الأمالي، كما لم يُذكر فيه كسر لام لغة. وقد تجنبنا الإطالة بحذف رواة الخبر من الكتابين المذكورة، ولمن أراد التثبُّتَ أن يعود إلى الخبر في الكتابين المذكورين سابقا.