رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العربية وعاء الهوية والإسلام روحها
نشر في الحوار نت يوم 17 - 12 - 2010


موعظة الحوار

من مشاهد خلق الصادق الأمين
العربية وعاء الهوية والإسلام روحها
((( 35 ))).
قال سبحانه في محكم تنزيله : „ ألر. تلك آيات الكتاب المبين. إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون. نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن و إن كنت من قبله لمن الغافلين”. ( الآيات الأولى من سورة يوسف عليه السلام).
السبب المباشر لهذه الموعظة المتواضعة المرتجلة.
Wallahi ya aki kakamouka jamil wa lakin
لا شك أن أكثرنا يتصل بمثل ذلك مرة أو مرات في اليوم سواء في بريده الإلكتروني أو فيما سواه مما تقع عليه العيون التي جعلت مرافئ اللغة العربية الصافية ظهريا إبتداء من وثيقة التحدي بألقها البلاغي البديع ( القرآن الكريم ) وإنتهاء بديوان العرب ( الشعر الجاهلي ومعلقاته ولامياته ) ومرورا بلسان العربي السليق محمد إبن عبدالله صلى الله عليه وسلم. بعضهم يتذرع بخلو حاسوبه من الحروف العربية وبعضهم بعجزه عن التعبير بلغته القومية الأم.. تتعدد الذرائع الواهية والموت الزؤام واحد. هو موت وعاء الهوية الذي يقبض أقتابها أن تندثر فيندثر من ورائها الإسلام سريعا. هلا سألت نفسك يوما : لم إفتخر القرآن الكريم بأنه عربي في أحد عشر موضعا؟ لم تحدى الله سبحانه العرب وهو من هو في عليائه أن يأتوا ببعض سورة أو سورة أو عشر سور ولو مفتريات؟ لم إختار سبحانه العربية لكلمته الأخيرة هادية للناس قاطبة جمعاء والدنيا تمور باللغات مورا عجيبا؟ إذا كان معيار القوة هو المحدد فإن الأجدر بالقرآن الكريم أن يتنزل بلسان الفرس أو الروم صاحبي الحضارتين المتغلبتين يومها. ألا ترى أن وعاء الهوية عندما إستوعب روحها إنبجست من الأمة أمة من أهل العلم الكوني لاتزال أروبا تقتبس من معارفهم حتى يوم الناس هذا؟ ألا ترى أننا نزدري أن تدون علوم أو تدرس باللغة العربية من مثل : الرياضيات لصاحبها موسى إبن شاكر ولم يجد العالم الحديث بدا من إعتماد التسمية ذاتها التي نسبها هذا الرياضي لعلمه : أي علم الجبر فقالوا : algebre والصيدلة لصاحبها البيروني والبصريات والضوئيات لإبن الهيثم والجغرافيا والفلك والحساب للخوارزمي ولم يجد العالم الحديث مرة أخرى من إعتماد الإسم ذاته فقالوا : logarithme والكيمياء لصاحبها جابر إبن حيان ودوران الأرض حول الشمس لعضد الدين إبن أحمد وليس لkopernikus كما يزعم اليوم والجاذبية لفخر الدين الرازي وليس لniyoutin كما زعموا والطيران لعباس إبن فرناس والدورة الدموية لإبن النفيس والرصد الجوي للكندي والإجتماع السياسي لإبن خلدون وعلم النبات للبيطار والطب لإبن سيناء إلخ.. لاريب في أن هؤلاء إقتبسوا فأحسنوا الإقتباس أما أن ننسب إليهم كما يفعل المغفلون منا أو المهزومون ما كشفه غيرهم فأنى يكون الولد للفراش إذن؟
إذا قدرت الأمم المتحدة لغتنا فكيف نزدريها.
إعتمدت الأمم المتحدة اللغة العربية لغة رسمية ولغة عمل في دوائرها وذلك منذ 18 ديسمبر 1973 في دورتها الثامنة والعشرين ( قرار عدد 3190 ). كان يمكن الإقتصار على اللغة الإنجليزية لغة المتغلب بتعبير إبن خلدون أو على اللغة الفرنسية التي تأتي في الدرجة الثانية بسبب صراع النفوذ المحتدم بين ( الإنجلوفون والفرنكوفون ). عدد الذين يتكلمون العربية لا يزيد عن نصف مليار في أحسن الحالات ولكن الذي فرضها لغة رسمية أممية ولغة عمل حجم التبادلات الإقتصادية مع العرب وخاصة : وقود الصناعات الغربية أي البترول.

اللسان والفكر يتلاقحان تلاقح الشجرة بمحيطها.
يحق لك أن تقول لنفسك : قل لي ما هو لسانك أقول لك من أنت. ليس اللسان حمال أوصال من المباني فحسب وليست المباني رافعة لأثقال من المعاني فحسب. ذلك سفه عفا عنه الزمن. ألا ترى أن القرآن الكريم لا يمكن ترجمته حرفا ونصا بسبب إستعصاء معانيه عن ذلك ولو ترجم كذلك لأهتز إهتزازا شنيعا وبذلك آلت كل الإجتهادات تقريبا إلى القول بالترجمة المعنوية؟ ذلك مثال يدل على أن المبنى حمال معنى والمعنى حمال قيمة وليس التفكير إلا منظومة من القيم التي تصنع العقائد والتصورات ثم تصنع المسالك والمناهج لتكون حياة وحركة وسعيا وحدبا وكدحا. ألا تعثر اليوم على جذاذ من العرب ممن يفكر بعقل غربي ثم يعبر عن فكرته بلسان عربي؟ إذا لم تكن تلك هي الهجانة فقل لي بربك ما الهجانة. هل تعرف لم تهجن بعض الدواب ( وفي عالم النباتات كذلك )؟ بل هل تعرف شيئا عن نكاح الإستبضاع في الجاهلية؟ القصد واحد من تهجين المرأة ( الإستبضاع ) وتهجين الدابة والشجرة : جبر مفسدة أصلية في المرأة على حد زعمهم أو الدابة أو النبتة لمحاولة الإرتقاء بالجنس. هل ترضى للغتك القومية الأم أن تكون كذلك؟ ما ينبغي لك أن ترضى حتى لو لم تكن هي العربية فما بالك إذا كانت هي العربية التي لها من إسمها الحظ كله. العربية من الإعراب وهو الإبانة عن المقصد بيسر. ألا ترى أنه أوتي عليه الصلاة والسلام جوامع الكلم. جوامع الكلم خصلة بنيوية لا وجود لها إلا في اللغة العربية.

من خصائص العربية.
1 من اللغات القليلة جدا ممن يرسم توافقا مع حركة وإمتداد اليمنى بإستقامة أي من اليمين إلى الشمال.( العبرية والفارسية مثلا). الأصل أن ترسم العربية باليمنى وأن ترسم اللغات التي تكتب من الشمال إلى اليمين باليسرى فإذا رسمت تلك اللغات باليمنى فإن الأمر لا يخلو من نشاز.
2 من اللغات القليلة جدا ( إن لم تكن اللغة الوحيدة ) ممن لا تحتاج إلى حروف زائدة لتعيين حركة الحرف إذ يكتفى بالحركات المعروفة من فتح و ضم وكسر وسكون وتنوين وهو ما ييسر إختصار رسمها ليحتل أدنى حيز ممكن بل يمكن الإستغناء عن تلك الحركات أصلا عندما يكون العرب عربا بمثل ما ورد القرآن الكريم حتى أواسط الدولة الأموية ( عهد السفاح الحجاج) مهملا ( أي غير منقط الحروف أو غير معجمة بالتعبير القديم ). أما اللغات المعروفة الأخرى فهي تحتاج إلى حروف زائدة لتعيين حركتها (voyelles). كما لا تحتاج اللغة العربية في مدودها إلا لحروف هوائية ثلاثة ( واي) بينما تكون حروف المد في اللغات الأخرى أكثر من ذلك بكثير (a . e . u.i.y.o.). لكل ذلك علاقة بفضيلة جوامع الكلم. جوامع الكلم قيمة لا تقتصر على المعنى كما يتبادر إلى الذهن بل تتعداه إلى المبنى المختصر اليسير.
3 من اللغات القليلة جدا ( إن لم تكن الوحيدة ) ممن تستعيض بالتضعيف ( الشدة ) عن رسم حرفين متماثلين. ب + ب = بّ. أي ميزة أخرى من ميزات الإختصار واليسر وإدخار الجهد ورقا وكتابة ومدادا.
4 إتصال المبنى بالمعنى في اللغة العربية أمر أعجب من العجب العجاب حتى إن القلم ليرتد حسيرا دون أن يحيط بالإعراب عن تلك الفضيلة العظمى. المعنى في اللغة العربية هو معادلة قوامها العناصر التالية : مخرج الحرف وصفة الحرف وموقع الحرف من الكلمة ومخارج وصفات ومواقع الحروف المجاورة لذلك الحرف. دوران المعنى كله تقريبا على الحرف و هو حرف مسموع وليس مكتوبا كما هو معلوم من تاريخ العرب وتاريخ بداية الإسلام حتى عهد التدوين والكتابة. ذاك أمر إن وجد في بعض اللغات الأخرى فإنه في اللغة العربية مربط الفرس كما تقول العرب ولذلك إرتبط علم التجويد ( علم القراءات والترتيل ) إرتباطا وثيقا جدا في جونب كبيرة منه وكثيرة بعلم اللغة العربية. وفضلا عن ذلك فإن جذور اللغة العربية التي تربو عن 80 ألف جذر ( أغلبها ثلاثي التكوين ) متصلة بعضها ببعض على نحو أن كل جذرين مشتركين في أكثر مكوناتهما لا بد أن يؤولا إلى عائلة دلالية واحدة. أي توخي قانون وصل المتقاربات والمتآلفات والمتجانسات وفصل المختلفات والمتفارقات ومن ذا ينشأ الترادف من جهة والتضاد من جهة أخرى. لأثر السماع في اللغة العربية دور كبير جدا بما يحدد إتجاه المعنى وعائلة الجذر من خلال إيقاع السماع دون حاجة إلى كتابة بقلم أو إشارة بجارحة. إنتهى اللغوي العربي الشهير ( الدكتور عبد الصبور شاهين عليه رحمة الله سبحانه) إلى أن القرآن الكريم لم ينتخب من لغة العرب سوى ما يناهز السدس. ألا ترى أنه تحداهم بالسدس فحسب من لغتهم؟ كيف لا وهو لا يفتأ يذكرهم بحروفهم التي صنعوا منها الذي صنعوا؟ ( يا طه رح نقص عسلكم( أي أن عدد حروف التحدي (14) هو نصف الأبجدية العربية وهو وارد في سور بعدد الأبجدية ذاتها (29 )). يذكرهم بها وهو يقول في كل مرة تقريبا : تلك آيات الكتاب المبين .. ذلك الكتاب لا ريب فيه .. إلى آخر ذلك مما ورد فيه.
5 اللغة العربية لغة موسيقية غنائية إيقاعية بالضرورة وذلك بسبب إحتوائها على حروف المد الهوائية الثلاثة ( واي) ولا تجد ذلك في الفرنسية والإنجليزية والألمانية مثلا. ولذلك كانت كما أنف ذكره لغة التجويد والتحسين والترتيل حتى قال عليه الصلاة والسلام : „ ليس منا من لم يتغن بالقرآن الكريم”. ولا يكون التغني إلا بالمدود الطبيعية وهي مدود في كل الإتجاهات أي فتحا وجرا وضما وليس ذلك ممكنا في بقية اللغات إلا تكلفا.
6 هي اللغة الوحيدة التي لا يند عنها حرف واحد نطقا ومخرجا. ألا ترى أن غيرك لا ينطق الحاء مثلا وبعضهم لا ينطق الخاء أو الذال أو العين أو القاف فضلا عن الضاد المتميز عن الظاء نطقا ورسما ومع ذلك فإن بعض الحروف في اللغة العربية لا تتجاور أبدا تيسيرا للنطق من مثل : الغين والخاء أو السين والذال إلخ.. ومن ذلك أيضا توخي الدمج بين المتجانسين مخرجا( وهو من أقوى أسباب الإدغام المعروف في علم التجويد) طلبا لليسر دوما ( وإدكر بعد أمة = أصلها : تذكر بعد أمة. فهل من مدكر = أصلها : هل من متذكر).
7 لغة الشعر الموزون ببحوره الستة عشر توافقا مع كل حاجات التعبير العربي وليس هناك لغة أخرى على وجه الأرض تعرف بلغة العروض إخضاعا لمباني الكلام ودلالاته إلى تفعيلات معينة محددة تلبية لكل مقامات الحديث والعجب العجاب هنا أن ذلك أيضا لم يكن يعرف بغير السماع ولو سألت عربيا سليقيا قحا في الجاهلية عن العروض والتفعيلات والبحور لأنكر عليك. أي أن العرب أودعوا لغتهم تلك الفنون الجمالية الباهرة الأخاذة ولم يزد من جاء بعدهم على إكتشافها بمثل ما يكتشف عالم المادة قانونا فيزيائيا أو كيميائيا مودعا من الباري في كونه أو خلقه.
أمثلة من روائع التعبير العربي.
1 قوله سبحانه في أطول كلمة في القرآن الكريم ( سورة الحجر ) : „ فأسقيناكموه “. = أحد عشر حرفا تكونت منها جملة مفيدة ولا يمكن بناء ذلك في أي لغة أخرى بمثل عدد تلك الحروف أو أدنى. ومثله قوله سبحانه في سورة يوسف عليه السلام : „ خلصوا نجيا”. لا يمكن التعبير عن ذلك بمثل عدد تلك الحروف أو أدنى.
2 قال أعرابي : „ أشكو إليكم زمانا كلح في وجهه وأناخ علي كلكله بعد نعمة من المال وثروة من الآل وغبطة من الحال إعتورتني جدائده بنبل مصائبه عن قسي نوائبه فما ترك ثاغية أجتدي ضرعها ولا راغية أرتجي نفعها فهل فيكم من معين على صرفه أو معد على حتفه”. أين ذاك من عثرات لأكثر إعلاميي الفضائيات من مثل قولهم : تواجد بالمكان ويقصدون وجد به أو من مثل هكذا سلوك وهي ترجمة حرفية لبعض تراكيب اللغات اللاتينية ( tel – solche) ومن مثل قولهم : أنت كمحلل وهي كذلك ترجمة بليدة لقولك ( comme – als) فضلا عن أخطاء النطق الموغلة في الفجاجة والعجمة من مثل إعراب المبني أو تحريك الممنوع من الصرف وشناعات أخرى لا تكاد تحصى وكأن الإعلامي العربي هجنة لقيطة لا لون لها ولا ريح ولا طعم.

أمثلة من الخطإ الشنيع في ترجمات القرآن الكريم.
هذا موضوع مؤلم جدا ولا يحسن سوى تكافلنا مجتمعين تصديا لآثاره السيئة وإصلاحا. هذا مثال من ا لخطإ في بعض التراجم الألمانية المعتمدة وقد تسمح الظروف بإحصائها تنبيها إليها. ورد الخطأ في ترجمة سورة الحج ( قوله سبحانه : „ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم”. آية 37). قام على الترجمة كل من الشيخ عبد الله السميط والسيد فرانك بوبنهايم والداعية المعروف الدكتور نديم إلياس وهي ترجمة متبناة من لدن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1422 هجرية ( ردمك = 1 38 847 9960). ورقم الإيداع هو : 22 3909. المراقبة النهائية عدد : 333 . ورد في الترجمة الألمانية :
„ Weder ihr fleisch noch ihr Blut werden Allah erreichen , aber Ihn erreicht die Gottesfurcht von euch“. موضع الخطإ هنا هو كلمة (Ihn) المشار إليها آنفا بالحرف المفخم والمسطر. وهي تعني الضمير المعبر عنه في الآية ( يناله ) ولا أدل على ذلك من أن المترجم يرسم ذلك كما إلتزم بذلك في الكتاب بحرف التبجيل الذي يرسم مفخما. الآية تعني باللغة الألمانية المترجمة : لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن ينال الله التقوى منكم. أي أن الله سبحانه تناله تقوانا أو تصيبه تقوانا. ومعلوم في العقيدة الإسلامية أن الله سبحانه لا يناله شيء منا لا تقوى ولا عصيانا وسبحان من لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين.المعنى الصحيح الأوحد للآية هو : أن إهراق الدماء في الأضحية والهدي وغيرهما وما يترتب عن ذلك من أكل لحم وطعام والتصدق به لا ينال الله منه شيء لأنه أغنى الأغنياء سبحانه وسبحان من ليس كمثله شيء ولكن ننتفع نحن بآثار ذلك العمل الصالح لأنه ينبت التقوى فينا ويغذيها فهي التي تنال ذلك وهو تعبير بليغ جميل يعرض التقوى كائنا حيا يتغذى بالعمل الصالح ويذوي بإنقطاعه. الذي حمل المترجمين على الخطإ هو تقدم الضمير في كلمة ( يناله) على المضمر المذكور على خلاف العادة في التعبير العادي من بعد ذلك أي التقوى. حسبوا أن الضمير لا بد أن يعود على سلف له وليس له هنا من سلف يمكن أن يعود إليه سوى الله سبحانه. وربما ظنوا أن كلمة التقوى المؤنثة ( تأنيثا معنويا) لا يحسن بها أن يضمر لها بضمير مذكر ( ه).أجل. هو خطأ شنيع بسبب أنه يوهم الألماني حديث الإسلام أن الله سبحانه قد يناله من عملنا شيء وحسبك بذاك خللا عقديا شنيعا. ذلك مطلوب إعلانه إصلاحا ولا ينقص ذلك قدر هذه الترجمة الجيدة جدا فيما إطلعت عليه من تراجم للقرآن الكريم إلى الألمانية جودة دلالية وإخراجية معا. ولا يخلو عمل بشري بالضرورة من هنات ونقائص ولا كمال إلا للمعصومين من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام جميعا.

كيف نعالج ألسنة عقدتها العجمة الكالحة.
قال أحد حاملي لواء البيان العربي المعاصر المرحوم الرافعي في ( تحت راية القرآن ) :
„ إن فصاحة العربية ليست في ألفاظها ولكن في تركيب ألفاظها كما أن الهزة والطرب ليست في النغمات ولكن في وجوه تأليفها”.
وقال العلامة إبن خلدون عليه رحمة الله سبحانه : „ إن حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم فينسج هو عليه”.

ألا تسأل نفسك : ما هو السر الذي جعل أكثر من مسيحي من مسيحيي لبنان يعلم ولده القرآن الكريم وهو به كافر؟ ليس هناك من سبب سوى لمعالجة عجمة كالحة وخير من يعرب اللسان هو القرآن الكريم.

مراجع مهمة.

1 القرآن الكريم.
2 كلام المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام.
3 ديوان العرب أي الشعر الجاهلي سيما لامياته ومعلقاته.
4 أشعار و آداب قديمة وحديثة منها : قصيدة بانت سعاد بحضرته عليه الصلاة والسلام وإبن قتيبة والمبرد ودواوين الشعر من مثل ديوان الفرزدق وإبن المقفع والجاحظ والأغاني للأصفهاني الذي يتخذه بعضنا مرجعا في الإسلام وما هو به ويعرضون عما هو به أي الأدب الرفيع والبيان الراقي ومن المحدثين : المرحوم الرافعي والطنطاوي والغزالي وسيد قطب ومن الشعراء : الشابي التونسي وحافظ إبراهيم وشوقي وغيرهم مما لا يحصى.

ما هي رسالة هذه الموعظة المتواضعة المرتجلة.

1 دعوة ملحة حارة إلى كل فخور بهويته العربية الإسلامية وكل غيور على لسانه ( بريد قلبه) أن يكافح بما أوتي من حكمة وحيلة وقوة لأجل حماية اللغة العربية. وكفاها فخرا أنها مفتاح الإسلام ومدخل القرآن إذ لا يزعم فقههما جاهل سوى بها.
2 حفظ اللسان العربي لنفسك وأهل بيتك منقبة لك ولهم بسبب القدرات غير العادية للغة العربية على الإعراب أي الإبانة بيسر بسبب قيامها على مزايا منها : الإشتقاق والتوليد والمجازالذي عد له اللغويون وجوها ناهزت خمسة عشر وجها ومنها النحت والتعريب.( ليس هناك جذر لغوي واحد إلا وهو يجني إليه في المحصلة ما لا يقل عن عشر كلمات).
3 غربتنا عن اللغة العربية مفضية بالضرورة إلى الغربة عن الفقه الصحيح والسليم ( ومنه المعاصر كذلك) للإسلام ومصدريه الخالدين : القرآن والسنة. ولذلك لم تندرج دعوات المصري سلامة موسى وغيره ممن دعا إلى التخلي عن الفصحى وتوخي اللهجات العامية المحلية سوى تحت سقف هدم الإسلام. إحفظ هذا جيدا وتدبره يرحمك الله : اللغة العربية هي وعاء الهوية والإسلام هو روح تلك الهوية. صغ ذلك في معادلة أخرى : ما لا وعاء له فضائع مهدور وما لا روح فيه فميت مهجور.
4 لا يعني ذلك العزوف عن تعلم لغات جديدة أبدا البتة لأن ذلك مخالف للإسلام مخالفة صحيحة صريحة. ولكن اللغات الجديدة ما ينبغي لها أن تكون ضرائر سوء ضد لسانك الأم بل أوضحت أكثر من دراسة ألمانية في مجالات التربية والتعليم بأن الطفل بقدر ما يكون مزودا بلغته الأم يكون أكثر تأهيلا لتعلم لغات أخرى جديدة ولكن الساسة والإعلاميين الذين يطلبون الذوبان وليس الإندماج أو المشاركة .. يكذبون. وفينا لهم سماعون.

وفي الختام إليك قصيدة الشاعر محمود مفلح.
عرب نحن؟ قال لي .. قلت كلا قال والمجد؟ قلت ماض تولى.
قال لا تنكر الجذور ولا ترشف بهذا الهواء قدحا معلى.
إننا أمة يليق بها المجد أما أرضعته بالأمس طفلا
وجرى أثرها ودار حواليها شغوفا عن أمه ما تخلى
ملعبا للنجوم كانت روابينا وقاماتنا من النجم أعلى
نحن من رضع الحياة شموسا وأحال الرماء ماء وظلا
قلت أمسك عليك لا تجرح الحرف فقد مل أن يلاث ويطلى
إن للحرف عزة هي أنقى من عقيق الحسان بل هي أغلى
نحن كنا.. نعم ولكنا الآن وماذا أقول؟ فالصمت أولى
قصعة نحن في عشاء المحاسيب دعاء على الوليمة يتلى
نحن من نحن في حساب الحضارات إذا أبحرت ذراعا وعقلا
كيف نزهو وعندنا كل يوم ألف شاة من ساقها تتدلى
شرفت مهنة الجزارة حتى أصبح السوق مسلخا ليس إلا
والزنازين بالرجالات غصت والمواخير بالزعامات حبلى
كل يوم تملي علينا المجاعات فصولا لخطها فصلا وفصلا
سكرت أمة الفرنجة بالعلم وبالجهل أمة العرب ثملى

والله أعلم.
الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.