في اطار فعاليات الدورة الأولى للأيام المسرحية محمد الزرقاطي بسوسة والتي نظمتها بلدية سوسة بالاشتراك مع المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث انتظم بدار الشرع مساء الجمعة الماضي لقاء فكري حول«مسيرة المرحوم محمد الزرقاطي والحركة المسرحية بسوسة» نشط فقراته الأستاذ منصف شرف الدين وقيدوما المسرح مراد كروت وكمال العلاوي وبعض الوجوه الثقافية والمسرحية من الجهة بحضور السيد المندوب الجهوي للثقافة بسوسة السيد الشاذلي العزابو ورئيس اللجنة الثقافية ببلدية الجهة السيد محمد الغرياني والدكتور هشام بن سعيد المساهم في هذه التظاهرة ومدير مهرجان سوسة الدولي. يعتبر الأستاذ منصف شرف الدين من المراجع الثقافية والفنية الهامة في تونس وما عكسه في هذا اللقاء الفكري دليل واضح على سعة ثقافة هذا المؤرخ حيث كشف للحاضرين حقائق تاريخية للمبدع محمد الزرقاطي المولود بسوسة في 12 أفريل 1921، بدأ تعلمه سنة 1927 بالمدرسة القرآنية التريكية بسوسة وصولا الى المدرسة الصادقية واشتغل بسلك التعليم الابتدائي سنة 1940 وامتدت مسيرة الرجل الى 55 سنة من العمل الثقافي المتنوع رغم أنه عصامي التكوين المسرحي من ادارة الفرق المسرحية والتأليف والاخراج للعديد من المسرحيات ومسؤوليات مسرحية أخرى كالمساهمة في تأسيس الجامعة التونسية للمسرح وكان أيضا من أهم النقاد المسرحيين في تلك الفترة وساهم بكثافة في الانتاج والاخراج والتمثيل بالاذاعة الجهوية بالمنستير كما كانت له كتابات شعرية حيث أنتج أكثر من 100 قصيدة بالدراجة التونسية وبالعربية الفصحى مما جعله يلقب ب«شاعر الرباط»ومن التظاهرات الثقافية التي لازالت تخلده هي استعراض أوسو الذي قام بوضع تصوره و اخراجه كما أسس صحبة رفيق دربه المرحوم عبد الحفيظ بوراوي مهرجان أوسو ومهرجان سوسة الدولي واستحق في هذه المسيرة تكريمين رئاسيين بنيله وسامي الاستحقاق الثقافي الثالث من الرئيس السابق الحبيب بورقيبة والوسام الثاني من طرف سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، وختم شرف الدين مداخلته بدعوته لجمع ما خلفه المرحوم من مقالات في كتاب نظرا لأهميتها الفنية. العلاوي يهاجم الاخراج المسرحي التونسي!!! اختار كمال العلاوي التحدث عن محمد الزرقاطي المخرج معتبرا أن «الاخراج في تونس مازال ضحلا لأن المخرجين محدودي الثقافة المسرحية والتي لا تسمح لهم بتفعيل هذا الاختصاص بجهلهم المفردات التي يمكن تطويعها ركحيا والى الآن نغالط الناس وندعي أن لنا مخرجين» على حد تعبيره وأضاف قائلا:« من من المسرحيين الآن قادرا على توظيف اللغة العربية الفصحى فالعربية لغة المسرح ولا نجد إلا تبريرات من قبيل النزول الى مستوى المتلقي في وقت وجب السمو بالمتفرج فنحن نتأخر الى الوراء بتعلة القرب الى الشعب فلا يوجد في تونس الا خمسة مخرجين والبقية لا يعرفون من الاخراج غير تحريك الأضواء» ودعا العلاوي الى الاقتداء بالمرحوم الزرقاطي الذي كان مثال المسرحي المتمكن من عمله معتبرا إياه سببا في ممارسته للمسرح. كروت يتحسر على الماضي مراد كروت يعتبر من المسرحيين الغيورين على المسرح الكلاسيكي وقد عاشر الزرقاطي مسرحيا ويعتبره من أساتذته الذي علمه مبادئ الفن الرابع قبل تقنياته مستعرضا أهم صفات هذا المبدع الذي لا يؤمن بالنجومية الزائفة ويحرص على تثقيف الممثل وتجويد العملية المسرحية على حد تعبيره حيث كان يستعين بموسيقيين لتدريب الممثلين على النطق والالقاء مثل اليوغسلافي «قينا» والتونسي الحبيب الرايس لتعليم الممثل المقامات الموسيقية والموشحات واعتبر كروت أن من نقاط قوة الزرقاطي أنه كان يخلق من لاشيء شيئا وخاصة في مجال الديكور مستدلا بمسرحية«رأس المملوك جابر» وأكد مراد كروت على أهمية المسرح الكلاسيكي الذي يعتبر بمثابة المبادئ الأولى التي يجب أن يتشبع بها المسرحي قبل الدخول في تجارب أخرى وتضمن حديث كروت حماسا فياضا عكس حسرة وألما على الفترة الذهبية للمسرح في سوسة مستاء من الواقع المسرحي الذي تسيطر عليه المادة دون الكيف على حد رأيه داعيا الوزارة الى ايقاف الدعم للمسرحيين لما سماهم«بالتجار المسرحيين» وأصحاب الشركات الا لمن يستحق ذلك داعيا لجنة التوجيه المسرحي الى ايقاف تيار المسرحيات المبتذلة التي يتبجح اصحابها بما حوته من عبارات منافية للأخلاق، كما لم يخف استياءه من غياب مسرحيي الجهة عن هذا اللقاء مضيفا «لماذا يطالبون بالدعم المادي ولانجدهم حتى للاستماع لمسيرةالمسرحي محمد الزرقاطي، يطالبون بحقوقهم ولا يقومون بواجباتهم وأخشى أن يحدث لي بعد موتي مثلما حدث للزرقاطي فقد لا يمشي في جنازتي إلا عائلتي فعليّ أن أجهز اربعينيتي بنفسي مادمت حيا من يدري ماذا سيحدث بعد وفاتي فلست في مأمن». تكامل أم صراع جيلين?! آراء العلاوي وكروت حول واقع المسرح لم تمر مرور الكرام بل استفزت الأستاذ يوسف البحري الذي اعتبر أن من المفروض ان تحافظ الجلسة على أبعادها ولا تصبح منبرا لضرب مجهود جيل جديد من المسرحيين وشتمهم وهنا وقعت مشادة كلامية بينه وبين مراد كروت وتدخل العلاوي مساندا كروت حول تقاعس المسرحيين في الحضور ذاكرا جمعية الاتحاد المسرحي التي أسسها محمد الزرقاطي وهي الغائبة في تكريم مؤسسها!!!. وعكست هذه المشادة الكلامية صورة لواقع الفن الرابع اليوم!!! شهادة برتبة وثيقة حضر اللقاء عائلة المرحوم محمد الزرقاطي والتي لم يبق منها ممارسا للمسرح إلا الإبن طارق من خلال الأعمال الدرامية التلفزية والاذاعية أو الفداوي واخراج أعمال مسرحية موجهة للأطفال بعد أن انسحب من جمعية الاتحاد المسرحي وهذا موضوع آخر سنأتي على تحليله في ورقة لاحقة إن شاء الله وأظهر طارق تأثرا كبيرا لا بتجاهل مسيرة أبيه في الجهة فحسب بل كان وفيا لصفات والده في الحرص على التأسيس والبحث عن الأسباب مساندا مراد كروت في أن الأزمة ليست قطاعية بل أزمة أشخاص معتبرا أن سوسة لا تستطيع أن تبني على نجاحات السابقين واستدل بعدة أمثلة منها مهرجان «أوسو» الذي وصل في وقت ما الى القمة وبدأ يتراجع وجمعية المسرح الحي لرضا دريرة التي حصدت عدة جوائز وطنية وعربية ثم غابت ومهرجان الفكاهيين العرب الذي اندثر وغيرهامن التظاهرات المهمة التي ما ان تنجح حتى تتراجع أو تضمحل واستعرض تجربته مع أبيه عندما كان يصطحبه في جولته المسرحية منها مسرحية«شمس النهار» حيث يتنقلون في ربوع البلاد ب 10 أطنان من الديكور و 55 ممثلا واليوم يحتارون في حمل حقيبة واربعة ممثلين«على حد تعبيره». الدكتور بن سعيد يضع الأمور في إطارها أكد السيد محمد الغرياني رئيس لجنة الثقافة ببلدية سوسة على حرص الدكتور هشام بن سعيد على تفعيل هذه التظاهرة بعد أن خيرت اللجنة تأخيرها مقرا بمساهمته الكبيرة في ذلك وفي كلمته الاختتامية لهذا اللقاء أكد الدكتور بن سعيد أن «الزرقاطي رجل مغمور لم يجد حظه كما يجب ولا بد أن يكون قدوة للمسرحيين في اجتهاده غير المشروط وغير المحدود و حرفيته العالية» مؤكدا أن عمل لجنة الثقافة بالبلدية سيكون ثريا وناجعا انطلاقا من 2011.