أعادت الأحداث الأخيرة التي عاشتها ولاية سيدي بوزيد مسائل التنمية الجهوية والمحلية والتوازن بين الجهات والتكافؤ بين الفئات والبطالة والتشغيل إلى صدارة النقاشات. ورغبة منّي في إثراء الحوار الجدي والمسؤول للنهوض بهذه الجهة بعيدا عن كل أشكال المزايدة والتعصب الجهوي بل من صميم المسؤولية الوطنية والمدنية والاعتزاز بالانتماء لهذه الولاية أقدم هذه المساهمة محاولا تضمينها عددا من المقترحات لاستيعاب نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل ويفتح الآفاق أمامهم ويزرع الأمل في قلوبهم ويبعد اليأس عن عقولهم. ولاية سيدي بوزيد الموجودة بالوسط التونسي، تحدها سبع ولايات يكفي ساعة من الزمن للوصول إلى مراكزها تمسح الولاية 7400 كلم2 ويقطنها حوالي نصف مليون نسمة وتم إحداثها سنة 1973 وضمت المعتمديات الأكثر فقرا للولايات المجاورة. وضعية عقارية إن سيدي بوزيد ليست مدينة محروقة أو صحراء أو أرضا قاحلة كما يتصورها البعض أو يصورها آخرون بل هي أرض خضراء ومعطاء بالرجال والكفاءات والخيرات، إذ هي ضمن الصدارة على المستوى الوطني في أكثر من منتوج فلاحي وكذلك وهذا مهم وأهم أيضا، في عدد الناجحين في البكالوريا والطلبة والخريجين والأساتذة الجامعيين و الكوادر في مختلف الاختصاصات فسيدي بوزيد كانت ومازالت معطاء، زمن الاستعمار وزمن الجمهورية. تعتبر الفلاحة القاعدة الاقتصادية الأساسية، ممّا يتطلّب الاهتمام بهذا الميدان وذلك باتخاذ إجراءات عليا تتعلق بتسوية الوضعية العقارية للأراضي الفلاحية وتمليك المتصرفين فيها أبا عن جد، ممّا يشجعهم ويشجع أبناءهم على الاستقرار وتعاطي الفلاحة، هذا دون التغافل عن توفير الإرشاد الفلاحي العصري والعلمي بانتدابات كفاءات عليا مختصة، وكذلك تسهيل إجراءات الاقتراض في كنف الشفافية وإعطاء الضمانات لترويج المنتوج سواء في الأسواق بعيدا عن بعض المحتكرين أو عن طريق الصناعات الغذائية التحويلية ومركزية الحليب يتم بعثها جميعا إن لزم الأمر من طرف القطاع العام. إن الاقتصار على المجال الفلاحي لم يعد حلاّ لاستيعاب أبناء الجهة وتشغيلهم لذلك فقد أصبح تنويع القاعدة الاقتصادية ضروريا ولا بد من إجراءات عاجلة للاستثمار في مجالات أخرى والقيام ببعث مشاريع مشغلة حتى تتمكن الجهة من الاستفادة من أبنائها الخريجين وأصيليها الذين أجبرتهم قلّة فرص الشغل إلى النزوح إلى جهات أخرى وخاصة الفتيات في قطاع النسيج ويبقى موقع الولاية في وسط البلاد عاملا هامّا في عملية الترويج سواء داخليا أو خارجيّا لقربها من عدد من المدن الساحلية (لا تتجاوز المسافة 150 كلم) وكذلك من الحدود التونسية الجزائرية إذ تبقى السوق الجزائرية سوقا مهمة لعدد من المنتوجات التونسية. صعوبة نظرا لصعوبة بعث المشاريع الخاصة واعتمادها على الفلاحة حرص أهالي سيدي بوزيد على إيلاء تعليم أبنائهم أهمية كبرى حتى على حساب احتياجاتهم لذلك كانت الولاية ضمن ولايات الصدارة في امتحان البكالوريا من حيث العدد (لا النسبة) إضافة إلى حوالي ألف مدرس جامعي من مختلف الأصناف والدرجات والاختصاصات هم من أصيلي الجهة وهو ما يؤهلها لاحتضان أكثر من مؤسسة جامعية زيادة عن المعهدين العاليين الموجودين بها ولعلّ من المقترحات ونظرا إلى طبيعة الجهة أن يبعث في السنة المقبلة معهد تحضيري للدراسات الهندسية في انتظار مدرسة مهندسين في اختصاصات الفلاحة والمياه والبيئة، ويبقى قرب الولاية من أربع جامعات (القيروان 100 كلم قفصة 100 كلم صفاقس 130 كلم قابس 150 كلم) عاملا أساسيا لبعث قطب جامعي بها والاستفادة من الكفاءات العلمية الموجودة بها سواء من أبناء الجهة أو غيرهم. أصبح التمتع بالخدمات الصحية مؤرقا فالمستشفى الجهوي عاجز عن توفير احتياجات المواطنين الصحية مما يدفعهم إلى الذهاب إلى مستشفيات صفاقس وتونس وسوسة والمنستير والمصحات الخاصة بهذه المدن إن تشييد مستشفى جامعي بالمدينة بات ضروريّا يستفيد منه الأهالي وكذلك مواطنو الولايات الأخرى المجاورة التي تفتقد لمستشفى جامعي ويمكن من استيعاب عدد من أطباء الاختصاص الذين عجزت المدن الساحلية عن استيعابهم. مخزون للجهة مخزون حضاري وثقافي وتاريخي هام يجب الاهتمام به وإبرازه والاعتناء ببعض المعالم الأثرية كمدينة جلمة القديمة وقصر خليفة الزناتي وغيرهما كذلك لا بد من تأسيس مهرجان دولي يبرز هذه الخصوصيات الحضارية والثقافية ووضع الجهة في خارطة مسالك سياحية حقيقية مما يمكن عددا كبيرا من الخريجين والمواطنين من إيجاد فرص عمل انطلاقا من استغلال المخزون الثقافي والحضاري والغذائي للجهة. تشتت في الوقت الذي تحرص فيه الدولة على إيجاد الشبابيك الموحدة لتسهيل التعامل الإداري مع المواطنين وخاصة الباعثين الشبان، تعرف ولاية سيدي بوزيد تشتتا غريبا في «المرجعية الإدارية» فهي راجعة بالنظر إلى ولاية قفصة في العدل وسوسة في الخدمات الجامعية والتطهير والقيروان في التعليم العالي وصفاقس في البنوك والقصرين في البنوك والكهرباء والغاز... إن هذه الوضعية الإدارية تتطلب إصلاحا إداريا مستعجلا لتسهيل التواصل بين المواطن والمسؤول. إنّ إنجاح المجالات آنفة الذكر وحتى تكون الجهة قطبا تنمويا حقيقيا، وهي مؤهلة لذلك وجب الاهتمام بالبنية التحتية وخاصة الطرقات الوطنية والجهوية وكذلك المسالك الفلاحية ويبقى إنجاز الطريق السيارة حلما يراود أبناء الجهة. في الأخير لا بد من التنويه بأن أبناء الجهة من نقابيين وسياسيين وشخصيات عملت بحرص كبير على التصدي للعنف والعمل على إيجاد قنوات حوار حقيقي وجاد، كما أن بعض الأحداث يمكن اعتبارها انفلاتا وليست مقياسا للحكم على أبناء الجهة كما يجب التأكيد على أن رفعنا لهذه المطالب ليس فيه نكران لما حققته الجهة من إنجازات وكما قلنا في البداية هذه الولاية ليست أرضا محروقة بل هي أرض خضراء ومعطاء على الدوام، وبالمناسبة كذلك أدعو إلى حوار جدّي ومسؤول يشارك فيه كل أبناء الجهة لرسم غد أفضل لها بعيدا عن العقليات المغلقة والسوداوية. إني كغيري من أبناء الجهة نعوّل على جملة من القرارات السامية تتضمن إجراءات حاسمة تعيد الهدوء والطمأنينة إلى الجهة وتعيد الأمل وتنزع بعض اليأس وتنشر الفرح وتعلق صفحة الحزن التي عاشتها بعض العائلات. عبد القادر حمدوني (جامعي ونقابي)