تونس (الشروق) إعداد محمد علي خليفة شهد لبنان الذي يحفل تاريخه الحديث بالأزمات السياسية والحروب نشوء أزمة جديدة خلال عام 2010 تمحورت حول المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، قد يدفع البلد مجدّدا ثمنا باهظا للخروج منها. فالسنة التي توشك على الانقضاء كانت سنة المحكمة الدولية بامتياز حيث طفت تطوراتها على كل الأحداث الأخرى، وهي أيضا سنة الانقسام اللبناني المستمر حول قضايا وطنية كثيرة أولها قضية المحكمة. ويحبس اللبنانيون أنفاسهم منذ جويلية الماضي حين كشف أمين عام «حزب اللّه» حسن نصر اللّه أن المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت بقرار من مجلس الأمن الدولي عام 2007 ستتهم عناصر من حزبه بجريمة اغتيال الحريري. جدل... ومخاوف ومنذ ذلك الحين بدأ «حزب اللّه» هجوما على المحكمة معتبرا أنها «أداة اسرائيلية أمريكية» لاستهدافه، في وقت لا يزال فريق رئيس الحكومة سعد الحريري متمسّكا بالمحكمة ل«تحقيق العدالة» كما يقول. وبادر نصر اللّه بعقد مؤتمر صحفي قدم فيه قرائن تدين اسرائيل بارتكاب الجريمة، وطالب هو ومعه كثيرون في لبنان المحكمة الدولية بأخذ تلك القرائن في الاعتبار إذا كانت ترنو الى تحقيق العدالة، لكن المحكمة تجاهلت تلك الدعوات، مما ضاعف من غضب «حزب اللّه» وفريق المعارضة الذي ازداد قناعة بأن المحكمة مسيّسة. وقدم رئيس كتلة «حزب اللّه» النيابية محمد رعد من جانبه عرضا مفصّلا عن آليات عمل المحكمة وأكد أنها غير شرعية قانونيا وسياسيا، وهو ما فتح بابا واسعا للجدل بين الفرقاء السياسيين في لبنان حول المسألة. وشهدت الأزمة تصعيدا خلال الأسابيع الأخيرة من السّنة مع التوقعات بقرب تسليم مدّعي المحكمة دانيال بلمار مسودّة القرار الظنّي الى قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين. وعلّق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكيةببيروت مروان رويهب بأن «الفرقاء في لبنان وضعوا أنفسهم في مواقع لا يمكن أن يتراجعوا عنها، لقد فقدوا زمام المبادرة وأصبح كل منهم أسير موقفه في ما يتطلّع الى الخارج». ويضيف رويهب أن «الوضع خطير بسبب وجود السلاح، ولأن البلاد منقسمة طائفيا بشكل أكبر مما كانت عليه عشية الحرب الأهلية (1975 1990) مشيرا في الوقت نفسه الى «صعوبة التكهن بما سيحصل خصوصا بسبب كثرة اللاعبين» السياسيين. وتكثفت الوساطات الخارجية منذ الصيف الماضي بقيادة السعودية وسوريا في محاولة لاحتواء أية تداعيات خطيرة، خصوصا أمنيّة، لصدور القرار الظنّي إذا ما اتهم «حزب اللّه» بالفعل باغتيال الحريري. وكان الحدث الأبرز في سباق هذه الوساطات القمّة الثلاثية التي عقدت في بيروت في أوت الماضي وضمّت العاهل السعودي الملك عبد اللّه بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان. وزار لبنان خلال الأشهر الأخيرة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. في المقابل جال الحريري على عدد كبير من الدول العربية والأوروبية في محاولة للحصول على دعم من أجل تفادي تطور الأوضاع الى الأسوإ. انفجار أمني... وشلل سياسي ويرى المحلل راجح خورى أن «هناك عوامل كثيرة تستدعي الخوف من انفجار أمني.. لكن هناك مبالغة أيضا في ما يمكن أن يقوم به «حزب اللّه» موضحا أنه «قد تحدث تفجيرات في مناطق لبنانية محددة على خلفية احتقان طائفي ومذهبي». ويخشى اللبنانيون من تكرار أحداث 7 ماي 2008 التي اجتاح خلالها «حزب اللّه» معظم أحياء بيروتالغربية بسبب معارك بينه وبين أنصار الحريري تسبّبت في مقتل أكثر من 100 شخص. وينعكس انتظار القرار الظنّي على حكومة الوحدة الوطنية التي باتت تشهد حالة من الشلل منذ عدة أسابيع بسبب الخلافات على قضية شهود الزور . واعتبر خوري أن «تصرّفات السياسيين تعرقل الاقتصاد، فالشلل السياسي القائم أدّى الى غياب الدولة تقريبا في كل وزاراتها ومؤسّساتها العامة». وحسب خوري «تترتّب عن هذا الأمر تداعيات اقتصادية كبيرة جدا، ولولا التحويلات المالية للبنانيين في الخارج لكان الانهيار الاقتصادي أصاب كل القطاعات». وتتلهّى بيروت اليوم في «زمن الأعياد» باجترار الحديث عن المسعى الغامض على المسار السوري السعودي، وسط الاستعانة بنجوم «عالم التوقعات» لسبر أغوار القرار الاتهامي وتحديد موعد صدوره تبعا ل«حركة الكواكب» في عوالم الفلك الاقليمية والدولية. ويودّع لبنان عام 2010 مستقبلا العام الجديد دون حلّ في الأفق، فالحكومة معطلة والبرلمان معطّل، حتى أن البعض ذهب الى حدّ المطالبة بهيئة طوارئ وطنية تجنّب البلاد الانزلاق مجددا الى الحرب الأهلية.