إن الزوبعة التي تثيرها حاليا كل من الولاياتالمتحدةالامريكية وحليفتها بريطانيا حول احداث إقليم دارفور في السودان لا تعدو في نهاية الامر ان تكون زوبعة مصطنعة تؤكد مرة أخرى خطورة النظام العالمي الجديد على الامن العالمي وعلى استقلال الدول وحرية الشعوب. فهذه المسألة تهم الحكومة السودانية في المقام الاول والأخير دون سواها من دول الجوار او غيرها. اذ أن الجمهورية السودانية بلد حر ومستقل وذو سيادة على كامل اراضيه ويتحكم في كل مواطنيه على اختلاف اعراقهم وأديانهم واصولهم وما مسألة اقليم دارفور الا مسألة داخلية بحتة لكن هواة النفخ في اللهب واشعال النيران واحداث الحرائق في مناطق مختلفة من العالم والتدخل في سياسات وأمن بقية الدول تحت غطاء المبادئ الانسانية وتحت شعار حماية الاقليات ومناصرة المظلومين يبحثون عن مثل هذه الفرص ليحشروا أنفسهم ويزجوا بقواتهم في أي مناطق بها أزمات لالقاء الزيت على النار والمساهمة في إذكاء فتيل الفتنة والنفخ في مزامير الحروب والاضطرابات واطالة حالة الارتباك الامني وعدم الاستقرار ليمرروا سياستهم ويخدموا مصالحهم ويبلغوا اهدافهم وصولا الى تقسيم بلد ينظر اليه على كونه عمقا استراتيجيا للامة العربية من الناحية الامنية والزراعية والمائية. فبعد اسقاط نظام صدام حسين المعادي للمصالح الامريكية في المنطقة وبعد التهديدات واقرار بعض العقوبات ضد سوريا ومحاولة املاء شروط على عدة بلدان عربية تتعلق بمناهج التعليم والانظمة السياسية تحت شعار تحقيق الديمقراطية وارساء حقوق الانسان في المنطقة العربية يبدو ان الدور قد جاء حاليا على الحكومة السودانية التي لا ترضى عنها الولاياتالمتحدة في خطة استراتيجية متكاملة تهدف الى إضعاف أهم الدول العربية ومحاولة تفتيتها وتقسيمها الى كيانات صغيرة ودول ضعيفة على أساس طائفي وديني وعرقي وقومي الى غير ذلك من وسائل التفرقة. إن السودان العريق في ثقافته وتاريخه المتجذر في أصالته وتسامحه الديني منذ قرون وقرون لم يشتك فيه أي مواطن في أي وقت مضى من التعرض الى الظلم او الاضطهاد او التفرقة على أساس الدين او العرق او غير ذلك. أما اليوم فان الاضواء الكاشفة اصبحت مسلطة عليه تحصي حركاته وسكناته وتحاسبه على كل كبيرة وصغيرة ولا تغفر له اي شاردة او واردة. وما الضغوطات الدولية المسلطة على هذا البلد في المنتظم الاممي بسعي ودفع من الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا والتلويح بالعقوبات ومنحه اقصر الآجال للانصياع لشروط قاسية ومجحفة بل والتهديد حتى بالتدخل العسكري المباشر سوى وجه جديد لمحاولة الهيمنة الامريكية البريطانية على عدة مناطق في العالم ودليل واضح على العربدة والاستخفاف بسيادة البلدان وانتهاك استقلالها. فاذا كانت رائحة الموت تشتم في دارفور فانها تفوح في كل مكان في فلسطين من جنين الى بيت لحم ومن قطاع غزة الى جنين ومن القدس الى نابلس ومن بيت لحم الى الخليل واذا كانت بعض المليشيات التي يقال انها موالية للحكومة تمارس بعض الاعمال المسلحة ضد أهالي دارفور فانه لم يثبت بصفة قطعية وجود صلة لها بالنظام السوداني. أما قوات شارون النظامية فهي تمارس التقتيل على المكشوف ليلا نهارا وتتبجح بقتل الاطفال والنساء والابرياء في نطاق خطتها الامنية وحسب سياستها الرسمية واذا كانت آلة الحرب تدور بسلاح خفيف وبسيط غالبا في دارفور فان جيش الاحتلال الصهيوني يحترف التقتيل والابادة بأحدث الأسلحة الامريكية وأكثرها تطورا وفتكا وتدميرا واذا كان ما يدور في دارفور مفضوحا تتهافت على نشره وسائل الاعلام الدولية فان المجازر الاسرائيلية يتم تعتيمها والتستر عليها. وإن هذه التصرفات والاسراع بالتحرك واتخاذ القرارات واصدار العقوبات والزيارات لمنطقة دارفور من قبل عديد الشخصيات من هذه البلدان ومن الأمين العام لمنظمة الاممالمتحدة الذي اصبح يتحرك برغبة وأوامر أمريكية، لا تعدو ان تكشف مرة أخرى للعالم وللضمائر الصادقة والشرفاء في كل مكان ان السياسة الامريكية البريطانية لم تعد تحترم ابسط مبادئ العدل والمساواة ولم تعد تحافظ حتى على مصداقيتها بل أصبحت تكيل بالمكيالين على المكشوف وفي وضح النهار. نقول هذا نظرا لما يحصل في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة من قبل اسرائيل وخاصة في ظل حكومة الليكود منذ عدة سنوات من تقتيل وتنكيل بشعب أعزل وسياسة التجويع وهدم البيوت وقصف البشر من الجو بالمروحيات والصواريخ كالكلاب وإبادة شعب كامل وتقسيم أراضيه وتفكيك وطنه بهذا الجدار العازل الذي تساند بناءه كل من أمريكا وبريطانيا وإلصاق تهمة الارهاب بالمناضلين والمدافعين عن وطنهم والمجاهدين من أجل حقوقهم المشروعة. كل هذا لم يحرك سواكن أمريكا ولا بريطانيا ولم يدعوهما للتحرك لرفع الظلم وإيقاف العدوان وارسال قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني من البطش والهيمنة والقمع الاسرائيلي الذي يتعرض له يوميا بل على العكس مما هو متوقع ومنتظر من أكبر دولة في العالم فان السفاح شارون الذي كان أول من جلب الارهاب ومارسه في المنطقة يستقبل في عديد المناسبات في البيت الابيض بكل ترحاب وحفاوة وكأنه حمامة سلام بينما تقطع كل وسائل الاتصال بالرئيس عرفات ولا تصدر اي إشارة لرفع الحصار عنه وتميكنه من حرية الحركة ومباشرة مهامه كاملة بصفته رئيسا منتخبا وممثلا شرعيا لشعبه ووطنه. ومع احترامنا لكل المظلومين والمضطهدين في أي بلد ورغم اعتقادنا ان رفع الظلم ووقف الانتهاكات لحقوق اي انسان او مجموعة بشرية في أي مكان من هذا العالم انما هي من أوكد واجبات كل الدول وخاصة منها القوية والفاعلة على الساحة العالمية فإننا نهمس لبوش وحليفه في كل المصائب والبلايا التي توجه للعالم العربي والاسلامي إننا سنكون معهما في الصف الاول في إقليم دارفور لو أنهما انتبها قبلها لمعاناة طويلة وقاسية ومأساة تحاك خيوطها في صمت وحرب ضروس وقودها أبناء الشعب الفلسطيني الذي لا يقل أهمية عن أهل دارفور. فمتى يقلع المستر بوش عن استعمال المكيالين غير المتساويين ومتى ينتبه المستر بلير لكونه يضر بمستقبله السياسي وبمصالح بلاده كلما اصطف وراء بوش من باب «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»... ونادرا ما كان مظلوما!