يكتبها اليوم من القاهرة د. عبد اللّه الأشعل عقد في باريس يوم 15 ديسمبر الجاري ملتقى ضم باحثين ومسؤولين من الخليج وبريطانيا وفرنسا وكندا والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي لبحث التحديات التي تواجه أمن الخليج. بدأ الملتقى بالتجاذب التقليدى حول اسم الخليج: عربي أم فارسي ورجح الغربيون أنه تاريخيا اسمه الخليج الفارسي، وأشير الى أن عروبة الخليج لم تطرح الا منذ ظهور المد القومي ضد اسرائيل وايران في العهد الناصري. وقد اهتم اللقاء بتحديد معنى أمن الخليج، والأمن لمن ومن يهدده، واتفق على أنه لأول مرة يظهر مفهوم مشترك لمعنى الأمن من وجهة نظر المعنيين به لكن الخلاف نشب حول من يهدد هذا الأمن. فاذا كان أمن الخليج يعني عند جميع الفرقاء عدم تعرض دول الخليج للاعتداء وانسياب بتروله الى أسواقه وأمن المجتمعات والنظم وحريتها في تحالفاتها ومصالحها، فقد اختلف الباحثون حول من يهدد هذا الأمن. ويمكن في هذا الصدد أن نميز بين ثلاثة مداخل ومناهج في تحديد هذه النقطة. المنهج الأول الذي أجمع عليه الفريق الأوروبي باستثناء وزير خارجية فرنسا السابق دي شاريت أحد رعاة هذا الملتقى، حيث نظمه المركز العربي الأوروبي ومقره باريس. على أن الملف النووي الايراني هو المهدد الأساسي لأمن الخليج. المنهج الثاني رأى أن ايران وطموحاتها الاقليمية خاصة تمسكها بجزر الامارات ورفض كل سبيل للتسوية السياسية ومشروعها للهيمنة على الخليج وثرواته وتدويل قضية الأمن فيه، هو مصدر تهديد أمن الخليج، ولذلك فإن ايران الضعيفة هي المثالية بالنسبة لأمن الخليج، خاصة وأنها تستطيع التواصل مع الأقليات الشيعية في الخليج ولبنان والمنطقة العربية. وقد أشرنا في ورقتنا حول الملف النووي الايراني والاسرائيلي كمهدد لأمن الخليج الى أن الخليج والمنطقة العربية تخضع لتداعيات الصراع بين المشروعين الايراني والاسرائيلي وكلاهما له طابع توسعي خاصة المشروع الاسرائيلى، فإذا كان المشروع الايراني يهدف الى التوسع السياسي، فإن المشروع الاسرائيلي يهدف الى نفي الوجود العربي، ومن ثم من الخطإ المقارنة بين الخطرين مثلما فعلت بعض الأقلام. معنى ذلك أن غياب العامل العربي هو الذي أغرى ايران بالتقدم، كما أن الغرب واسرائيل تعمد نفي العامل العربي من المعادلة عندما اعتدى على العرب عام 1967 ثم توابع معاهدة السلام مع مصر ثم استدارج العراق الى حرب استنزاف مع ايران ثم دخوله الكويت وأخيرا، القضاء على العراق كقوة عربية في الصراع العربي الاسرائيلي، فغزت اسرائيل بيروت عام 1982 مما تسبب في إنشاء «حزب اللّه» ثم رفضت اسرائيل الانسحاب من فلسطين ولبنان وسوريا فنشأت المقاومة العربية التي تساعدها ايران، ولذلك فإن أسباب ظهور الملف النووي الايراني هي نفسها سلوك اسرائيل ورغبة ايران في دعم مشروعها في مواجهة اسرائيل فتكسب ايران أرضية واسعة في الشارع العربي على حساب النظم العربية كلما ظهر عجز هذه النظم في مواجهة اسرائيل ومشروعها في فلسطين ورهانها العاجز على واشنطن التي لم تجد سببا واحدا لتعادي اسرائيل لصالح العالم العربي الممزق والضعيف والذي لا يمكنه أن يستخدم أوراق المصالح الأمريكية لديها لدفع واشنطن الى الاختيار بين مصالحها الواسعة في العالم العربي وبين تسليمها بتمدد المشروع الصهيوني بصرف النظر عن الخطابات المشرقة للرئيس أوباما الذي لا يمكن ترجمته في حسابات التصدي لمشروع التهام فلسطين. ولا يهمنا في هذا المقام أن نتوقف عند تفسير الموقف العربي من اسرائيل والمقاومة وواشنطن، وهل هو نكاية في ايران التي تساعد المقاومة فتقوى في مواجهة اسرائيل مما يزعج واشنطن ويترجم الى ضغوط أمريكية على الدول العربية، أم لأن اسرائيل وأمريكا ضد المقاومة، فالنتيجة في النهاية واحدة، كما أن استمرار الصراع يؤدي الى استمرار المقاومة واستمرار الدور الايراني وتوسعه واكتسابه الشرعية، حيث تبدو صورة ايران في العالم العربي وكأنها مستهدفة غربيا بسبب تمسكها باستقلالها وعدم انحنائها أمام المشروع الصهيوني أو الأمريكي مهما كلفّها ذلك من ضغوط وعقوبات، وأنها في النهاية تدعم المقاومة العربية التي جفاها الوسط العربي خوفا أو حنقا أو عجزا، لا يهم. ان ما يهدد أمن الخليج العربي هو غياب العامل العربي الفاعل في الملفات العربية وعودته لن تأتي بغير عودة مصر وهي لن تعود الا في ظل نظام ديمقراطي، حتى يعود الأمن القومي العربي الذي يتحقق في ظله أمن الخليج، وأن يفلت العرب من المعادلة الخبيثة، وهي أن استمرار المشروع الصهيوني يؤدي الى استمرار المشروع الايراني، ويؤدي الى اشتداد الصراع بينهما والمزيد من انحسار العامل العربي، مما يفضي الى صدام مروّع بين المشروعين يكون فيه الخليج هو الضحية الأولى، أو يلتقي المشروعان عند تفاهم تاريخي يتم فيه اقتسام المنطقة العربية بينهما فيكون الخليج رسميا منطقة النفوذ لايران في هذه القسمة خاصة وأن واشنطن قد قدمت العراق لها فعلا غباء أم عمدا على طبق من ذهب. وأخيرا ركّز اللقاء على أن أمن الخليج مفهوم متغير تاريخيا وواسع موضوعيا، فهناك الأمن السياسي وأمنه ضد مخاطر العمالة الأجنبية والأمن الاجتماعي والثقافي في عالم أصبح الخليج فيه عرضة لكل المخاطر وتمدد القوى الجديدة في العقد القادم الذي نرجو أن يكون عقد النهوض العربي بعد أن كان العقد المنصرم هو عقد الانكسار العربي في جميع المجالات.