يتوقع مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن تقوم أجهزة الأمن الأمريكية خلال اليومين المقبلين باعتقال أشخاص آخرين في قضية جديدة من قضايا التجسس لصالح إسرائيل في البنتاغون التي يحقق فيها مكتب التحقيقات الفدرالي «إف بي آي» مع مسؤول في مكتب الشرق الأوسط وجنوب آسيا بالبنتاغون متخصص في الشؤون الإيرانية، ومقرب من وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية دوغلاس فيث، وثيق الصلة بتكتل الليكود الحاكم في الكيان الصهيوني. وقد ذكرت مصادر عديدة أن الشخص المعني هو لاري فرانكلين، وأنه زوّد إسرائيل عبر منظمة «إيباك» التي تمثل اللوبي اليهودي الإسرائيلي بواشنطن، بمعلومات سرية تتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه إيران. ومن بين المتوقع اعتقالهم موظفون في إيباك كان فرانكلين قد اتصل بهم. وكان فرانكلين قد عمل في السابق في وكالة الاستخبارات العسكرية ثم في مكتب الخطط الخاصة الذي شكله فيث لفبركة معلومات استخبارية مضللة لتبرير شن الحرب على العراق واحتلاله. وكان المكتب الذي يضم عددا من اليهود الأميركيين الموالين لإسرائيل وبعضهم يعتقد أنهم يحملون الجنسية المزدوجة، يترأسه وليام لوتي نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا وقد ضم مايكل روبين الذي كان يحاضر في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة، ويعمل حاليا في معهد أميركان انتربرايز اليميني، وهارولد رود الذي انتقل للعمل مستشارا لأحمد الجلبي. وكان مكتب الخطط الخاصة أداة لتمرير المعلومات الاستخبارية المضللة ومن بينها معلومات من الموساد الإسرائيلي إلى البيت الأبيض ومكتب نائب الرئيس الأميركي ريتشارد تشيني لاستخدامها في خطابات كبار المسؤولين الأميركيين للتهويل من خطر العراق. وقال مصدر حكومي مطلع على سير التحقيق، إنه لم يتضح بعد إن كانت القضية سترقى إلى مستوى توجيه اتهام بالتجسس أو ينتهي الأمر بتوجيه اتهامات أقل خطورة مثل إفشاء أسرار على نحو غير ملائم أو «سوء استعمال معلومات سرية» على اعتبار أن إسرائيل ليست دولة معادية بل حليف استراتيجي للولايات المتحدة. قضية خطيرة وأشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن المعلومات التي سربها فرانكلين كانت عبارة عن مسودة أمر رئاسي توجيهي يتعلق بسياسات الولاياتالمتحدة تجاه إيران. وأوضحت الصحيفة أن التحقيق جار منذ شهور، وأن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد ومحامين كبارا في البنتاغون كانوا على علم بسير التحقيق منذ فترة. لكن بعض كبار مسؤولي البنتاغون فوجئوا بأنباء التحقيق حين أذاعتها شبكة التلفزيون الأمريكية «سي بي إس» يوم الجمعة للمرة الأولى. وحاول بعضهم التقليل من دور فرانكلين في صنع السياسات، قائلين إنه «لم يكن في موقع يحظى بنفوذ كبير في السياسة الأمريكية. وقالت البنتاغون في بيان بهذا الشأن بأنها تتعاون مع وزارة العدل من أجل تمديد فترة التحقيق... وإنها « تتفهم أن التحقيق في القضايا الخاصة بها محدود للغاية في نطاقه». وإلى جانب مكتب الخطط الخاصة فقد أدار فيث مكتبا آخر باسم «مجموعة تقييم السياسات الخاصة بمناهضة الإرهاب» الذي يرفع تقاريره إلى بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الذي يرفع بدوره التقارير إلى رامسفيلد. وقد نفت «إيباك» بشدة ارتكابها أية مخالفات، وقالت: إنها تتعاون تعاونًا تامًّا مع التحقيق. وفي بيان مكتوب قال جوش بلوك المتحدث باسم «إيباك» إن «أي مزاعم بشأن إقدام المنظمة أو موظفيها على ارتكاب عمل إجرامي لا تستند إلى أي أساس وزائفة... لن نتغاضى أو نتسامح للحظة مع أي انتهاك لقانون الولاياتالمتحدة أو مصالحها». وقال مسئول آخر في «إيباك» بأن «العاملين في المنظمة غاضبون أشد الغضب لهذه الأنباء. لقد تعرضنا لاتهامات مماثلة من قبل ولم يثبت أن أيًّا منها كان حقيقيا». من جانبه قال دافيد سيجل المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن: «نحن ننفي نفيًا قاطعًا صحة هذه المزاعم. إنها محض زيف ومثيرة للغضب». سوابق اسرائيلية وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها التحقيق في تورط إسرائيل بأعمال تجسس؛ ففي عام 1985 اعترف محلل الاستخبارات في البحرية الأمريكية جوناثان بولارد وهو يهودي أميركي عقب اعتقاله ببيع أسرار عسكرية حول الدول العربية والإسلامية ومعلومات عسكرية أخرى لإسرائيل وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. وقد منحته إسرائيل الجنسية الإسرائيلية. وقد بدأت عملية التحقيق عندما حصلت سلطات الأمن الأمريكية على «سلسلة من الرسائل الإلكترونية» قدمت أدلة على احتمال وجود تجسس. حيث جرت مقابلات مع أشخاص في وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي والبنتاغون وأقسموا اليمين بإبقاء الأمر سريا. وذكرت شبكة التلفزيون الأمريكية سي إن إن أن ال «إف بي آي « حصلت على صور وتسجيلات لمحادثات الجاسوس الإسرائيلي ، موضحة أن الحكومة الأمريكية لم تعلم الإسرائيليين رسميا بفتح تحقيق حول قضية تجسس. ويذكر أن إسرائيل ترى إيران بصورة عامة أنها أخطر أعدائها الآن بعد الإطاحة بنظام حكم الرئيس صدام حسين وأن وجود معلومات مسبقة لديها عن نوايا الولاياتالمتحدة تجاه إيران والعراق قد يساعدها على وضع خطط على أساس ذلك أو حتى التأثير على السياسة الأمريكية. وقد ظهر اسم فرانكلين في التقارير الإخبارية في عام 2003، حيث ذكرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أن فرانكلين وهارولد رود الذي كان عمل في السابق مستشارا لوولفويتز للشؤون الإسلامية تقابلا سرا مع تاجر السلاح الإيراني الذي يعيش في الخارج، مانوشر غوربانيفار كان من أبرز المتورطين في فضيحة إيران - كونترا في منتصف الثمانينيات. كما أن لهما علاقة مع الجلبي الذي كان مصدرا للكثير من المعلومات المضللة عن برامج التسلح العراقية والعلاقات المزعومة بين العراق والقاعدة. ووفقا لمسؤولي البنتاغون أيضا فإن اللقاء السري الذي أجراه فرانكلين و رود في أواخر عام 2001 في باريس ولمدة ثلاثة أيام شمل عددًا من الإيرانيين، بتصريح رسمي من الحكومة الأمريكية استجابة لعرض تقدمت به الحكومة الإيرانية لتقديم معلومات متعلقة بالحرب على الإرهاب. وشارك غوربانيفار في تلك اللقاءات. وقال رامسفيلد، إن المعلومات التي تم الحصول عليها من الجانب الإيراني في هذه اللقاءات لم تكن ذات جدوى. وتعتبر فضيحة التجسس هذه هي أحدث فضيحة تصيب البنتاغون المتهمة حاليا بالمسؤولية عن عمليات التعذيب للأسرى العراقيين في سجن أبو غريب ولانتهاكات حقوق المعتقلين في غوانتانامو. وقال مسؤولون أمريكيون أن رامسفيلد والمدير السابق للسي آي إيه جورج تينيت ومستشارة بوش للأمن القومي كوندوليسا رايس كانوا على اطلاع على القضية منذ بعض الوقت. وقال مسؤولون مطلعون على القضية انه لا يبدو أن المال كان دافعا لعملية التجسس. ويذكر أن حكومة بوش تعج بالعديد من كبار المسؤولين اليهود الأميركيين الموالين عقائديا لإسرائيل الذين يضمهم تيار المحافظين الجدد الذين يشكلون فيما يعرف ب»حزب الحرب» ومعظمهم في البنتاغون، ومجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ومكتب نائب الرئيس ديك تشيني.