في اطار مواكبة «الشروق» لتفاعل مختلف القطاعات مع ايقاع الثورة نفسح المجال لكسر حاجز الصمت لقطاع حساس وهو قطاع العمل الاجتماعي أو الخدمة الاجتماعية في تونس التي تم توظيفها على امتداد عقود في خدمة سياسات اجتماعية فاشلة والزج بها في التوظيف السياسي من قبل الحزب الحاكم لاغراض انتخابية وتعبوية معروفة و تعرضت للتهميش للحد من دورها في التغيير الاجتماعي باعتبار اطلاعها المباشر على خفايا المجتمع وأسراره والمامها بحقيقة المشاكل الفردية والجماعية وواقع الفقر والتخلف. ونستضيف لهذا الغرض أخصائيا اجتماعيا وهو شاكر السّالمي، الاخصائي الاجتماعي وكاتب عام الجمعية التونسية للخدمة الاجتماعية التي تهدف الى تطوير المهنة والرفع من أداء الأخصائيين الاجتماعيين. بداية استاذ شاكر ما الفرق بين أخصائي اجتماعي ومرشد اجتماعي؟ مرشد أو مرشدة اجتماعية ارتبط بتسمية قديمة وبأدوار هذه المهنة في بداياتها التي راهنت على مهمة الارشاد الاجتماعي في السنوات الأولى لبناء الدولة بعد الاستقلال حيث سادت الأمية والفقر المدقع وغياب التغطية الصحية وتردي البنية التحتية للسكن ولمختلف المرافق. أما تسمية أخصائي اجتماعي فهي نابعة من حرص على تقديم المهنة كسلك مختص يستند الى مبادئ وقيم ومرجعيات أخلاقية وفنيات ومقاربات، تتعهد بالوضعيات الاشكالية على اختلافها وتشعبها في الأبعاد العلاجية والوقائية والتنموية. بعيدا عن التعريف الدقيق للمهنة بماذا تفسر غياب هذه المهنة عن الساحة الاعلامية رغم رفع القيود بعد الثورة والحال أن كل قطاع يسعى الى تقييم أوضاعه والتعريف بمشاغله ودوره فهل كان وضعكم جيدا في العهد السابق ؟ حرص النظام السياسي السابق على تضييق مجال المهنة في الممارسة وربطها بتنفيذ البرامج الاجتماعية دون اجتهاد أو نقد بما يفقد الفئات الاجتماعية المهمّشة القدرة على ردّ الفعل والوعي بحقوقها الاجتماعية والاقتصادية، تلك الحقوق التي تم تعويضها بأوهام على امتداد سنوات ساهمت في تعميق المشاكل الاجتماعية التي ازدادت حدة بفعل التفاوت بين الفئات والجهات، ومن الطبيعي أن تساهم كل هذه العوامل في تدجين هذا القطاع رغم عديد المحاولات الجادة في تقديم اضافات نوعية للمهنة ساهم الاستبداد الاداري لبعض المتنفذين في القطاع في احباطها، أمام هذه الوضعية يسعى الأخصائيون الاجتماعيون الى تجميع قواهم ويعملون بشكل حثيث عل هيكلة القطاع وتقديم مطالبهم المشروعة المادية والفنية لأصحاب القرار دون هرولة لأن الثورة ليست فرصة يتسابق فيها المتنافسون لتحقيق مكاسب شخصية بل مسار يتم بناؤه ونحن نأمل أن تكون مساهمة الأخصائي الاجتماعي في هذا المجال متميزة وتعكس حرصه على الدفاع عن مبادئ المهنة وحقوق المنتفعين بخدماتها وهذا لا يتعارض مع اصرارنا أيضا على تحسين ظروف عملنا والنهوض بأوضاعنا المادية بالقياس مع أهمية الدور الذي نضطلع به . في ما تتلخص أهم شواغل مهنتكم ومطالبكم المادية ؟ أجمع الأخصائيون الاجتماعيون على موضوع استقلالية المهنة عن القرار السياسي، ونقصد بالاستقلالية تسوية وضعية بعض الوحدات المحلية للنهوض الاجتماعي التي لا تزال تنشط بمقرات المعتمديات وهذه المسألة لا تتطلب اجتهادا كبيرا بل حرصا اداريا ووعيا بأهمية مثل هذا الاجراء، والأهم من ذلك اتخاذ قرار سياسي في اسناد مهمة التصديق على خدمات العلاج بصنفيه والمنح القارة والمشاريع الموجهة للمعوقين الى الوحدات المحلية للنهوض الاجتماعي على مستوى محلي دون سواها حيث تنعقد اللجان المحلية وتحيل الملف الى لجنة جهوية من المفروض أيضا أن تنعقد بالادارة الفنية حصريا وهذا يستوجب اصدار مناشير جديدة تنظم هذه المسائل، ويمكن لهذا الاجراء رغم ما يترتب عنه من مسؤولية أن يعزز موقع الأخصائي الاجتماعي ويساهم في تصويب البرامج. وبصفة موازية يطرح الأخصائيون الاجتماعيون عدة مطالب جوهرية تم تجميدها لسنوات طويلة على غرار مراجعة النظام الأساسي والدفاع عن خصوصية المهنة، وايقاف الانتدابات الخارجية العشوائية لغير المختصين والقائمة على المحسوبية وتسوية وضعية الأعوان الوقتيين والمتعاقدين وتحسين الأجور وافراد هذا السلك بمنح خصوصية وامتيازات مماثلة لبقية الأسلاك في الوزارة ذاتها، وفتح المناظرات الداخلية بصفة دورية والترقية بالتكوين المستمر لبعض الأصناف التي حرمت من هذا الاجراء على غرار المرشدين الاجتماعين الأول اضافة الى المراهنة على الاخصائيين الاجتماعيين للعمل في خطة ملحقين اجتماعيين عوض التلاعب بالجالية وارسال أشخاص لا علاقة لهم بالمهنة بل مهمتهم تصدير الاستبداد للمهجر والتضييق على الجالية . وتتكامل هذه المطالب مع جملة من المطالب الفنية على غرار مرجعيات المهنة وأخلاقياتها وتطوير التكوين وفسح المجال أمام تطبيق مقاربات التنمية المندمجة والتنمية المحلية والقيام بالدراسات والبحوث النشيطة حول مختلف الظواهر الاجتماعية ونشر نتائج الدراسات المنجزة وتقييم البرامج في علاقة بالأهداف وطريقة التنفيذ. لائحة المطالب طويلة وتتطلب سنوات من العمل لتحقيقها، فهل فكرتم في طريقة للمساهمة من أجل الاسراع في تجسيم مطالبكم المادية والفنية؟ نحن على يقين من أن المطالب المادية البحتة مرتبطة الى حد بعيد بتغيير النظام الأساسي ووجود طرف تفاوضي له من القدرات والالمام بخصوصية القطاع ومشاغله ما يؤهله للاقناع بمشروعية المطالب. ونقصد بالطرف التفاوضي الهياكل النقابية الموجودة والتي هي بصدد التأسيس والأخصائيون الاجتماعيون كلهم اصرارا للدفاع عن مطالبهم بشتى الوسائل المشروعة، ولوضع حد لتهميش القطاع تعمل الجمعية التونسية للخدمة الاجتماعية بالتعاون مع الجمعية التونسية لموظفي وأعوان الخدمة الاجتماعية والادارة العامة للنهوض الاجتماعي على اصدار مرجعيات المهنة وميثاق أخلاقيات المهنة وتشجيع المبادرات المجددة في العمل الاجتماعي الميداني الذي يعتبر الأساس الذي تنبني عليه كل البرامج الاجتماعية والسياسات الصحيحة لفائدة الفئات المحرومة. هل لنا أن نعرف خطواتكم المستقبلية للتحرك من أجل الدفاع عن مطالبكم؟ يكثر الحديث في الأيام الأخيرة عن تنظيم اعتصامات أمام مقرات الوزارات والادارات وقد شهدت وزارتنا بعض هذه الأشكال النضالية شارك فيها بالأساس الأخصائيون الاجتماعيون بتونس نظرا للظروف الصعبة التي أحاطت بعملهم اليومي وما سببه المواطنون من ضغط من أجل الحصول على وصولات تسمح لهم بتلقي مساعدات من هياكل التضامن الاجتماعي أو الحصول على بطاقات علاج وخاصة العلاج المجاني وقد نتج عن هذا الاعتصام لقاء مع السيد الوزير قدمت خلاله مجموعة من المطالب والشواغل اعتبرت معقولة ومشروعة الا أن الاستجابة للمطالب المادية لا تبدو مؤكدة خاصة وأن جزءا منها مرتبط بمفاوضات اجتماعية كسائر القطاعات. ولهذا السبب لا يمكن للقطاع أن يحقق مكاسب حقيقية وثابتة اذا لم يتهيكل نقابيا حيث يمكن منهجة المطالب وتقديم المبررات ودراسات المقارنة ومتابعة مدى الجدية في التفاعل معها، ولا تقتصر الهيكلة على الجانب المطلبي بل على ضرورة أن يصبح لهذا القطاع مضامين يدافع عنها في مجال رسم السياسات والبرامج الموجهة لمختلف الفئات والجهات . في ختام هذا اللقاء هل بقي لهذه المهنة دور في المحافظة على السلّم الاجتماعية في زمن الثورة؟ المحافظة على السلم الاجتماعية مهمة أساسية لمهنة الخدمة الاجتماعية في الأنظمة الليبرالية التي تنتج التفاوت بطبيعتها، وعلى امتداد 23 سنة من الوهم حاول الخيرون من الأخصائيين الاجتماعيين من موقعهم في الميدان والتسيير والتصور للبرامج على مستوى محلي وجهوي ومركزي تقديم أفضل أداء ممكن من خلال التعهد بالفئات الضعيفة وغير المتكيفة اجتماعيا مستندين الى قيم العدالة والدفاع عن حقوق هؤلاء وفق ما يتاح لهم من دون تدخل من «التجمّع». الا أن ذلك اصطدم باهمال النظام لهذه الحقوق والتفرّغ للنهب المنظم لثروات البلاد، وقد ساهم ذلك في مزيد تفقير وتهميش الفئات المتعهد بها والعجز عن حماية فئات أخرى ارتدت للفقر ولم يتوقف التهميش عند هذا الحد بل امتد ليشمل الأخصائيين الاجتماعيين الذين فقدوا جزءا من مصداقيتهم أمام الشعور العام الذي ساد في المجتمع والمتمثل في فقدان الثقة في البرامج والاليات وبالتالي في العدالة الاجتماعية. وفي زمن الثورة سيصبح دور الأخصائي الاجتماعي أكثر أهمية فهو مطالب باعادة الثقة لنفسه وللمواطن والمدخل الوحيد للنجاح هو الدفاع دائما عن قيم العدالة والتوازن وحقوق الفئات الضعيفة والمهمشة مستندا في ذلك الى ما أتاحته الثورة من اعتراف بهذه الحقوق وحرص على تكريسها، وبذلك سيجد الأخصائي الاجتماعي نفسه في طليعة المدافعين عن مكاسب الثورة بحكم انتشاره الواسع على الميدان وتواجده في مختلف المؤسسات الرعائية والمامه بخصوصيات الأسر المتعهد بها .