يمكن القول اليوم إن الوضع استقرّ عامة، وإن الحياة بدأت تسترجع نسقها المعتاد، بعد الوفاق السياسي الحاصل بين الحكومة المؤقتة وكافة مكوّنات المجتمع المدني حول الخيارات المستقبلية للبلاد. هذا الوفاق الذي يعدّ ثمرة اقتراب الحكومة من نبض الشارع وتبنيها لمقترحات وطلبات الاغلبية لاخراج البلاد من مأزقها، سيجذر الثقة بين الجميع وسيزرع الطمأنينة التي افتقدت خلال الاسابيع الماضية والتي شرّعت للفوضى ولانعدام الاستقرار. هذا الوفاق وأجواء الثقة ومناخ الاستقرار التي أصبحت عليه البلاد تعدّ أرضية ملائمة لانطلاق عملية البناء والاصلاح والتدارك ولمّ الشمل. وتنتظر البلاد اليوم هبّة سريعة واجماعا كبيرا حول ملفين يمثلان طوق النجاة وهما ملفان متشابكان ومترابطان، الاول يهمّ التنمية وعودة آلة الانتاج والاقتصاد الى الدوران بنسق أعلى من السابق لتدارك الخسائر الكبيرة وملايين أيام العمل الضائعة... فالاقتصاد وفق ما أكّده الوزير الأول الجديد وقبله محافظ البنك المركزي في وضع صعب وربما على شفا هاوية عميقة، إذ أن عديد المؤسسات توقفت عن الانتاج بحكم الاضرار التي لحقت بها أو بسبب إضراب او اعتصام عمّالها... والمطلوب اليوم من كافة أطراف الانتاج مضاعفة الجهد والحفاظ على مواطن الشغل وتحسين الانتاجية والترفيع في قدرة المؤسسات على الانتدابات الجديدة. إن استعادة نسق النمو والانتاج سيحفّز المستثمرين الوطنيين والأجانب على فتح مؤسسات جديدة والاستثمار في عديد الجهات خاصة في ظل الحوافز الموجودة خاصة في ظل انتفاء العوائق الادارية والقضاء على «الوسطاء» و«السماسرة» الذين نفروا عديد المستثمرين وحرموا الاقتصاد الوطني والمجتمع التونسي من عائدات هامة ومواطن شغل كبيرة. الملف الثاني ذو الأهمية القصوى اليوم هو الملف الاجتماعي الذي أطلق شرارة الثورة المباركة، وذلك عبر تشغيل العاطلين والمعطّلين عن العمل ومساعدة المعوزين وفاقدي السند وتسوية أوضاع ذوي الوضعيات الهشّة عبر الزيادة في مداخيلهم وتيسير تمتيعهم بالتغطية الاجتماعية والتأمين على المرض وإحداث مشاريع صغيرة توفر لهم الكرامة وطيب العيش. المسؤولية جماعية الآن والآفاق تبدو واعدة لشعب قاد ثورة متفرّدة وتمكّن في أيام من اسقاط دكتاتورية جثمت على البلاد والعباد قرابة ربع قرن.