تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور حمادي صمّود في حديث مطوّل ل «الشروق»: الثورة ليست كنزا ينال كل مواطن منه قسطه وليست فرصة للاستغلال مهما كانت مشروعية المطالبات
نشر في الشروق يوم 17 - 02 - 2011

عرفته مدارج الجامعة التونسية على امتداد أربعين سنة مدرّسا مبرزا في البلاغة... تخرّج على يديه جمع كبير من الأساتذة الجامعيين... أشرف على عديد أطروحات الدكتوراه مؤطرا ومناقشا وموجها وملاحظا...
في رصيده عديد المؤلفات التي أثرت المكتبة التونسية بمضامين فيها إضافة وإثراء للمعارف اللغوية والابداعية.
الدكتور حمادي صمّود التقته «الشروق» في هذا الحوار المطوّل حول ثورة 14 جانفي وارهاصاتها العديدة... وهذه الحصيلة.
٭ حوار: عبد الرحمان الناصر
٭ ثورة 14 جانفي... حدث تاريخي في تونس... هل كان لابدّ منها؟
التغيير كان لابدّ منه لان الأمور لا يمكن لها ان تتواصل على ما هي عليه... ان الوضع أصبح كابوسا لا يحتمل وأكرر ان ما حدث كان لابدّ من حدوثه.. الثورة فتحت آفاقا كبرى وحصولها يكاد يكون من باب المستحيل لذا فإن سعادتنا بها كانت كبيرة...
والأدبيات التي قيلت أشارت الى تونس من حيث أنه لم يكن في الحسبان أن يتم بهذه الطريقة وهو شيء أكثر مما كنا نتوقع لذا فالفرحة كانت مضاعفة ولكن أيضا الحذر والاحتياط من ان تزوغ لا تقل عن الفرح والحماس يجعلنا نشعر شعورا أننا أناس يعيشون حياتهم وتطلعاتهم بشكل مختلف تماما..
ولكن أيضا في نفس الوقت ومن باب المعرفة بما يحدث وحدث في الثورات المماثلة بعدد أصابع اليد الواحدة وضرورة الحذر والتوقي من المنزلقات وهي منزلقات نرجو ان لا تكون معطّلة للثورة وأن تسمح مهما كان حجمها الوصول الى تحقيق الغايات التي لابدّ من تحقيقها.
٭ كيف تحدد هذه الغايات؟
تتمثل هذه الغايات في حرية الشخص والمجتمع والديمقراطية..
والحرية هي تشمل كل الحريات من حرية الرأي الى حرية المعتقد وكل حريات الانسان ذاتا ومواطنا وعنصرا فاعلا في الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه بلادنا ثم العدالة الاجتماعية ومع هذا الثالوث نصنع ما يسمى بكرامة الانسان وشعوره بأنه ذات منصهرة في مجموعة تسعى الى تحقيق نفس الأهداف.
٭ ماهي نوعية هذه المحاذير؟
نعم لابدّ من المحاذير... هذه المحاذير تتأتى من أن مفاهيم الحرية والديمقراطية مفاهيم تبدو لي من الناحية الفكرية البحتة واقعة في منطقة ليست مستقرة تمام الاستقرار فهي تقع في تقاطع جملة من الفعاليات التاريخية التي تجعلها مفاهيم لا تقوم دون ممارسة أي أن قيامها النظري غير كاف وأنها لا تكتمل الا بالممارسة والتجسّم باعتبار ان الحرية ليست تفكيرا إنما قضية التفكير التي لا تكون الا بالممارسة وكذلك الديمقراطية لا تستكمل وجودها الا اذا تجسّمت في مؤسسات وحياة اجتماعية واقتصادية الى غير ذلك.
فمشكلة الحرية تقع في منطقة مضطربة حيث أن التسلّط يرهقها والفوضى تميتها فالحرية تقع في منطقة سرعان ما تنقلب الى ضدها، التسلط وتكبيل الآراء يرهقها لذا فهي تنسحب وتتقلص ويضيق مجال ممارستها الى درجة الاختناق ولكن ايضا عدم الانتظام في ممارستها وفهمها فهما أوليا سطحيا على أنها تبيح كل شيء وتسمح بكل شيء هو ايضا مرهق لها بل لعلّه يضيق عليها الخناق أكثر مع ضرورة الإشارة الى الفرق بين التسلط والانتظام.
التسلط إقصاء لإرادة الفرد والجماعات في حين ان الانتظام هو فعل إرادي.
إذن الحرية فعل إرادي يستنبطه المواطن حفاظا على تلك الحرية ومن هذا المنطلق فالحرية إنصياع إرادي لما به تبقى الحياة الاجتماعية ممكنة ومتواصلة.
٭ هل من توضيح أكثر لهذه المسألة؟
ألاحظ انه على كل مواطن الآن وأنا أحدثك كمواطن أن يقوم بدوره للحفاظ على ما تطمح اليه الثورة وما نريد تحقيقه في أمد طويل.
كل مواطن له على الاقل دوران أساسيان:
أولا: الاقناع والاقتناع بضرورة الاقلاع عن صورة بدت لي أنها مركوزة في المخيال الجماعي وهذا ما بدا لي من خلال متابعتي لكل التونسيين من خلال ما يجري منذ شهر في مختلف أرجاء الوطن وما نراه في وسائل الإعلام وخاصة المرئي منه وهي أن الدكتاتورية في أذهان الناس كأنها مربوطة بفكرة الكنز المرصود اي الكنز الذي يتربّع عليه ثعبان مخيف وإذا ما ازلنا هذا الحيوان الخطير وقعنا على الكنز ولذلك فلكل شخص الحق الآن في أن ينعم بما في هذا الكنز وينال منه قسطه وفي رأيي ان هذا الثعبان ذهب وقد التهم الكنز.
هنا لابدّ ان نعي هذا بعمق انه ذهب وترك البلاد في حال من النهب والفوضى وما يلزم معه الآن أكثر من اي وقت مضى ان نقدّم مفاهيم التضحية والصبر والشهامة حتى يتحقق ما قامت الثورة من أجله.
أما الاحراج بهذه الطريقة وكأن هذه الفترة فرصة لا تعوّض فهو تعطيل للثورة وضرب من الوقوف في وجه ما نترقب ان نحقق وذلك مهما كانت مشروعية المطالبات وقد رأينا منها حالات ما كان الانسان يتصوّر أن تونس القرن الواحد والعشرون فيها من بؤر الفقر والحرمان ما شاهدناه.
٭ ما هو المطلوب على المستوى العاجل إذن؟
أن يفهم الناس ان المنطق الاجتماعي والمنطق التاريخي لا يمكن ان يسيرا على هذه الوتيرة وأنه لا يمكن لنا ان نخرج الذين تكفلوا بتحقيق هذه المطالب بهذا الضرب من الاحراج حتى أصبحنا لا نرى الا الإلحاح على تلبية الرغبات تلبية آنية وهذا أمر لا يمكن لأى مسؤول ان يستجيب ولا إمكانيات البلاد أيضا تسمح بذلك وعلينا أن نعمل قبل كل شيء على ان تعود الحياة الاقتصادية الى سالف نشاطها حتى نوفّر ما يمكن به من تلبية هذه المطالب ولا شك انها ستلبّى متى توفّرت أجواء الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية من وجهة نظري إن كان هناك عمل لابدّ ان نقوم به وبأقصى السرعة هو تمكين موارد الثروة وهي محدودة في بلادنا من أن تعود الى سالف نموّها وأن نسمح لكل قطاعاتنا سواء التي تستغل للاستهلاك الداخلي او للتصدير من أن تنشط وأن يعود إليها نسقها الذي كانت عليه وأحسن طبعا مما كانت عليه.
٭ يتفق الجميع ان القطاع التربوي يعيش وضعا استثنائيا قياسا بحجم المشاكل التي يتخبط فيها وأعني هنا بدرجة أولى المستوى الجامعي ومشكل الخريجين العاطلين عن العمل؟
فعلا القطاع التربوي أعرفه أكثر من غيره وهو قطاع يعاني مشاكل عديدة زادها التراكم حدّة وقسوة أحيانا وأعني بذلك خاصة ما يسمى ببطالة أصحاب الشهائد العليا هذه معضلة بلاشك ولكن ليست مستحيلة الحل.
٭ أنت تطرح حلولا إذن؟
الحلول يمكن بلوغها والتوصل إليها لكن علينا ان نعي ان هذه الحلول لا يمكن ان تقع في زمن وجيز او بعصا سحرية، فعدد العاطلين من أصحاب الشهائد العليا لا يقل عن 100 ألف كيف يمكن لبلد أن يجد حلاّ ل 100 ألف عاطل عن العمل دفعة واحدة لا طاقة استيعاب الوظيفة العمومية ولا إمكانيات الدولة الآن ولا حسن استعداد المسؤولين الذين أخذوا على عاتقهم هذا القطاع بقادر على أن يستجيب لكل المطالب دفعة واحدة.
فالحل الشامل لها يتطلب وقتا ويتطلب تضافر جهود القوى الوطنية باعتبار ان هذا مشكل تربوي فقط بل هو مشكل وطني أيضا وأنا شخصيا لا أشك في أن جانبا كبيرا منهم يدرك هذا الأمر وله طاقة التفهم لصعوبة الحل ولكن لابدّ من أن يوجد هذا الحلّ ولكن على أمد متوسط وربما على أمد طويل.
لا أعتقد شخصيا أن هناك بلد قادر على أن يستوعب في أسابيع كل هذا العدد وأن يستغلهم ويدمجهم في الدورة الاقتصادية مع الالحاح دائما على أنه مشكل لابد أن يكون من أولوية الأولويات في نطاق ما ستؤول إليه حياتنا في أجل قريب عندما تستقر الأوضاع وعندما نتجاوز هذه المرحلة الانتقالية ولذلك يصبح الاحراج بالاعتصام والاضراب نوعا من التعجيز الذي لا نعرف كيف ستكون نتائجه على هذا المرتقب الذي نتطلع إليه جميعا بعد هذه الثورة الكبيرة.
هناك تأكيد منك من أن الثورة أمام تحديات كثيرة وصعبة في قادم الأيام؟
الثورة أمام تحديات صعبة وأرجو أنها ليست عقلية التفكير في أنها فرصة، الثورة ليست فرصة... إن الذين قاموا بالثورة وضحّوا من أجلها وهم في ريعان الشباب في الأغلب لهم علينا حق المحافظة على ما قاموا به وأن نفكّر في الآتي ولا يكون التفكير في الآتي إلاّ بأن ندرك تمام الإدراك ما نحن مدعوون إليه من تضحيات إضافية في هذه الفترة الدقيقة الحرجة. أظنّ أن الناس المؤمنين بهذه الثورة والمترقبين لما ستحدثه من انقلاب في حياتنا وأفكارنا ورؤانا قادرون على أن يفهموا أن من واجبنا قبل كل شيء الوقوف في وجه كل هذه المعيقات وأن يقدموا مصلحة المجتمع ومصلحة البلاد على كل ما يتصل بالذات وبالقطاعات أو بالأشخاص، أرى أنه من غير المعقول أن تكون قطاعاتنا في إضرابات منذ شهر حيث لم تقف هذه المطالبات وإن كنت أؤكد على شرعيتها وأنه لابد من دراستها والنظر فيها وتلبية المعقول منها.
في كلامك مسحة من التفاؤل رغم ما أشرت إليه وحددته من صعوبات؟
كمواطن أنا متفائل ويجب أن أكون كذلك ولكن أدعو إلى شيء من تأجيل ما لابدّ من تأجيله، يجب أن يفهم الناس وألحّ هنا على كلمة تأجيل ذلك.
نحن نعرف أن الانخرام الاجتماعي هو نتيجة التسلط الذي خلق تفاوتا غير مقبول ولكن للمطالبة أوان أو على الأقل تكون المطالبة في نسق جدولي، الحكومة تستجيب للفئات المتدهورة لكن غير قادرة على الاستجابة إلى كل المشاكل.
وأظن أن الإعلام له دور وعليه مسؤولية ولا أخفي عنك، أن الإعلام المرئي يعيش أحيانا منزلقات خطيرة ولعله بذلك يكبّل أكثر مما يسمح بهذه الثورة بأن تبلغ ما تريده، وهذا أمر غير مقصود. الاعلام المرئي انتقل من الضدّ إلى الضدّ... من جهاز في يد الحاكم إلى إعلام أصبح كأنّه مرآة عاكسة مجرد انعكاس لكل ما يحدث في البلد وبأقساط.
هذا يعني من وجهة نظرك أن الاعلام المرئي يعمل دون خط تحريري واضح؟
نعم أصبح الاعلام منبرا لكل من أراد أن يعبّر في الغالب عن حالة شخصية دون أن يكون للقائم على الموضوع فاعلية ولا يتدخل بالسؤال.
الاعلام ليس مرآة عاكسة وهذا انطباع حصل لي كما كان الناس مقلعين عن الاعلام عندما كان أداة في يد الحاكم أصبحوا مقبلين عليه الآن لأنه أصبح يعكس دون موقف وإذا بنا أمام ركام من الخطابات المتشنجة يغلب عليها الصراخ أكثر من الكلام، يعرض فيها الناس أحوالهم، وهي أحوال على درجة من السوء عجيبة وكثيرة حتى لكأنه ليس في البلد نقطة واحدة مضيئة وهذا أمر يدعو إلى كثير من التدبّر وإعادة النظر.
لكن هذا لا يعني أننا لا نريد أن نكشف هذه الحقائق لكن أن نشخص المسائل إلى هذه الدرجة أجرأ وأقول أن كشف الحال بالمعنى الدارج للكلمة إذ يذهب بكرامة المتظلمين وبشهامتهم لأن الشعب الذي قام بالثورة شعب لابد أن تتوفر فيه خصال الشهامة وإباء الضيم والتضحية كأننا بين عشية وضحاها فقدنا هذه المعاني، ويمكن للإنسان أن يبلغ صوته وأن يقدم بؤسه ومأساته ولكن بشيء من الشهامة والستر، فإن كان الاعلام يرمي من وراء ذلك إلى تعرية ممارسات الحكم السابق، فأظن أن ما نعرفه عنه يكفي لتوريطه والرغبة عنه والتقزز منه، لا نحتاج لنعلم مدى ما اقترفه الحكم البائد من جرائم في حق الوطن، نحن لا نحتاج إلى هذا الذي نسمعه يوميا وفي كل نشرة أخبار تقريبا.
أنت تنادي بخاطب إعلامي جديد؟
هناك أشياء مهمة، فالاعلام في حاجة إلى تشريك المواطنين في حوارات مع بعضهم البعض، حوارات تكون فاعلة في صورة تونس المقبلة وأن يكون الاعلام مسؤولا وله القدرة على التمييز بين الأهم والمهم وفهم خصوصيات هذه المرحلة.
في هذه المرحلة يحدثنا أهل الاقتصاد أن البلاد خسرت أموالا بحكم الثورة وهي خسائر لا تساوي شيئا أمام ما غنمناه منها وعلينا في خطاب التحميس والاستنفار أن نرفع الكرامة قبل الخبز وهو أساسي في استنفار الناس ودفعهم إلى الفعل الثوري.
فشعار «خبز وماء وبن علي لا» خطاب مهم في فترة معينة من حياة الثورة، فترة استنهاض الناس واستثارة الشعب والتضحية والموت في سبيل أن تحيا تونس ولكن مباشرة بعد هذا لابد أن نفهم أنه لا كرامة بلا خبز بمعنى أنه لا كرامة دون أن يعود الناس إلى الانتاج وتوفير الثروة حتى تقسم قسمة عادلة وحتى يجد المجتمع شيئا فشيئا توازنه الجديد الذي تبنيه الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
بعض الآراء تقول إن الطبقة المثقفة لم تقم بما هو منتظر منها تجاه الثورة ما هو تعليقك؟
لا يختلف حالها كثيرا عن حال بقية المواطنين لأن مشاعر المحافظة على الذات والحياة لا تختلف عن الطبقات الأخرى، بقي أن الطبقة المثقفة وأتحدث هنا من موقعي كمدرس ساهمت في الثورة على صعيدين على الأقل :
الصعيد الأول : المطالبات المباشرة والعمل النقابي واللوائح المباشرة التي كانت تعرض الموقعين عليها إلى العقاب، وأذكر هنا أنه في كلية الآداب لا يمرّ اجتماع نقابي إلا وقال فيه النقابيون رأيهم في تجاوزات السلطة، ولكن وإن لم يؤد إلى شيء كثير، لذلك كانت بعض مؤسسات التعليم العالي محاصرة لوجود حراك للرفض ولكنه لا يتجاوز شكل اللوائح.
التي صحيح أنها لم تغير من الأمر شيئا كثيرا.
وكان لابد من أجسام كيميائية أخرى حتى يتم الأمر بالكيفية التي رأيناها.
الصعيد الثاني وهو مهم أظن أن المساهمة الفعالة في تكوين الأجيال المتعاقبة تكوينا علميا عصريا حاولت أن تمارس فيه حريتها في المنابر المتوفرة لها وأدت واجبها بكثير من الشجاعة وكنا نعرف أن ما يقال في الأقسام ومدارس الجامعة يبلّغ إلى السلطة.
من وجهة نظري كانت مساهمة في وضع الأجيال التي علمناها في حضرة أهم ما ينتج في العالم من أفكار وما تبشر به تلك الأفكار من تطلعات وقدرة على تغيير الأفكار والأنساق والرؤى كل في مجال اختصاصه وأظن أن هذا كان له تأثير غير مباشر في الثورة.
علمنا الأجيال مما يقتضيه العيش في العصر من متطلبات في حرية الرأي وحرية المعتقد ونسبية الحقيقة وعلمناهم أن الحقيقة ليست ملكا لأحد وأنها نسبية وأن كل الأنساق (الكوليانية) أنساق على هامش العصر ولابد أن يأتي يوم تحاصر فيه تلك الأنساق ويتبين الناس رهافتها وأعتقد أن الانتقال إلى هذه الأفكار من الأنساق الفكرية إلى الأنساق السياسية انتقال سهل بعملية قياسية بسيطة يفهم الناس أن التسلط والدغمائية والانفراد بالرأي كلها مفاهيم لم يعد لها مكان في هذا العصر.
بكل تواضع هذا ما قمت به وربينا عليه طلبتنا وربيناهم أساسا على الاختلاف وشخصيا في اختصاصي القريب مني أنا مدرّس بلاغة، ولا يمكن لبلاغة أن تقوم إلا في وجود الاختلاف وتعدد الرأي.
حققت الثورة هدفها الرئيسي المتمثل في اسقاط النظام الدكتاتوري... هي ثورة شعبية ما هو المطلوب من المثقف اليوم حتى تحافظ هذه الثورة على ألقها وتوهجها؟
الدور المطلوب من المثقف اليوم شأنه في ذلك شأن المواطن العادي يجعله من الأولويات للدفاع عن الدولة المدنية، الدولة الحديثة، الدولة التي تحتكم إلى قوانين وضعية وتكون في صلب العصر لا على هامش العصر وضرورة الانتباه إلى كل الحركات والتطلعات والطموحات التي تعمل في السر والعلانية لتردنا إلى وضع لا يختلف عن الوضع الذي كان قبل الثورة، نحن نريد دولة حرة ديمقراطية تقوم على العدالة الاجتماعية وتنبع من صلب العصر ومعين الحداثة ولعل هذا الواجب الثاني أولى لأنه هو الذي سيضع المرتقب على المسار الصحيح لا سبيل إلى أي شكل من الأشكال التي تتحدث باسم الميتافيزيقيا أو علم الغيب والتي تعتقد أنها تمتلك الحقيقة وتريد أن تقنع الناس بأنها وصية عليهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.