قال السيد قيس سعيد الأستاذ المختص في القانون الدستوري إنه بالاضافة الى الانفلات الأمني والانفلات الاعلامي، تعيش تونس هذه الأيام حالة من «الانفلات الدستوري» بدأت يومي 14 و15 جانفي عندما أصبحت بلادنا الدولة الأولى في العالم التي تعرف 3 رؤساء في ظرف 48 ساعة وتواصلت الى الآن. وأضاف سعيّد في محاضرة ألقاها أول أمس الاربعاء بمقر النقابة الوطنية للصحفيين انه من الغريب أن يتم اليوم في تونس، في ظل الحكومة المؤقتة التمسّك بالدستور الحالي ثم في الآن نفسه يقع خرقه كل يوم بقرارات جديدة... وأنه آن الأوان لوضع حدّ لمفعول هذا الدستور وتنظيم انتخابات لمجلس وطني (أو جمعية وطنية) تأسيسي في أقرب وقت ليضع دستورا جديدا مع ضرورة المحافظة على السير العادي للدولة من خلال تسيير السلط العمومية مؤقتا.. خرق (1) عدّد الأستاذ قيس سعيّد ما لا يقل عن 4 خروقات للدستور حصلت منذ 15 جانفي الماضي.. فعندما تولى السيد فؤاد المبزّع رئاسة الجمهورية عوضا عن الغنوشي بناء على الفصل 57 من الدستور (إثر مغادرة الرئيس السابق للبلاد) حصل مأزق دستوري، ذلك ان الفصل 57 يقتضي تنظيم انتخابات رئاسية في ظرف 60 يوما بناء على شروط الدستور والمجلة الانتخابية (تقديم المترشح من 30 نائبا بمجلس النواب او من 30 عضو مجلس بلدي منتخب) ، وهي شروط من المستحيل تطبيقها لأن كل من سيترشح لهذه الانتخابات الرئاسية عليه أن يكون حسب قيس سعيّد إما منتميا لحزب التجمع أو يبذل مجهودا كبيرا لاستجداء التزكية من 30 عضوا من مجلس النواب او من مجالس بلدية نعلم جميعا أن أغلبهم تجمعيّون... وهذا مأزق كبير وبالتالي لا يمكن عمليا اجراء انتخابات رئاسية في ظرف 60 يوما ولا يمكن بالتوازي مع ذلك تنقيح الدستور لأن رئيس الجمهورية المؤقت لا يمكنه ذلك حسب الفصل 57. وحسب سعيّد فإن البعض اليوم يحاول تجاوز هذا المأزق (الخرق) بالقول انه سيقع اللجوء للفصل 39 من الدستور للتمديد في أجل المدة الرئاسية المؤقتة وبالتالي التمديد في أجل ال 60 يوما... وينص هذا الفصل على أنه «إذا تعذّر اجراء الانتخاب في الميعاد المقرر بسبب حالة حرب او خطر داهم فإن المدة الرئاسية تمدّد بقانون يصادق عليه مجلس النواب وذلك الى ان يتسنى اجراء الانتخابات..» لكن هذا «التمديد» لا يمكن ان ينطبق على رئيس الجمهورية المؤقت بل على رئيس الجمهورية المباشر (المنتخب) وبالتالي فإن تطبيق هذا الفصل سيكون فيه خرق واضح للدستور. خرق (2) تحدّث الأستاذ سعيّد عن خرق ثان للدستور وهو المتعلق بالعمل بالفصل 28 الخاص بتفويض السلطة التشريعية الى رئيس الجمهورية المؤقت ليتخذ مراسيم ومن المفروض ان يكون التفويض من سلطة مشروعة (أي تمثل الناخبين) الى سلطة أخرى مشروعة (تمثل الناخبين أيضا).. اي ان تطبيق هذا الفصل من المفروض ان يتم في الظروف العادية وليس في هذه الحالة التي فقد فيها مجلس النواب مشروعيته (لم يعد يمثل الشعب) ورئيس الجمهورية ايضا لا يمثل الناخبين بل مؤقت وبالتالي هناك خرق لهذا الفصل 28. كما أن التفويض لم يتم «لغرض مُعين» مثلما يقتضيه الفصل 28 من الدستور بل تضمن عدّة مجالات هامة وأساسية وكأنه تخلّ تام من مجلس النواب عن مهامه.. كما ان التفويض لم يتم «لمدة محدودة» مثلما يقتضيه الفصل 28 بل الى حين انتهاء مهام رئيس الجمهورية المؤقت وبما أن هذه المهام (للرئيس المؤقت) لم يقع تحديدها الى حدّ الآن، فإنه تم هنا ايضا خرق واضح للدستور. خرق (3) حسب الأستاذ قيس سعيّد، حصل خرق ثالث للفصل 57 من الدستور عندما وقع في البداية تشكيل حكومة وحدة وطنية ثم وقع حلّها وتشكيل حكومة جديدة في حين ان الفصل 57 يمنع «إنهاء مهام الحكومة» من رئيس الجمهورية المؤقت. خرق (4) حصل آخر خرق للدستور حسب قيس سعيّد منذ 3 أيام عندما صدر بلاغ عن وزارة الداخلية يمدّد حالة الطوارئ... فهل هناك نصّ صدر لإعلان إعلان الطوارئ حتى يقع التمديد فيها فالفصل 46 ينص على امكانية اتخاذ رئيس الجمهورية تدابير استثنائية بأمر لكن لم يصدر بالرائد الرسمي اي نص لإعلان حالة الطوارئ، فضلا عن ان رئيس الجمهورية المؤقت ليس له الحق في اللجوء الى هذه التدابير الاستثنائية (حسب الفصل 57).. وبالتالي حصل في هذا المجال أيضا خرق للدستور حسب قيس سعيّد. مأزق إضافة الى مأزق الترشح للانتخابات الرئاسية (تقديم المترشح من 30 نائبا او 30 عضو مجلس بلدي) وإلى مأزق استحالة تنقيح الدستور من رئيس الجمهورية المؤقت... وإضافة الى الخروقات المذكورة تحدّث قيس سعيّد عن مآزق أخرى تنتظرنا حتى في صورة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد فهذا الرئيس المنتخب (الجديد) لن يتسنى له حل مجلس المستشارين لأن الفصل 57 لا ينص الا على إمكانية حلّ مجلس النواب وبالتالي سيبقى مجلس المستشارين قائما الى حين اجراء تنقيح للفصل 57 بواسطة قانون دستوري.. الحلّ يبدو الحلّ الوحيد الأقرب للشرعية وللمشروعية حسب الأستاذ قيس سعيّد هو تمكين الشعب التونسي من تقرير مصيره بنفسه حسب المبدإ المعروف وهو «حق الشعوب في تقرير مصيرها» ولن يكون ذلك الا بإيقاف العمل نهائيا بهذا الدستور وإجراء انتخابات لمجلس وطني تأسيسي (قبل الانتخابات الرئاسية) ويتولى هذا المجلس إعداد دستور جديد وكل ذلك في ظل ضمان رئيس الجمهورية المؤقت لاستمرارية الدولة (وليس استمرارية النظام) من خلال ضبط اجراءات للتسيير المؤقت للسلط العمومية.