من المعلوم انه وبالاضافة الى عديد الأطراف الأخرى فقد أعلن القضاة موقفهم بوضوح من اللجان الثلاث التي تم إحداثها وفي مقدمتها لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، وخاصة خلال الايام الأخيرة وتحديدا في ما يتعلق بذكر رئيسها لتسلّم علي السرياطي مبلغا ماليا قدره 500 ألف دينار، وكذلك ما تم عرضه من أموال داخل قصر سيدي الظريف. وللتمعّن أكثر في مؤاخذة القضاة على أعمال لجنة تقصّي الحقائق فإنه تجدر الإشارة الى أن مدير الأمن الرئاسي السابق علي السرياطي صدرت في حقه بطاقة إيداع بالسجن على ذمة عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس لمواصلة التحقيقات معه حول جرائم منسوبة اليه. وفي إطار الأبحاث المذكورة فقد وجّه الأسبوع الماضي وزير المالية مراسلة وصفت ب «السرية» تتعلق بتسلّم علي السرياطي مبلغا ماليا قدره 500 ألف دينار نقدا، في إطار الاعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة!! ومن مؤسسة رئاسة الجمهورية وكانت «الرسالة السرية» مدعومة بعديد الوثائق المثبتة للتسلّم. وفي هذه الحال بالذات فإن عميد قضاة التحقيق، ومن البديهي وعند جلسة استنطاق لعلي السرياطي واستجوابه حول هذا المبلغ المالي وفي صورة إنكار السرياطي فإن قاضي التحقيق سيردّ عليه «بوثيقة إدانة» من شبه المستحيل «دحضها» كقرينة قانونية لإثبات تورّطه ونظرا لسرية المراسلة فمن المستحيل ان يكون السرياطي او محاموه عالمين بها مسبقا للإعداد «لمواجهتها» وهذا يعتبر من أبجديات البحث التحقيقي. لكن ما فاجأ الجميع، وبصفة خاصة عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية أن رئيس لجنة تقصّي الحقائق تحدث عن الوثيقة والمبلغ المالي في لقاء إعلامي وعليه فإنه كشف للمدّعى عليه علي السرياطي ومحاميه مسبقا عن الأمر، وعندها يمكنه الاعداد للمواجهة القانونية والبحث بتروّ عن الثغرات الممكنة لدحض تلك القرينة. اختصاص مطلق لقاضي التحقيق وفي جانب ثان فإن ما زاد في احتجاج القضاة ما عرض تلفزيا، من صور تعلّقت بقيام لجنة تقصي الحقائق بتفتيش قصر سيدي الظريف، وحجز أموال داخله. وتجدر الإشارة الى أن قصر سيدي الظريف بسيدي بوسعيد ليس إدارة او مقرّا إداريا، بل هو قانونا «محل مسكون» وحسب مجلة الاجراءات فإن دخول وتفتيش وحجز ما بداخل محل سكني في إطار البحث الجزائي، هو حسب مجلة الاجراءات الجزائية من الاختصاص المطلق لقاضي التحقيق المتعهد بملف القضية وبإمكانه إعطاء «إنابة» الى واحد من مأموري الضابطة العدلية وهم محلّفون ولا يمكن الطعن في محاضرهم الا بالزور فقط. لكن الجميع، وبصفة خاصة القضاة فوجئوا ب «تجوّل» أعضاء لجنة تقصي الحقائق بين أرجاء «المنزل» الكائن بسيدي الظريف، وفتح الخزانات والخزائن وحجز الأموال والمصوغ ونقلها الى جهة أخرى. وهذه الأعمال أغضبت القضاة وبصفة خاصة قاضي التحقيق المتعهد بملف القضية، وبإمكان اي محام ان «يدفع» في هذه الحال ببطلان اجراءات التفتيش والحجز، حسب فصول مجلة الاجراءات الجزائية، وعندها لن يكون أمام القضاء سوى الحكم بعدم سماع الدعوى!! وردّد على مسامعنا العديد من السادة القضاة مواقف مستاءة من لجنة تقصي الحقائق وخاصة رئيسها الأستاذ عبد الفتاح عمر متسائلين كيف يخرق رجل القانون قوانين بلد القانون؟!!