أصبح انتخاب مجلس وطني تأسيسي (او مجموعة وطنية تأسيسية) مطلبا يجمع حوله كل التونسيين تقريبا، من مواطنين وسياسيين وحقوقيين، وهو المطلب الذي رفعه على امتداد الأيام الفارطة المعتصمون بالقصبة وكذلك عدد من المتظاهرين إضافة الى مختصي القانون الدستوري وكان الأستاذ قيس سعيّد المختص في القانون الدستوري قد بيّن خلال احدى المحاضرات التي ألقاها في الايام الأخيرة حول الوضعين السياسي والدستوري في تونس انه لا مجال اليوم للإبقاء على الدستور الحالي الذي اصبح لا يتماشى مع الوضع الراهن وتتالت الخروقات لأحكامه وأصبح وجوده يضعنا أمام مآزق دستورية وقانونية لا يمكن تجاوزها تماما إلا بالقطع نهائيا مع هذا الدستور وتحرير دستور جديد يتماشى مع المرحلة الحالية ومع تطلعات كل التونسيين ضمانا لحسن الانتقال الديمقراطي ولديمومة الدولة وأيضا لحماية الثورة الشعبية المباركة. وبما ان إعداد دستور جديد يتطلب هيئة لتولي المهمّة فإن هذه الهيئة لا يمكن ان تكون سوى مجلس وطني تأسيسي شبيها بالمجلس الذي تم بعثه اواخر 1955 والذي تم انتخاب أعضائه أوائل 1956 وشرع منذ ذلك التاريخ في إعداد وثيقة الدستور وتوصل الى ذلك فعلا في ماي 1959 وصدر أول دستور لتونس المستقلة في غرة جوان 1959. انتخاب يتساءل كثيرون عن الطريقة التي يمكن بها انتخاب مجلس تأسيسي اليوم في تونس، خاصة أن ظروف 1956 ليست ظروف 2011. وفي هذا الإطار يقول الأستاذ قيس سعيّد انه من حيث المبدأ لا شيء يمنع اليوم من انتخاب مجلس تأسيسي يتولى إعداد دستور. فإذا كان التونسيون قد نجحوا في ذلك سنة 1956 ونجح من بعدهم المجلس التأسيسي في وضع دستور، فإنه من باب المنطق القول بأنهم سينجحون في ذلك ايضا سنة 2011 خاصة في ظل التطوّر السياسي والفكري الذي أصبح عليه التونسيون وتضاعف نسبة التعليم والمعرفة أكثر من 10 مرات عما كانت عليه في 1956.. لذلك فإنه لا فائدة حسب قيس سعيّد من التعلل بأن الشعب التونسي اليوم غير قادر على انتخاب مجلس تأسيسي.. وفي هذا الاطار، يقترح أستاذ القانون الدستوري ان يتم أولا وضع نظام انتخابي خاص بانتخابات المجلس التأسيسي (لأن النظام الانتخابي الحالي لا يصلح لذلك). ويمكن ان ينص هذا النظام الانتخابي على انتخاب مجلس تأسيسي بالاقتراع على القائمات او على الافراد (من الأفضل على القائمات حسب الأستاذ قيس سعيّد مع تضييق القائمات الانتخابية على الأقل محليا... وفي هذا الإطار يمكن حسب المتحدث تقسيم تراب الجمهورية الى مجموعة دوائر ترابية تحدّد المقاعد الخاصة بكل منها ثم يترشّح ممثلو الأحزاب والمنظمات والحساسيات السياسية والنقابية والشبابية والحقوقية والثقافية والنسائية. ظروف يفترض ان تجرى انتخابات المجلس التأسيسي في ظروف أمنية مستقرة حتى يستطيع كل مواطن الترشح وكل مواطن ممارسة حقه الانتخابي بعيدا عن كل الضغوطات والمخاطر وهو ما يتطلب اليوم في تونس مزيدا من العناية بهذا الجانب. استفتاء يمكن أن تدوم هذه العملية (الانتخاب إعداد دستور) عدة أشهر أو حتى سنة او سنتين... وفي الختام تتوّج أعمال المجلس التأسيسي بسن دستور يمكن عرضه على الاستفتاء او القبول به مباشرة... ويتم بعد ذلك الشروع في تنظيم الحياة السياسية بناء على ذلك الدستور مثل الانتخابات الرئاسية والتشريعية..