لقد طالعت باستغراب شديد المقال الصادر بجريدة «الشروق» التونسية الصادر بجريدة «الشروق» التونسية الصادرة بتاريخ 3 مارس 2011 بصفحتها 29 تحت عنوان «كان أولى بالقضاة أن يطلبوا الصفح من الشعب التونسي» وذلك للأخطاء القانونية والتاريخية العديدة التي تضمنها فضلا عن الاستنتاجات التي انتهى إليها صاحب المقال والتي كانت تنم عن جهل صارخ بطبيعة العمل القضائي وبالأسس التي يرتكز عليها. فقد عاب صاحب المقال في بدايته عن قضاة التحقيق تفويض صلاحيتهم الى الشرطة العدلية بمقتضى إنابات عدلية في أغلب القضايا الجزائية ثم يتقيدون بمحاضر الشرطة ويتبعهم في ذلك أعضاء المجالس الجناحية والجنائية وهو ما يعد في نظره عائقا أمام القضاة للتعهد بملفات حقوق الانسان وإطلاق النار على المحتجين طالما أن المورطين فيها هم من رجال الأمن، وهو استنتاج أقل ما يُقال عنه أنه سطحي ولا ينم عن دراية واطلاع بطبيعة العمل القضائي وخفاياه ضرورة أنه فضلا عن كون الانابات في مادة التحقيق ليست من استنباط فقه قضاء التحقيق وإنما هي إجراء جاء به القانون صلب الفصل 57 من مجلة الاجراءات الجزائية الذي ينص على ما يلي: «إذا تعذر على قاضي التحقيق إجراء بعض الأبحاث بنفسه أمكن له أن ينيب.. مأموري الضابطة العدلية المنتصبين في دائرته كل فيما يخصّه بإجراء الأعمال التي هي من خصائص وظيفته ما عدا إصدار البطاقات القضائية ويصدر في ذلك قرارا يوجهه الى وكيل الجمهورية بقصد تنفيذه. وعلى مأموري الضابطة العدلية عندئذ احترام مقتضيات الفصل 13 مكرر...». فضلا عن ذلك، فإنه يتجه التذكير بأن الانابات في مادة التحقيق هي اجراء فرضه الواقع بحكم الكم الهائل من القضايا التي تتهاطل يوميا على مكاتب قضاة التحقيق وهو ما يجعل من المتعذر إن لم نقل من المستحيل ماديا أن يتولى حاكم التحقيق مباشرة الأبحاث بنفسه في جميعها خاصة إذا علمنا أنه في بعض الأحيان يكون ملف القضية يحتوي على عدد كبير من المتهمين الذين يتعين على قاضي التحقيق أن يتخذ قرارا بشأنهم في أسرع وقت ممكن باعتباره مقيدا بأجل الاحتفاظ الذي لا يمكن أن يتجاوز في أقصى الحالات ستة أيام عملا بمقتضيات الفصل 13 مكرّر من نفس المجلة وذلك بعد استنطاق المتهمين وسماع الشهود وإجراء المعاينات اللازمة وإتمام جميع الأعمال المؤدية الى إظهار البراهين المبينة للتهمة أو النافية لها. وبناء على ذلك واستنتاجا ممّا تقدم، فإنه يمكن القول بأن الانابات ليست إجراء وجوبيا يحتمه القانون على حاكم التحقيق حتى يقع التخوف منه إذا تعهدت الجهة المذكورة بالقضايا المتعلقة بالأحداث الأخيرة، ذلك أن حكام التحقيق ومثلما دأب عليه عملهم يتولون عادة مباشرة بعض القضايا المعينة بأنفسهم شخصيا ودون إجراء الانابات هذا زيادة عن كون الانابات لا تعني بالضرورة الخروج عن المصداقية وعن إتباع الاجراءات القانونية السليمة خاصة إذا علمنا أن أعمال التحقيق تخضع لرقابة دائرة الاتهام التي تخضع بدورها لرقابة القضاء الجالس في جميع ما تنتهي إليه. ولقد تطرق صاحب المقال كذلك الى أنّ جمعية القضاة عقدت جلسة عامة انتخابية يوم 19 ديسمبر 2010 وقد قامت وزارة الداخلية آنذاك باعتقال القاضية كلثوم كنّو في منزلها ثم منعها من الالتحاق بمكان الجلسة دون أن يصدر عن القضاة أي موقف استنكاري أو تنديدي لتصرفات وزارة الداخلية تجاه زميلتهم على نحو ما قام به المحامون حينما اعتصموا بمقر هيئة المحامين وبدار المحامي يوم 31 ديسمبر 2011 احتجاجا على اختطاف زميليهما شكري بالعيد وعبد الرؤوف العيادي وهو ما يعدّ في نظره تخليا عن زميلتهم وعن واجب الدفاع عنها الأمر الذي يطرح التساؤل حول الضامن لعدم تخليهم عن الشعب في صورة تعهدهم بملفات الأحداث الأخيرة وقضايا الرشوة والفساد. وردا على ذلك، فإنه يمكن القول إن صاحب المقال ارتكز على وقائع ومعطيات محرّفة ومغلوطة ضرورة وأن القاضية السيدة كلثوم كنّو هي عضو المكتب التنفيذي الشرعي الذي وقع الانقلاب عليه سنة 2005 والتي وقع نقلتها تعسفيا لمحكمة القيروان ثم توزر في اطار الحملة الشعواء التي شنتها وزارة العدل في عهد النظام الاستبدادي على المكتب الشرعي لجمعية القضاة وعلى جميع القضاة الشرفاء، وبالتالي فإن السيدة كلثوم كنّو لا علاقة لها بالجلسة الانتخابية الملتئمة يوم 19 ديسمبر 2010 وهي ليست معنية بها ولا يمكن تصورها متواجدة بها حتى ولو تمت دعوتها لذلك من طرف وزارة الداخلية نفسها هذا فضلا عن عدم جواز المقارنة بين مهنتي المحاماة والقضاء إذ لا خلاف في كون القانون الأساسي للقضاة يمنع عليهم حق الاضراب ولعل التاريخ لازال يذكر ما حدث مع جمعية القضاة الشبان في عهد النظام البورقيبي سنة 1985. وأما بخصوص قرار إحالة الرئيس السابق وبعض أقاربه على المحاكم واقتصاره على جرائم مصرفية وديوانية فإنه تجدر الاشارة الى أن رجال القانون يعلمون كيف تمّ اتخاذ ذلك القرار ومن طرف من، ولا أدل من ذلك من تدارك الأمر والتوسع في عدد التهم المنسوبة للمتهمين المذكورين بمجرد اتخاذ وزير العدل الحالي قراره القاضي باعفاء الرؤوس المدبرة في وزارة العدل من مهامها والتي شكلت على مرّ السنين الماضية العصا الغليظة للسلطة في ضرب كل القضاة الشرفاء وتشريد كل من انتصر للضعفاء والمظلومين، هذا زيادة على اتخاذ وكالة الجمهورية بتونس مؤخرا قرارها القاضي بإحالة المسؤول عن المشروع البترولي الاماراتي بمنطقة الصخيرة على المحكمة بإرادة حرة منها وبالتالي فإن نسبة ذلك الى القضاة بشكل عام ودون تمييز فيه من الحيف والظلم الشيء الكثير. (يتبع) بقلم: صلاح الشيحاوي (مستشار بمحكمة الاستئناف)