تونس (الشروق) محمد علي خليفة: «التحديات الاستراتيجية في المنطقة بعد الثورات» كان محور الندوة الدولية التي انتظمت أمس بإشراف منتدى ابن رشد المغاربي الأوروبي والشبكة الأورومتوسطية لحوار الثقافات وجمعية الدراسات القانونية والاقتصادية حيث أكد المشاركون أن النظرة العربية والأوروبية والافريقية والأمريكية الى تونس ومصر تغيّرت بعد الثورتين وأن هناك توجّها نحو فتح المزيد من الانفتاح وتدعيم الشراكات واعتبروا أيضا أن ثورة تونس أسّست لمرحلة جديدة ينبغي أن يكون المواطنون مستعدين للتعامل معها وأن تكون لهم الشجاعة الكافية لتحمّل مسؤولياتهم إزاء هذا الواقع الجديد الذي تتشكّل ملامحه الآن. وفي قراءته لتداعيات الثورتين في تونس ومصر على المنطقة العربية قال أمين عام اتحاد طلبة فلسطين أحمد أبو النصر ان ثورة تونس أعادت الأمل الى الفلسطينيين، مؤكدا أن الرؤية التي يحملها شباب فلسطين اليوم هي «اليوم أسقطنا أنظمة عربية مستبدّة وغدا سنحرّر فلسطين». وأشار أبو النصر الى الحملة التي سيبدؤها شباب فلسطين بعد غد لإنهاء الانقسام الفلسطيني ومقاومة الاحتلال. قراءات وأكد أبو النصر في قراءته أن ما حدث في العالم العربي كان سيحصل وسيحصل مرة أخرى وسنرى «14 جانفي» ثانية ولو حقن القادة شعوبهم بالمسكّنات. وقال ان الشباب العربي يتطلّع الى وطن يستطيع بناءه بالطريقة التي يراها هو وهو يملك من الطاقات ما يؤهله الى ذلك، مؤكدا أن إعادة الثقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والشباب العربي تمرّ عبر فلسطين، مطالبا بوقفة عادلة مع قضية فلسطين. وفي المقابل عرض السفير جيمس لوروكو، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأدنى وجنوبي آسيا ومدير جامعة الدفاع الوطني بالولاياتالمتحدة قراءة جيو استراتيجية لآفاق العلاقات الأمريكية العربية متحدثا في هذا السياق عن «المصالح الأمريكية في المنطقة والتي لم تتغيّر وهي «ضمان الاستقرار الاقليمي وأمن أصدقائنا وحلفائنا (وبينهم اسرائيل) والانتصار على العنف والتطرف». ولفت لوروكو الانتباه الى أنه عند الحديث عن مصر وتونس وغيرهما من دول المنطقة العربية فإن الولاياتالمتحدة تختار المصالح قبل القيم العليا، وقد أثار هذا الاعتراف جدلا بين الحضور حيث علق أحدهم بأنه كاد ييأس من أن الغرب والأمريكان سيغيّرون خطابهم حتى بعد كل هذا الذي جرى من ثورات ولفت النظر الى أن الأمريكان والغرب أساسا خائفون على أمنهم ولم يروا من الثورات العربية إلا هذه الزاوية. واعتبر الخبير الأمريكي أن فرصة خلق «شرق أوسط جديد» باتت وشيكة وأن خلق هذا الواقع يرتبط أساسا بخيارات الشعوب والقادة في كل بلد. وأضاف أن المرور من «التحرّر من الديكتاتورية والاستبداد» الى «الحرية من أجل غد أفضل» هو مسار صعب لكنه أساسي من أجل اتمام الثورات وضمان المستقبل لأطفالنا». وحسب لوروكو فإن «الشرق الأوسط الجديد» (شرق ما بعد الثورات) سيكتشف أن هناك دولا مستعدة للمساعدة والتفاعل الايجابي مع هذه المرحلة الجديدة مثل الولاياتالمتحدة وسيرى أيضا أن هناك جهات تعمل على زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار. وأشار لوروكو الى أن الولاياتالمتحدة جاهزة للعب دور كبير كشريك اقتصادي لتونس ومصر وغيرهما من الدول المتوسطية، معتبرا أن المناخ ملائم للاستثمارات والتجارة والسياحة وأنه يجب سنّ قوانين وتشريعات تجذب المستثمرين الأجانب وتحميهم في الوقت ذاته. أما الخبير الأمريكي «لاري فالت» فاعتبر في مداخلته أن الديمقراطية لا تفرض من الخارج بل تتطلب تقبّلا من جانب المواطنين لممارستها وأن تكون لهم الشجاعة لتحمّل المسؤولية. وسجل «فالت» بارتياح حدوث الثورات في أكثر من دولة عربية انطلاقا من التحركات الشبابية التي لم تكن ذات توجهات متطرفة مشيرا في هذا السياق الى تحييد تنظيم «القاعدة» الذي يحمل أيضا هدف إسقاط الأنظمة القمعية. الثورات... الى أين؟ من جانبه قدّم الجامعي والاعلامي التونسي المقيم بألمانيا المنصف السليمي قراءة أوروبية اقتصادية وحقوقية لما بعد الثورة انطلاقا من الموقف الالماني في هذا المجال. واعتبر المنصف السليمي ان السؤال المحوري الذي يثير اهتماما كبيرا لدى وسائل الاعلام والمثقفين في أوروبا كما في الدول العربية هو: الى أين تتّجه الثورة في شمال افريقيا؟ وأشار السليمي الى أنه كانت هناك فترة تردّد كبيرة لدى أوروبا في التعامل مع ثورة تونس، وأشار الى أن الرأي العام الاوروبي (خلافا للقادة الذين يعرفون خفايا الأمور) بدأ يكتشف أن هناك تونس أخرى غير تونس التي يعرفها، كان يعرف سيدي بوسعيد والآن أصبح يعرف سيدي بوزيد، ومن ثمة فإن ما يجري هو إعادة اكتشاف للخارطة الحقيقية لتونس كما أن بعض السياسيين، خصوصا في ألمانيا بدأوا يراجعون منظومة التعامل وشبكات العلاقات مع تونس، كما يجري البحث الآن عن شركاء آخرين. وتابع المنصف السليمي قائلا «نحن مازلنا بصدد اعادة تأسيس دولة وأرى أن التحكم في مشكلاتنا وتوجهاتنا سيقود نحو طمأنة الآخر». ولفت الانتباه الى أن هناك اجماعا لدى عدد كبير من خبراء أوروبا وأمريكا وهو أن هذه الثورة لم تصنعها «القاعدة» بل صنعها شباب من «الطبقة الوسطى» يحمل أفكارا معتدلة. مسار الاصلاحات وبخصوص التحديات السياسية والآفاق في تونس ما بعد الثورة تحدّث الاستاذ هيكل بن محفوظ عن ملامح الصورة التي تطبع المشهد السياسي اليوم وخصوصا ما يتعلق بالدستور الجديد والخطوط العريضة التي يجب ان يتضمّنها هذا الدستور وكذلك مسألة الاصلاح السياسي واختيار شكل النظام (رئاسي أم برلماني؟). وأشار الأستاذ بن محفوظ في هذا السياق الى أن الحديث كثر عن ضرورة اختيار النظام البرلماني باعتبار فشل التجربة السابقة وخيبة الأمل من دستور 1959 الذي انتج ديكتاتوريات فاسدة. وأكّد بن محفوظ ان الاشكال لا يكمن في طبيعة النظام بل في طريقة ممارسة السلطة، فالنظام المقبول هو الذي يوفّر ضمانات الممارسة الديمقراطية أما إذا كان النظام يرسم حلولا ولا يوفّر قواعد المشاركة الفعلية والمباشرة في العملية السياسية فهو نظام فاشل. ونبّه الى أن الدستور الجديد يجب ان يضع مجموعة من المبادئ، فالهاجس الأول ليس استقرار السلطة السياسية بل هو تحقيق الحريات والديمقراطية، موضّحا ان آليات ممارسة الديمقراطية هي احترام مبدإ المسؤولية ومساءلة الحاكمين من قبل المحكومين ومبدأ الشفافية واستقلال القضاء ومشاركة المواطن في الحياة السياسية. وتساءل بن محفوظ في هذا الباب قائلا: من له أولوية المشاركة، المواطن مباشرة أم الأحزاب؟، معتبرا أنه في النظام القائم حتى الآن يساهم المواطن في الحياة السياسية من خلال التنظيمات السياسية أي أن هناك وصاية على صوت المواطن وحريته. وخلص بن محفوظ الى القول إن نجاح الدستور الجديد يبقى رهين رفع الوصاية عن صوت الشعب. وجدّد بن محفوظ التأكيد على أنه لا يمكن صياغة دستور وفق مقاس شخص أو ظرف معيّن معتبرا ان هذه مسألة سيادية، ومن ثمة لابد من اقرار ليس فقط علوية الدستور وضمان تكريس هذه العلوية ولكن لابد من التصريح بأنه لا يمكن تعديل الدستور بشكل دوري ومستمر بشكل يؤدي الى انهيار قدسية الدستور، لكنه أوضح أنه لا ينادي بالجمود وانما بتكريس مبدإ احترام الدستور.