كالشأن الوطني العام، و بالرغم من ثرائها البشري وعدد مثقفيها وناشطيها، تعيش صفاقس تصحرا سياسيا واضحا نتيجة الأوضاع التي كانت سائدة قبل 14 جانفي تاريخ الثورة التونسية المباركة ..هذا التصحر لم تستغله بعد الأحزاب الوطنية للاستقطاب والتعريف ببرامجها الانتخابية في ولاية المليون ساكن ..لماذا ؟ . السؤال قد يبدو سابقا لأوانه باعتبار أن كل الأحزاب الوطنية تقريبا باستثناء القليل منها مازالت منشغلة بترتيب بيتها من الداخل أو منشغلة بمسائل التأشيرة و غيرها من الإجراءات الموضوعية لتكوين حزب وطني بإمكانه دخول معترك المنافسة ببرنامج واضح .. محاولات قليلة فصفاقس التي تعد أكثر من مليون ساكن عشر سكان البلاد تقريبا تبقى ركيزة أساسية لكل حزب يطمح إلى صعود سدة الحكم أو على الأقل للحصول على موقع في أية حكومة مرتقبة، ومع هذه الميزة على المستوى العددي لم نلاحظ أي خطوة واضحة من الأحزاب الوطنية «لاقتحام» صفاقس سياسيا بقصد التعريف بالبرامج الانتخابية والتعبئة وصنع قاعدة تكون ركيزة أية انتخابات تشريعية أو رئاسية مقبلة.. وحتى لا نعمم نقول ، إن بعض المحاولات في هذا الشأن تمت لكنها فشلت ولم تحقق المرجو منها، بل إن بعضها حقق نتائج عكسية للأحزاب الوطنية التي بادرت بالتعريف بتوجهاتها و برامجها بمدينة صفاقس. ولئن فشلت بعض هذه المحاولات في مسعاها لأسباب سنوضحها لاحقا ، فإنه يمكننا القول ان محاولات ولوج أسوار صفاقس السياسية تحسب لهذه الأحزاب التي كشفت بهذه المحاولات عن فهمها للواقع الانتخابي و الخطوات المطلوبة لتوسيع قاعدتها الشعبية بصفاقس في ظل ارتفاع عدد الأحزاب و تناميها وتشابه أسمائها على الأقل. من بين المبادرات التي يمكن ذكرها في هذا الصدد مبادرة أمين عام التكتل السيد مصطفى بن جعفر ، الذي يتردد أن مناضليه بصفاقس نجحوا في الفترة الأخيرة أي بعد الثورة في استقطاب عدد كبير من الناشطين السياسيين و المستقلين و المنشقين عن أحزابهم الأصلية.. ثم جاءت محاولة الأمين العام الأول لحركة التجديد السيد أحمد إبراهيم لولوج صفاقس، لكنه منع من اجتماع عام بها، بل وتم الاعتداء عليه من بعض المجموعات وأطرد من قاعة الاجتماع كما نشرنا ذلك في وقت سابق.. بعدها، عقد أحد الأمناء العامين اجتماعا «سريا» بصفاقس حضره 37 مناضلا من حركته، وقد حرص الأمين العام أن يكون الإحتماع بعيدا عن أنظار الصحافة ربما تحسبا لأي طارئ.. أمين عام آخر عقد اجتماعا علنيا حضره 14 منتميا من الحزب في ولاية تعد مليون ساكن !.. نشاط سياسي هام وخلافا لهؤلاء ، لم يعقد أي حزب آخر على حد علمنا اجتماعا للتعريف ببرنامجه الانتخابي أو للاستقطاب في جهة لها وزنها في أية أحداث وطنية كبرى كهذه التي تعيشها بلادنا بعد ثورة 14 جانفي المباركة.. والواقع أنه لا يمكن لوم هذه الأحزاب أو اتهامها بالتقصير و نقص في التجربة للأسباب الأمنية المعروفة و التي لا تشجع كثيرا أحزابنا الوطنية على تنظيم اجتماعات عامة قد تنطلق بلفظ «ديقاج»، لذلك المطلوب اليوم تهيئة الظروف الموضوعية حتى تتمكن كل الأحزاب السياسية من التعريف ببرامجها في جهة لها وزنها السياسي في أية انتخابات ديمقراطية قادمة.. لكن بعيدا عن الأحزاب الوطنية التي انطلق بعضها في فتح مقرات له بالجهة، تعيش صفاقس حراكا سياسيا هاما بفضل دور الناشطين السياسيين والحقوقيين وبعض المنظمات والجمعيات والهيئات والجبهات التي عقدت وتعقد يوميا العديد من اللقاءات والاجتماعات هنا وهناك تأسيسا لنظام ديمقراطي وحماية للثورة التونسية المباركة.. بعض هؤلاء الذين ينشطون في إطار الاستقلالية، بإمكان أي حزب يحمل برامج واضحة ويتحرك برؤية صلبة ليخلق لنفسه قاعدة متينة أن يستقطب بعضهم، فرابطة العمل الديمقراطي المستقل بصفاقس مثلا والتي تضم وجوها مستقلة معروفة، وبالرغم من أنها لم تتأسس إلا منذ 3 أسابيع فقط ، قد نجحت في استقطاب عدد كبير من الوجوه الحقوقية و المستقلة المعروفة بعد أن طرحت على نفسها نقاطا واضحة تتلخص خاصة في «الإنخراط في التيار الساعي إلى تحقيق الثورة و ضمان الانتقال الديمقراطي وتجاوز حالة التجزئة التي تعيشها الحركة الديمقراطية» على حد تعبير بيانهم الصادر خلال نهاية الأسبوع الفارط . نجاح «رابطة العمل الديمقراطي المستقل بصفاقس» في تكوين قاعدة شعبية في ظرف وجيز يؤكد أن صفاقس تعتبر مجالا خصبا للعمل السياسي لعدة اعتبارات منها عدد السكان ..و الأهم تحمس السكان والأهالي للفعل السياسي بعد تصحر سياسي دام عقودا..