ليس من السهل في شيء رصد المشهد السياسي بصفاقس، فالصورة متحركة في مدينة المال والأعمال، التي تحرص كل الأحزاب الوطنية على مغازلتها، مع مفارقة غريبة تتجلى في عدم إدراك الدور الإعلامي في هذه اللعبة. التسارع نحو هذه المغازلة اتجه إلى رؤوس الأموال كما اتجه إلى المتساكنين في ولاية تضم مليون ساكن أكثر من نصفهم تتوفر فيهم شروط الناخب وقد بلغ عدد المرسمين بدائرتي صفاقس واحد و2 ما يقارب ال550 ألف ناخبا سيدلون بأصواتهم في 125 قائمة حزبية ومستقلة في انتظار البت في الطعون . التنافس بين القائمات المترشحة وكما هو معلوم سينحصر في16 مقعدا بالمجلس التأسيسي، 7 منها بصفاقس واحد و9 في صفاقس 2، وهو ما يوحي بمنافسة ساخنة بين الأحزاب الوطنية فيما بينها، وبين الأحزاب والقائمات المستقلة التي تشكل 40 بالمائة تقريبا من إجمالي الترشحات . الأحزاب التي اصطلح عليها بالأحزاب الكبرى وهي الأحزاب التي تمتلك رصيدا تاريخيا ونضاليا شكلت قائماتها الانتخابية بصفاقس إيمانا منها بثقل الجهة ودورها في تحديد المشهد السياسي الوطني في محطاته المختلفة. أحزاب قديمة فحركة النهضة حسب بعض الملاحظين بإمكانها التأثير في المشهد السياسي بصفاقس لا بحكم قاعدتها الجماهيرية فقط وإنما لتجربتها الانتخابية التشريعية سنة 1989 ، علاوة على أسماء رئيسي القائمتين منصف بن سالم والحبيب اللوز وهي أسماء لها وزنها بالجهة وهو شأن بقية قائمات الأحزاب الكبرى ونعني بها مثلا الحزب الديمقراطي التقدمي ممثلا في ماهر حنين و رؤوف غربال. نفس الحكم ينطبق على القطب الديمقراطي الحداثي ممثلا في المكي الجزيري وسلمى الحشيشة والتكتل الوطني من أجل العمل و الحريات ممثلا في جلال بوزيد و جمال القروري وحزب العمال ممثلا في قائمتي البديل الثوري لشفيق العيادي وأحمد السافي. عبد الوهاب معطر عن المؤتمر من اجل الجمهورية يحظى هو الآخر بإشعاع كبير استمده من دوره النضالي البارز علاوة على إشعاع حزبه الذي يمثله في صفاقس 1 محمد الكراي الجربي وهو شأن حافظ بلغيث عن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي الذي يمثله في القائمة الأخرى لطفي بن مبارك وهو ما ينطبق عن الوحدة الشعبية ممثلة في محمد دخيل ومفيدة الزيتوني ..، فهذه الأسماء مما ذكرنا و مما لم نذكر لها وزنها الذي تستمده من نضالية أحزابها بالرغم من أن البعض منها فقد جزء من شعبيته باتهامه ب «الكرتونية». مشهد جديد الأحزاب الجديدة التي برزت بعد ثورة 14 جانفي أغلبها غير معروفة بصفاقس، ولئن حرصت على تنظيم بعض الاجتماعات واللقاءات، فإن بعضها لم يحظ بحضور جماهيري كبير يكون خير وسيلة للتعريف بها في انتظار التعريف ببرامجها الإنتخابية المتأخرة، ولم تنتبه هذه الأحزاب بعد إلى دور الإعلام الجهوي في صناعة نجوم السياسة على المستوى الجهوي على الأقل. من أبرز الأحزاب الجديدة التي أدارت الأعناق إليها بصفاقس حزب العمل التونسي الذي يستند في قوته إلى تجذر الحركة النقابية في العمل السياسي بالجهة وارتباط اسم الحزب بعلي رمضان الوجه النقابي المعروف باتحاد الشغل وهي المنظمة التي تشكل ورقة بإمكانها أن تكون من الورقات المقررة لمصير الانتخابات بصفاقس نظراً إلى القاعدة الشعبية والجماهيرية الواسعة للمنظمة الشغيلة بالجهة وكذلك لإشعاع أسماء رؤساء القائمتين علي فرج الله و حسن الكراي. التحالف الوطني للسلم والنماء ممثلا في اسكندر الرقيق والاتحاد الوطني الحر ممثلا في بوبكر زيان وعادل عطية الله والحزب الليبرالي المغاربي ممثلا في سفيان عطوي وحركة الشعب ممثلة في علي بن عون وحركة البعث ممثلة في صوفية الزواري وآفاق تونس ممثلة في عبد المجيد الزحاف وشكري يعيش و المجد ممثلا في خالد الشوكات ومحمود الخراط وإئتلاف طريق السلامة للحبيب بن حسن والمستقبل ممثلا في عبد الوهاب بن رمضان و فاخر جردق وقوى 14 جانفي وهو الحزب الذي تشكل بصفاقس بعد الثورة مباشرة، هي أحزاب حديثة العهد لكن بعضها تمكن من الولوج إلى صفاقس سواء بأسماء رؤساء القائمات أو بالنشاط الثقافي والملتقيات أو حتى بالمال في مدينة المال والأعمال بالرغم من أن بعضها يجر وراءه خيبات التجمع المنحل ويلقى صعوبات حتى في تنظيم اجتماعاته العامة. مستقلون لا مستقيلين القائمات المستقلة لا تقل شأنا في وزنها بصفاقس، فالحديث عن عدم ثقة المواطن بالأحزاب بسبب «تناحر» الأحزاب فيما بينها على مواقع التواصل الاجتماعي أو المنابر الإعلامية ، خلق مسلكا للقائمات المستقلة التي ضمت وجوها بارزة بعضها دخل المجال السياسي من الباب الرياضي أو الحقوقي أو الجمعياتي والمنظماتي أو من باب الثقافة والظهور الإعلامي وهو ما ينطبق على صلاح الدين الزخاف أو الحبيب بوعجيلة و محمد أنور اللجمي وعبد المجيد الحفصي وعبد الناصر العويني وفتحي الزغل، وهاجر عبد الكافي وعبد الرزاق المذيوب وغيرهم من الأسماء التي نشط بعضها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت للانتباه. الملاحظون يرون ان من يغازل رأس المال بصفاقس قد يخطئ، لأن الطبقة الوسطى بصفاقس هي مركز ثقل ، وقد انتبهت أحزاب عديدة القديمة منها والجديدة إلى الموضوع فسارعت بتركيز مقراتها في محاولة منها للاقتراب من المواطن في انتظار الاقتراب من الناخب ببرنامج سياسي مقنع. الدكتور رضا الزواري أستاذ الفلسفة بجامعة صفاقس، يرى ان رأس المال تعود على الاختفاء وراء السلطة السياسية ولم يبد معارضة حتى في أحلك الظروف مع المخلوع بن علي مضيفا أن السلطة استهدفت صفاقس، لكن رأس المال مازال يواصل في سياسته في التخفي وراء السلطة و دعمها لذلك تغازل الأحزاب الكبرى صفاقس و كان من الأجدر أن يقع تمثيل هذا الرأس المال بصفاقس عن طريق أحزاب أو قائمات ، لكن هذا لم يقع ، فرأس المال بصفاقس و خاصة منه الذي تلوث بالنظام السابق لا يواجه الناس بل يستبق الزمن من خلال دعمه للأحزاب الكبرى حفاظا على مصالحه ، أما رأس المال النظيف فعليه أن يبرز كقوة سياسية حتى لا نعيد إنتاج نفس الوضع القديم ..،» وحتى نختم هذا المقال الذي لا ندعي فيه إلمامنا بالمشهد السياسي بصفاقس باعتبار حداثته ، نشير إلى أن بعض الأسماء المعروفة كان بإمكانها دخول المنافسة باقتدار، ويكفي هنا ذكر الدكتور محمد علي الحلواني الذي ترشح لرئاسية 2005 رغم التضييقات والصعوبات و الأستاذ زبير الوحيشي ، المحامي المستقل الذي عانى من النظام السابق والناشط الحقوقي نعمان مزيد، المناضل الرابطي الحبيب بوعوني وزميله عبد العزيز عبد الناظر، علاوة على بعض النقابيين ومن أبرزهم الهادي بن جمعة وسمير الشفي والنقابي يوسف العوادني و غيرهم الكثير من الوجوه النقابية البارزة بصفاقس بل ومن رجال الأعمال على غرار منصف خماخم وغيره من المحسوبين على المال والأعمال و النشاط الجمعياتي المنظماتي .. قلنا إن المشهد متحرك، و أكيد ان الأيام التي تسبق 23 أكتوبر تخفي وراءها مفاجآت أخرى قد لا تتبادر الآن للذهن والبال..هي السياسة في مدينة ثرية برصيدها النضالي والمالي ...