لا يسع كل تونسي غيور على بلده الا أن يقف اليوم حيران أسفا كما وصلت اليه البلاد، ولا شك أن كل من ينبض قلبه عشقا لهذا الوطن يردد وهو يمضي بين المارين في الشوارع والأزقة وأسفي عليك ياوطني... يقولها وقلبه يكاد يتفطر حزنا لمشهد لم تألفه تونس ولم يعد في وسع أي كان أن يتحمله في تونس اليوم تونس الثورة، تونس المجد.. فمن أكوام القمامة المكدسة في كل مكان وما تسببه من ضيق واشمئزاز في النفوس ونشاز في صورة تونس الخضراء النظيفة الآمنة، الى نظرات القلق والحيرة التي تبدو على الوجوه، الى الأسئلة الحائرة الحارقة التي تتزاحم في أذهان مواطنين كانوا الى زمن غير بعيد لا يكترثون لما يجري حولهم، مستسلمين لقدرهم... تمضي الأيام هكذا في تونس ما بعد الثورة. واذا كانت حالة التيقظ الدائمة والاهتمام الذي لا يكاد يغيب عن ذهن أحد، بالشأن السياسي وتداعيات المرحلة الانتقالية وملامح المرحلة المقبلة علامة صحية وأمرا ينبئ بأن المستقبل سيكون أفضل حتما، فإن السؤال الذي يتبادر اليوم الى الأذهان هو هل كان التونسيون أوفياء حقا لمبادئ الثورة التي صنعوها بأيديهم ورواها الشهداء بدمائهم! اليوم ومع مرور ثلاثة أشهر على التاريخ الرمزي للثورة (14 جانفي) يحق لنا أن نتساءل الى أين يمضي البلد وما هي الوصفة المثالية التي يمكن اتباعها لصد ما سمي «الثورة المضادة» ورد كيد الكائدين للثورة في نحورهم؟ اليوم يحق لنا أن نتساءل الى أي مدى كان التونسيون أوفياء لشعارات رفعوها ذات 14 جانفي، هل هم راضون حقا برغيف من الخبز وشيء من ماء قليل على ألا يعود إليهم شبح الدكتاتورية والظلم والقمع... وهل كانوا حقا أوفياء لثورتهم ولمبادئها وهل فهموا حقا هذه المبادئ ومعانيها وأبعادها، وهل هم قادرون على حمايتها؟ أسئلة كثيرة تلك التي تتبادر الى الأذهان اليوم ونحن نرى تونس بغير الوجه الذي نريده... نراها غارقة في القمامة ونحن نريدها شامخة بالعزة والكرامة... نراها تخطو خطواتها بشيء من التردد والتذبذب ونحن نريدها واثقة قوية... نراها قلقة متوجسة خيفة من غد لا أحد يعلم ملامحه ونحن نريدها آمنة مطمئنة مزدهرة متفاعلة... مشهد أكوام القمامة الجاثمة على صدر تونس وما يخلفه من حسرة في النفس وألم في القلب يمثل جانبا من الصورة الضبابية التي تعيشها البلاد وما على التونسيين الذين هتفوا ضد الدكتاتورية الا أن يسعوا بكل جهدهم الى رفع هذه الضبابية ورسم صورة تونس التي نريد...، وهذا المسعى يمر حتما عبر الوفاء للثورة والتفاني في خدمة هذا الوطن الرائع قبل أن نندم على ما فرطنا من جهد ضائع!