تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبد الله الكحلاوي ل«الشروق»: نعم، قوى الرّدة تحاول تشويه الثورة
نشر في الشروق يوم 02 - 05 - 2011

بدا وكأنه لم يفارق الوطن لثلاثة عقود ونصف العقد... بدا متماهيا مع الثورة وشعاراتها... كمن انتظرها منذ زمن... ولم تأت...
اختصّ في علم الاجتماع الاتصالي، ويشغل موظفا ساميا بالأمم المتحدة منذ أكثر من ثلاثين عاما...
عمل سفيرا سابقا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو LINESCO) لدى اتحاد المغرب العربي... وهو الآن المستشار الخاص لدى هيئة الأمم المتحدة...
جاء إلى تونس وطنه الثائر، وقد كان يتابع كل انجازات الثورة منذ أن اندلعت شرارتها الأولى... وقد جاء في هذه الفترة في زيارة، ألقى خلالها محاضرة عن «الثورة التونسية: الدروس والتحدّيات» بدعوة من رابطة حماية الثورة بالجنوب...
يدافع عن الثورة التي يقول إن شعبنا انتظر تحقيقها سنوات عديدة... ودعا الى الدفاع المتواصل عن الثورة، حتى نقيها من الالتفاف...
وقد بيّن أن عناصر الالتفاف عديدة... ومتعدّْدة... عبّر عن افتخاره بما أنجزه التونسيون، فثورة تونس دخلت التاريخ، ويحق لنا أن نفتخر بالقول القائل إن القرن الواحد والعشرين، هو قرن الثورة التونسية... التي تلتها ثورات عربية...
حذّر الدكتور الكحلاوي، وبكل تأنّ في الالتفاف على الثورة إن داخليا أو خارجيّا...
وقد كان السؤال الأول كالآتي:
أنت تعمل بمؤسسة أممية ومرتبط ببلادك تونس، كيف رأيت تونس الثورة... وكيف كنت ترى المشهد السياسي ببلادنا قبل 14 جانفي 2011؟
المشهد السياسي قبل الثورة، كان كما يعرفه كل الناس يرتكز على الولاء المطلق من التجمعيين تجاه بن علي. ومن موقعي كموظف أممي، باركت في بداية 7 نوفمبر البيان السياسي الذي أطلقه بن علي، مثلي مثل بقية الشعب التونسي... ولكني كنت حذرا، فقد طلب مني كمال اللطيف الرجوع الى تونس، ودعاني الى لقاء الرئيس بن علي آنذاك ولكني رفضت الرجوع على أساس أني أفيد بلدي من موقعي الأممي، أفضل من العمل، من الداخل وأن هناك اطارات كفأة يمكن أن تتحمل مسؤوليات داخلية... علما وأنني لم أتحمل أيةمسؤولية حزبية، ما عدا مشاركاتي الفكرية كمثقف مستقل.
والدي كان مناضلا دستوريا أثناء الحركة الوطنية، ولكني كنت مستقلا. وأقول هذا سواء في عهد بورقيبة أو بن علي.
بالرغم من أنني في عهد بورقيبة كنت متحمّسا خاصة للعمل الاشتراكي والتعاضد في عهد بن صالح... وقد صدمت عندما وقع افشال تجربة التعاضد... وقد عملت بعد ذلك بقولة فولتير Voltaire: «العناية بحديقتي» «Cultiver son jardin»، وأقصد التوجه نحو التحصيل العلمي.
وفي هذا الصدد أذكر أن بن علي اقترح عليّ أن أتولى حقيبة سفير تونس لدى اليونسكو بعد وفاة المرحوم حمادي الصيد... فأقنعته بأن مساعدتي لتونس وأنا موظف (مدير) باليونسكو أفضل من أن أكون سفيرا...
وفي سنة 1992دعيت من قبل المخلوع وقد اقترح عليّ أن أتولى الوزارة خلفا للمرحوم الصديق محمد الشرفي رحمه اللّه... فأقنعت بن علي أن عملي بالمغرب كسفير للأمم المتحدة لدى اتحاد المغرب العربي، يكون أفيد لتونس ولدول المغرب العربي علما وأن صاحب المبادرة هو المربي الفاضل أحمد خالد.
كيف كانت مساهمتك في الحقل الثقافي التونسي وأنت باليونسكو؟
مشاركاتي في الحقل الثقافي التونسي كانت تتمثل في حوارات حول «حوار الحضارات» و«حوار الأديان» وخاصة بعد 11 سبتمبر 2001، إذ رجعت الى باريس وكلّفت بقسم «آرابيا» «Arabia» للعمل على ابراز الحضارة والثقافة العربية والتصدّي للهجمات المغرضة التي تدين العرب والمسلمين وقد مسّت هذه الهجومات الحضارة العربية برّمتها كما يعلم الجميع.
إذن، كيف كنت تنظر الى المشهد السياسي من الخارج؟
أما بالنسبة إلى الثورة، فقد باركتها وسارعت بالمشاركة في حوار مباشر مع «الجزيرة» يوم 20 جانفي، بحيث أدنت فرنسا على تواطئها مع النظام التونسي... وكان ذلك على الهواء مباشرة... ثم مع محطة «فرانس 24» «France24» وأدنت من خلالها سياسة فرنسا وتحدثت عن الوضع الاقتصادي لتونس وقدمت خارطة طريق عن تونس كما نشرت مقالات بالفرنسية « La Tunisie de demain»، «تونس الغد»، وقد نشرته في صحيفتكم بالفرنسة «Le Quotidien»... وقد تحقق الجزء الكبير من مقترحاتي خاصة مع مجيء قائد السبسي...
عشت أكثر من 30 سنة بالخارج، ومازلت، والأكيد أن لك علاقات متميزة مع الجاليات التونسية عبر البلدان التي عشت وتعيش فيها، بحيث استشفيت موقف مواطنينا بالخارج، إن في الثورة أو بخصوص العمل من أجل بناء تونس الجديدة؟
أشعر بخيبة أمل، لأن هناك تغييب يكاد يكون كليا في الاعلام التونسي، في مشاركة واشراك التونسيين بالخارج... علما أن الجالية التونسية تساهم بعمق في النهضة الاقتصادية في تحويل العملة الصعبة الى تونس، وهناك اطارات كفأة في أوروبا وقع تغييبها عن الساحة الاعلامية وإلى اليوم مازال الأمر متواصلا.
وأرجو أن لا يُفهم هذا من عدم اشراكي شخصيا، لأنني فضلت أن أبقى مراقبا وملاحظا، وخاصة أنني موظف سام بالأمم المتحدة... ولكن ما أريد أن أبلغه أن هناك طاقات تونسية بالخارج، يمكن من خلال اشراكها في هذا الحراك السياسي والاعلامي والثقافي والتنموي للثورة، يمكن أن تفيد وتجعل من ثورة تونس ثورة الشعب بأكمله...
عندما أعلن قائد السبسي عن تشكيل حكومته، اتصلت بي تلفزة «فرانس 24»، في العاشرة ليلا مباشرة لتعرف رأيي في هذا التغيير والتحدّيات التي تواجه تونس...
ومع الأسف، نجد عناية بآرائنا كتونسيين بالخارج من قبل الأجانب (قنوات إذاعية وتلفزية وصحافة مكتوبة) ولا نجد نفس الاهتمام من إعلامنا الوطني.
كيف كنت تتعامل مع تونس الوطن، وتونس النظام قبل ثورة 14 جانفي، ككفاءة أممية دولية؟
في بداية الثمانينات انتدبت من الأمم المتحدة وتحديدا «اليونسكو» كمنسق عام للمشاريع التنموية للشرق الأوسط، مع الاقامة بدمشق... ثم بعد مدة وقعت نقلتي الى باريس وبين قوسين: كان دخولي الى الأمم المتحدة كان عبر انتداب مباشر بعد مشاركته في ندوات نظمتها الأمم المتحدة... وقد اقترح علي العمل ضمن هيئة الأمم المتحدة، كمنسق اقليمي لمنطقة الشرق الأوسط.
إلتحقت بباريس بعد دمشق، حيث أشرفت على قسم الدول العربية، في مجال الثقافة والاتصال مع التركيز على دراسة المشاريع الاعلامية...
وأذكر أنه وفي هذا المجال كان لي تعاون اعلامي حيث وقع تمويل «وكالة تونس افريقيا للأنباء» بتمويل من قبل الأمم المتحدة والدول المانحة أذكر منها فرنسا وألمانيا، وهو مشروع ضخم.
وقد أدخلت ولأول مرة، الاعلامية في وكالة للأنباء تزامن ذلك مع تحولها (TAP) الى منطقة المنار... كان ذلك عهد الزميل الصحفي البشير طوال مديرا عاما... ومما يذكر، أثناء ذلك، أني عملت اشراك الاطارات التونسية في الأمم المتحدة... وكان من ضمنهم الأستاذ الحبيب بولعراس... الذي كان مشرفا ومعدا لمشاريع تهم وكالات الأنباء العربية مثل عمان واليمن...
بعد ذلك طلب مني ان أعد مشروع مكتب اقليمي لدول المغرب العربي، فقد أشرفت على هذا المشروع، ونظرا للعلاقة التي تربطني بإخواني بالمغرب العربي، فقد بقيت بالمغرب الأقصى ما يزيد عن الست سنوات...
كيف ترى آفاق الثورة التونسية من منظار مختص في علم الاجتماع الاعلامي؟
هناك بعض الثوابت تتصدر الثورات التي مرت عبر التاريخ، وتتمثل في قيام وتكاد تكون بصفة آلية ثورات مضادة تسعى الى التآمر على قلب النظام الذي انقلب عليهم واستعمال شتى الطرق بما في ذلك العنف بشتى انواعه وهو ما تتعرض له ثورتنا المباركة فالسعي متواصل الى قلب وعرقلة المسار الثوري وتقزيمه بل وتشويهه وذلك بفتح فضاءات للفوضى والعنف والاستهتار بالقيم وهو ما نلاحظه اليوم في ربوع وطننا العزيز ولابد من مجابهة ذلك بالحزم والردع بل والالتجاء الى العقاب الشديد حتى لا تأكل الثورة أطفالها، ولنا أسوة في الثورة الفرنسية التي زرعت الرعب والموت وقطعت الرؤوس ثم انتهت بقطع رؤوس القاطعين.،.. ونحن لا نتمنى أن تصل ثورتنا الى هذا الحد.... لكن لابد أيضا من صيانة هذه الثورة، صيانتها من الالتفاف عليها من قبل الانتهازيين، وأعداء الحرية والديمقراطية وفي اعتقادنا أن موعد 24 جويلية هو المحدد لنوعية آفاق ثورة شبابنا الواعي: فهل سيتحقق انتصار المسار الديمقراطي الجذري؟ أم سيتحقق «انتصار» لأنماط الردة من فكر رجعي، وسلفي همه أن يتحفز للوثوب والاستيلاء على ثورة الأحرار؟
لكن الاطاحة بالدكتاتورية الراديكالية فهو تأسيس لإمكانيات فعلية لتجزئة الثورة وهو مكسب لتاريخ تونسنا الحبيبة... ونحن نعتقد أن آفاق كل ثورة رهينة بمدى جدلية الالتفاف عليها... كما أنه لا يجب ان نسقط في فكر «ميتا فيزيقي» يؤمن بالنجاح الكامل للثورات أو المطالبة بذلك بما ينحرف بنا نحو العنف ذلك انه في العلوم الانسانية لا يمكن المقارنة بين النماذج السلوكية ولا التوقع لأن التوقع في هذه العلوم هو الكشف عن الخصوصيات والفهم لا التوقع المستقبلي... وما نأمل من السلطة الحاكمة الا ان يكون ديدنها مستقبل تونس في ظل هذه الثورة المباركة وأن يتحلوا بالموضوعية والاخلاص لتونس بعيدا عن الحسابات الضيقة والمسك بزمام الأمور بحزم وجد وصرامة في الحق دون بطء وتلكؤ... وبذلك تحقق ثورة شبابنا أهدافها في شموخ وعزة... وبالتالي نستطيع ان نقول باعتزاز وفخر ان القرن الواحد والعشرين هو قرن الثورة التونسية بلا منازع، وتليها الثورات العربية الأخرى المباركة... وكما قال شوقي:
وما استعصى على قوم متكل... اذا الاقدام كان لهم ركابا.
الا تعتقد أن الثورة قابلة للإلتفاف عليها أو قد يقع الإلتفاف عليها عبر وسائل الاعلام؟ وعبر المؤسسات الموجودة؟
أولا انه لمن الانصاف ان نقول ان ملامح الالتفاف قائمة الذات، وان هناك اياد خفية تسعى جاهدة وبطرق ملتوية لاحتواء هذه الثورة المباركة والالتفاف عليها وما نراه اليوم من طفرة اعلامية كبيرة يشوبها الغث والسمين الا سعيا حثيثا للإلتفاف على عقلية الثورة لدى الشباب والمواطنين الطيبين بزرع بذور عقلية المطلبية المستعجلة الآنية... وبالتالي انفجرت المطالب الاجتماعية وانتشرت الانجرافات وساد العنف بشتى أنواعه... وعمت الفوضى، والنهب والسلب... ولعلنا لا نبالغ اذا قلنا ان الالتفاف وارد متربص بثورة شبابنا الفذ... وكذا الأمر ثقافيا، ذلك اننا نلاحظ كمختصين في التحليل الاجتماعي هناك تغييب لأي برامج تكرس روح الثورة وتهيئ لنجاحاتها؟! وبالتالي نستطيع القول بأن الشباب قد عاد الى سلوكات يومية تكشف اضطرابا نفسيا يعبر سؤال مهيمن على البعض: هل حقا هذه ثورة؟ وجواب «عمومي خطير جدا» تونسنا العزيزة في اتجاه حائط سميك لا قدر الله ؟!
ثانيا: حول خلفية الاحزاب نلاحظ «ايديولوجيا» أن الفكر السلفي يوظف للإلتفاف على الثورة بما هي ثورة وطنية وديمقراطية.
أما ضمن الاطار السياسي للدولة الحالية، فإننا نزعم أنه ليست الى حد الآن هناك جدية حازمة في طرح الملفات الأمنية والقضائية... فهناك طرح «رخو» بطيء، تتخلله فجوات وأخطاء لا تنم عن حرفية متطورة... واذا ما قام التفاف على العمق الوطني للثورة، من ناحية أخرى، لصالح ديمقراطية بورجوازية غربية تقوم فقط على فكر شمولي «ميتا فيزيقي»...
«une pensée totalitaire metaphysique» بمعنى الحقوق والحريات فإن الثورة تصبح فقط فعلا أنجز «un acte realisé» لا مسارا تحرريا... وبالتالي تعود الروح المطلبية وتقتل النفس الثوري الأصيل...
واذا ما نظرنا الى المنحى الثقافي فإننا نلاحظ بأسف شديد غياب البرامج في المؤسسات التربوية وفي ذلك خطر كبير باعتبار أن جل ناشئتنا في ريعان الشباب... هذا علاوة على ما نلاحظه من خمود للمعنى الثوري وذلك ليحل محله الفكر التشكيكي المحبط وحتى لا يقع الالتفاف على الثورة المباركة نهيب بالحكومة الحالية بأن تسعى وبطرق حثيثة الى تفعيل استراتيجية الثورة، وأن لا تقف عند المطلبية الفورية وأن تفتح بسرعة وتبصر وحنكة وحرفية الملفات وأن تحاسب من أخطأ وتعاقب من أجرم... وان تخلص القضاء من ارباكاته وحثه على سرعة الانجاز حتى يلتف على الثورة، ويسجل التاريخ صفحات ناصعة لثورة تونسنا العزيزة هذا الوطن الصغير في حجمه الجغرافي والكبير الكبير في عمق دلالاته وبعد نظره...
بوصفك تعمل بالأمم المتحدة اطارا ساميا بها كيف ترى أو تقيم التدخلات الاجنبية في مسار الثورة بتونس ومصر وبقية الدول العربية؟
في اعتقادنا ان الغرب اليوم يتصرف بحذر شديد نحونا ذلك انه لم يكن في حسبانه ان تقوم تونس ومصر وبقية الدول العربية الأخرى بمثل هذه الثورات المباركة، فالغرب يعتقد أن الشعوب العربية ميتة الاحساس تجاه ساستها وانما لا تحرك ساكنا وغير واعية، لكن هذه الثورات هزت كيانه وقلبت موازينه فسارع الى التكفير عن ذنوبه ووقوفه مع الدكتاتوريات العربية... وسارع الى كسب ود أوطاننا... لكن ليس هذا سواد عيوننا فقط وانما لمصالحه والمحافظة عليها، فهناك تعاون متين وتاريخي بيننا وبينه، واذا ما فرط فيه فسوف يأتي غيره ويأخذ مكانه وبالتالي فهم «يناورون» ويستعملون سياسة المد والجزر ان لم نقل سياسة الجزرة والغضب... وتبقى مصالحهم هي الأساس والعمود الفقري لكل تعاون واذا ما أردنا ان نعتمد على أنفسنا فما علينا الا أن نعمل ونعمل بجد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتنمويا، وأن نشمر عن ساعد الجد حتى نحقق في كل المجالات اكتفاءنا ونقول لهذه الدول المتربصة بنا بعنوان التعاون.
نحن على اتم الاستعداد لذلك لكن: تعاون الند للند... ولقائل يقول انك تحلم فموازين القوى تختلف بيننا... حقا انها تختلف ولكن هذا لا يمنعنا من السعي بجد الى بناء وطننا بسواعدنا واخلاصنا لبعضنا وقد يطول المسار ولكن من كان يعتقد ان شبابنا سيحقق ثورته...؟!! فبالعزيمة والصدق والاخلاص تبنى الأوطان،... أما التدخلات الاجنبية بعد هذه المرحلة وبعد الانتخابات فسوف تكون بحسب توجهاتنا السياسية، فإذا كانت هناك ديمقراطية «بورجوازية» على النمط الغربي في ظل استقلال سياسي لا غير فإن الغرب سوف يتعاون ويشجع ماديا ومعنويا... وأما اذا ما آلت الثورة الى تحرر وطني فعلي يكفل السيادة والديمقراطية فإن الغرب سوف لن يسكت عنا بل سيحاول المحاربة دون سلاح لأن مصالحه سوف لن تتحقق في ظل هذا التوجه والأمثلة على ذلك كثيرة، فينزويلا وغيرها... بمعنى آخر يجب علينا في أعين الغرب أن لا يكون هناك استقلال سياسي، بل يجب ان يكون هناك تحرر مع ارتباط سياسي... والغرب سوف يبقى الآن يراقبنا بحذر الى ما سيؤول اليه نظامنا وما ستتمخض عنه الثورة والنظام الذي ستختاره وبالتالي يقرر الغرب الطريقة التي سيختارها للتعامل معنا سياسيا واستراتيجيا في ظل هذه العولمة الزاحفة... وبالتالي يجب علينا ان نكون حذرين واذ لا نفرط في ثورتنا... وكما قال عبد الله ابن المقفع في كليلة ودمنة «إن طلب الحاجة أهون من الاحتفاظ بها» ونحن كثورة طلبنا الحرية والديمقراطية، والعدالة... إلخ فلنحتفظ بهذه المقدسات الانسانية وبذلك نكون قد حافظنا على مبادئ ثورة شبابنا ثورة الكرامة والعزة... وما ذلك بعزيز على شعب تونسنا الحبيبة الفخورة بشبابها وبرجالاتها ونسائها... وها هو القدر قد استجاب لنا وتحقق النصر المبين.
حوار فاطمة بن عبد الله الكرّاي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.