من عتمة الليل يبزغ النور، ومن دماء الصابرين تينع الورود وعندما اقدمت القوات الامريكية على غزو العراق واحتلاله ثم التنكيل بشعبه. لم تنتظر المقاومة الباسلة طويلا لتعلن مبكرا ان العراق عصي، وان شعبه لا يروم الحياة الا بعزة! ولكن ان تكون عزيزا فذلك معناه في العرف الامريكي انك ارهابي، وان تحب وطنك فذلك معناه انك مارق وان تتشبث بحريتك الحقيقية فذلك معناه انك مطلوب ومطارد. اما في عرف الاذناب والاذيال فكل ذلك يعني انك تبحث عن الانتحار، وتصرّ على ان تواصل دمارك وتفتش عن لعنة تصيبك. لذلك المطلوب من الفلوجة ان تستسلم، وان يعود لها الرشد عبر قبولها بالعار، وان تزيح عنها رداء الكرامة، وان تتعرى امام المغتصبين! على الفلوجة ان لا تسمح لأصوات مآذنها وان لا تنصت لنداء الشرف فيها وان تبيح روحها حتى لا يصلها إيذاء الامريكان، وكأن سرّ الوجود وكنهه ان يظل العربي والمسلم في هذا الزمن يبحث عن وسيلة تقيه شرور من رام احتلاله واغتصب ارضه وعرضه، وكأن كل جهوده في هذا الدهر عليها ان توجّه صباح مساء صوب وضع يقيه سقوط قنبلة على بيته او شظية على جسده، فقط لان المزاج الامريكي الباطش لا يتحمل منا الا استسلاما ولأن العزم الامريكي على ترويضنا لن يجد منّا حولا ولا قوة! وكلما كتبت المقاومة سطرا من نور هرع الاذناب الى محوه بسطر من تضليل وخداع، وكلما زرعت وردة الا وسارعوا لزرع شجرة زقّوم في وجدان الناس وفي عقولهم، وكلما حققت نصرا هو المعجزة عينها هرع سحرة فرعون الزمان الى عيون الناس حتى لا يشاهدوا الا مشهد دم، عوض ان يروا نخوة نصر! وكلما غرّدت المقاومة بصوت الحياة، نعقت الغربان على الحياة، وكلما استخفّت بالموت لكي يحيا الوطن وأناسه حقا ذرفت التماسيح دموعها على جثث هي اول المحرّضين على الفتك بها! في العراق وضع غير طبيعي حقا، حكومة تتباهى بقتل شعبها ففي قتله تعبير منها على فهم للمصلحة الامريكية المعقدة، وشعب لم تدمّره لا الحروب التي تدكّ الجبال، ولا الحصار الذي يفني كل واقع للحياة وكل امل فيها، ولا مجال لأية هدنة بين شعب جبّار، وآلة قتل واحتلال جبارة. لا مجال للالتقاء بين شعب صنع بطشه من صبره ويأسه وشجاعته، وبين آلة صنعت قوتها من سخف قادتها واجرام جنرالاتها وجبن جيوشها! لذلك لا نشك البتة ان المقاومة بين نصر ونصر، وان الاحتلال سوف يتعلم ان الاساطير تصنعها الارادة قبل القوة، والحق قبل المتاريس، وان الفلوجة الذي اشتق اسمها من مرض «الفالج» تنادي صبرا صبرا ان الموعد سيكون مع النصر.