تونس «الشروق» لأن البناء لا يكون مجتمعا وفي لحظة واحدة، انما يأتي البناء لكي يكون شامخا وعليّا لبنة لبنة وعلى قدر من السكينة والمرحلية المدروسة والواعية في آن. هكذا كان بناء وتشييد التعددية في تونس لم تأت من فراغ ولم تسقط اسقاطا انما بنيت مرحلة بمرحلة وانتهى البناء الى ما هو متوفر اليوم من تعددية اعلامية وسياسية يشهد بها القاصي والداني وتشيد بها اكبر المنظمات والجمعيات والمجامع الاقليمية والدولية. ففي البرلمان وهو السلطة التشريعية في البلاد التي تقيم القوانين وتضع الخطط والبرامج وتصادق على الميزانيات (بما فيها ميزانية رئاسة الجمهورية) اصبح لتونس تجربة برلمانية رائدة قوامها عقد من العمل التعددي حيث مكّنت الاصلاحات الدستورية والتعديلات التي اجريت على المجلة الانتخابية احزاب المعارضة من الولوج تحت قبّة البرلمان والتواجد الفعلي على مدار السنوات العشر الاخيرة لتبدي برأيها وتقيّم وتقوّم سياسات الحكومة واختياراتها وتساهم في نحت ملامح المجتمع التونسي المنشود الذي قال عنه الرئىس بن علي فجر السابع من نوفمبر انه جدير بأن يحيا حياة سياسية متطوّرة واستمع الجميع وعبر البرامج التلفزية ومنها النقل المباشر للجلسات البرلمانية العامة المخصصة الى اعضاء الحكومة الى فسيفساء من الآراء من مرجعيات مختلفة ومن قناعات سياسية وايديولوجية متباعدة وتوضّح بفضل الخيار التعددي البرلماني الثراء الفكري والسياسي الذي يكتنزه المجتمع التونسي على اختلاف فئاته وتلويناته. رؤية متكاملة وساهمت الرؤية الاستراتيجية للرئىس بن علي للبناء السياسي التعددي في تواجد سبعة احزاب معارضة تنشط جميعها في سبيل تحقيق مقاربات سياسية من شأنها ان تدفع الحراك التعددي في البلاد نحو مزيد من النضج والنماء ومنحت النصوص القانونية دعما ماليا وادبيا لهذه الاحزاب سواء في نشاطها العادي او نشاطها خلال المواعيد الانتخابية والاستحقاقات السياسية الوطنية وتقوم اجهزة الدولة بمهامها في تمويل احزاب المعارضة بكامل الحيادية وعلى قدر من المساواة تشهد به الاحزاب المعنية نفسها التي لم تكن قادرة على تحمّل اعباء وتكاليف العمل السياسي من مؤتمرات وتنقلات ومطبوعات لولا ذلك الدعم الذي امنه مَقْدَم الرئيس بن علي الى اعلى هرم السلطة. وعلى مستوى العمل الجمعياتي فتح الخيار الاستراتيجي للرئىس بن علي الباب امام كل الراغبين في تكوين منابر للحراك الاجتماعي والعمل الوطني للتجمع في اطر علنية وفاعلة وامتدت عبر النسيج الجمعياتي روح من التآزر والتضامن اهتزّت لها كل جهات البلاد. مشهد اعلامي واعلاميا، تزخر الساحة الاعلامية الوطنية بعشرات العناوين الصحفية التي تطفح بصفحات كاملة للشأن السياسي ولمقالات الرأي التي ينخرط فيها كل القراء على اختلاف آرائهم وانتماءاتهم وتتواجد في الاكشاك التونسية ثلاثة عناوين لصحافة المعارضة منذ فترة طويلة تكتب ما شاء اصحابها من انتقادات وآراء وتحاليل . ولا يحول دون بقية الاحزاب السياسية المعارضة من إصدار صحفها سوى بعض الصعوبات المالية والحزبية حتى تساهم بدورها في تدعيم وتركيز التعددية الاعلامية التي دافع الرئيس بن علي على تواجدها منذ 17 سنة كاملة. وانفتحت نهاية العام الماضي الابواب امام الاعلام السمعي بالترخيص لاول اذاعة خاصة للعمل والتحرّك بعيدا عن كل الضوابط وتنتظر الساحة الاعلامية بشغف كبير انطلاق البث الرسمي لأول قناة تلفزية تونسية خاصة (حنبعل TV) بعد ان شرعت القناة مؤخرا في بثها التجريبي. وفي الحقيقة فإن هذا التعدد الاعلامي والسياسي لم يكن اعتباطيا انما جاء وفق استراتيجية واضحة ومدروسة انطلقت اول خيوطها مع المضامين المتميزة التي وردت في بيان السابع من نوفمبر وامتدت على مدار ال 17 سنة الماضية عبر عدة مواعيد اهمها الاحتفال بالاعياد الوطنية وتخليد ذكرى التغيير بالاضافة الى مؤتمرات التجمع الدستوري الديمقراطي التي بقيت على الدوام منبرا للتأكيد على الخيار الديمقراطي التعددي ودعا الرئىس بن علي رئىس التجمع في مؤتمر الطموح الاخير القواعد ومناضلي التجمع الى مزيد رعاية المشروع التعددي وحمايته ومزيد حماية البعد الديمقراطي حتى داخل التجمع نفسه على اعتبار القناعة الراسخة لدى رجل التحوّل بأن فاقد الشيء لا يمكن ان يعطيه وبأن الحياة الحزبية للحزب الحاكم يجب ان تكون صورة يقتدى بها ونموذجا يحتذى به في الحياة السياسية في البلاد وهو ما ترصخ عمليا من خلال الاستشارات القاعدية ولجان التفكير والانتخابات الشفافة التي اصبح يحيا التجمع على وقعها بفضل رئيسه، رئىس كل التونسيين. ودعا الرئيس بن علي في خطابه الاخير بمناسبة ذكرى 7 نوفمبر 1987 احزاب المعارضة والنسيج الجمعياتي الى مزيد العمل والاضطلاع بالمسؤولية الكاملة في تكريس نهائي للتعددية في المشهد الوطني والاستعداد كما يجب للمرحلة القادمة الواعدة التي تحمل يافطة مهمة هي: جمهورية الغد والتي تأسست لها بعد عدة خيارات عنها اهمية الخيار التعددي والديمقراطي الذي اكتمل بناء جميع لبناته واستوفى كامل شروطه ليكون ارضية صالحة للتحرّك والعمل والانجاز الوطني الواعد.