بعد 14 جانفي امتلأت واجهات المكتبات خاصة تلك الشهيرة منها بعناوين كتب تحوم مواضيعها حول موضوع واحد وإن اختلفت بالطبع في أسلوبها وفي طريقة تناولها للثورة أو لما قبلها. وبطبيعة الحال فإن هذه الكتب ما كان لها أن تطبع أو توزّع ثم تقرأ لولا تلك الثورة التي حطّمت بالكامل نظام حكم قديم ما كان لينتقد أو يجرأ أحد على نشر كتاب يهاجمه بالتلميح أم بالتصريح، لكن الغريب في أمر هذه الكتب هو صدورها في مدة وجيزة بعد الثورة فاتهمها البعض بأنها «طبخت» على عجلة ونشرت دون تروّ أو تأمّل عميق وهو ما يدعو للسؤال حول إضافتها سواء في مستوى الأسلوب أو في مستوى المحتوى. لذلك يقول البعض أيضا بأن الكتب المعنية لا تتعدّى كونها فرصة للانتقام من عصر أو للتشفّي من نظام، فهي كلها عبارة عن صرخات كتبت قبل 14 جانفي وانطلقت تلقائية ولأنها كذلك فإننا نجد لها عذرا إذا ما غضضنا الطرف عن جمالية لغتها وتقنيات أسلوبها. عدد عناوين هذه الكتب يتجاوز الثلاثين بل هي بالضبط مقسّمة الى 9 كتب ناطقة بالعربية و23 كتابا ناطقة بالفرنسية ومن هذه العناوين «برج الرومي» و«سقوط الطاغية» و«من شعب حائر الى شعب ثائر» و«تونس الهجمة» و«إرحل، إرحل، إرحل، قالوا إرحل».. وغيرها أتت كلها في وقت تحرّرت فيه الكتابات وانعتقت فيها الأقلام واتسعت رقعة الحريات وتفجّرت القرائح والمكبوتات إنه اندلاع ثورة الكتابة بعد تأجّج ثورة الحرية والكرامة. حول هذه العناوين تحدثت «الشروق» الى بعض من ألّفوها. توفيق بن بريك: التهافت على الكتابة استسهال لها « تونس الهجمة» هو تصور لما سيحصل بعد الثورة، تونس هجمت على النظام وعلى الدولة والمدن الداخلية ثارت على الساحل فترجمتها في «تونس الهجمة» هكذا يقول توفيق بن بريك عن كتابه الذي احتوى قصائد وخواطر وتنبأ فيه في إحدى قصائده بقيام ثورة تونسية تضع عهدا جديدا وهو يقول في أحد مقاطعها «الدم الملقى في الشارع الرئيسي. والجبل والريف...تحتسيه فوهة البديع....جانفي ينجب جانفي... ومنه نتسلح بلا دين أيها البديع هبنا يوما جديدا... وهو يقول ل«الشروق»:« هذا الكتاب لم يكن ثمرة حرية لأن الكتابة لها دخل في الحرية أترك لكم الحرية مادام لديّ التعبير ودون تعبير ليس هناك حرية بل فناء...وهو ما نعيشه اليوم ذهب بن علي لكن نظامه بقي قائما...هل افتككنا الإعلام؟ لا...هل افتككنا سلطة السلاح؟ لا...، هل افتككنا الإدارة؟ طبعا لا... أين الحرية إذن ؟! هذه الأمور مفزعة ومظلمة منذ قرابة الشهرين لم أستطع الكتابة وليس بإستطاعي أن أمسك بالوقائع أخاف أن أكتب فأغالط القارئ هناك الكثير من المعلومات لكن كل واحد يعطيك نصف الحقيقة لأنها تساعده في حين أن النصف الآخر يساعد الآخرين. إن التهافت على الكتابة في هذه الفترة هو استسهال للكتابة لكن لا بدّ من الابتعاد عن التمجيد والسهولة، الكتابة حرفة عارية أكثر يشاهدها هي أرهق من مهنة البحار ومهنة عامل المناجم فالكاتب يبحر كما يبحر البحار ويغوص كما يغوص عامل المناجم. ناجح الميساوي: الحرية فجّرت قريحة الكتابة «Dégage, Dégage, Dégage ils ont dit dégage» كتاب جديد سوف يصدر في الأيام القليلة القادمة في حوالي 200 صفحة ل ناجح الميساوي وأسامة الخلفاوي عن دار «سيفرا بار» الفرنسية للنشر. يقول ناجح الميساوي: هو العمل الأول لي في المجال الروائي، لكن ليس الأول في الكتابة بصفة عامة لأني متعود على الكتابة العلمية وهذه التجربة حفزتني على مزيد تغذية هذا التوجه وربما هناك عناوين جديدة في المستقبل. الفكرة انطلقت بعد 14 جانفي وبالتحديد في نهاية شهر جانفي باقتراح من الناشر الفرنسي جوليان باشور «Julien Pescheur» وباعتبار أن المادة متوفرة وحركة النشر في تونس تحرّرت. في هذه الفترة لم أجد من مانع يحول دون كتابتي للثورة التونسية التي انطلقت بعفوية لكنها كشفت عن خفايا كنت وكان الجميع يجهلها، لذلك أردنا أن يكون هذا الكتاب توثيقا لما حصل في عهد بن علي من ناحية وما جدّ في الثورة من ناحية أخرى. فالكتاب احتوى على أجزاء قبل وبعد 17 ديسمبر، فترة حكم الرئيس السابق والتضييق على الحريات الى جانب قائمة في أسماء الشهداء والجهات التي ينتمون إليها وشهادات حية من بعض الولايات (تالة المكناسي سيدي بوزيد...) من خلال زيارات ميدانية الى هذه المناطق مع مجموعة من الصور التي نشرت حول الثورة. وما يميز هذا الكتاب أنه تطرق في جزئه الأخير الى الجانب الاعلامي قبل وبعد الثورة خاصة أن الفترة التي عقبت الثورة حررت الاعلام من الرقابة مواكبة للثورة التونسية وبعيدا عن القيود ونظام الصنصرة. الكتاب سوف يصدر في فرنساوتونس والمغرب العربي وسيترجم الى اللغة العربية بعد صدور الطبعة الفرنسية. سمير ساسي: تعطش الى الكتابة الحرّة «برج الرومي» : كتب داخل السجن ونشر في لندن سنة 2003 تحت عنوان البرزخ (المرحلة بين الحياة والموت) باللغة العربية ولما وجدت الفرصة بعد الثورة أعدت صياغة العنوان وأصدرته في نسخة جديدة، هذه الرواية كتبتها على امتداد 10 سنوات سجن يتضمن الجزء الاول منها فترة التعذيب في سجون الداخلية ثم حوارا افتراضيا بين بطل الرواية وأمه. هذه الرواية التي منعت سابقا في تونس خرجت بعد ثورة 14 جانفي الى النور وسجلت حضورها بقوة لأنها تروي حقائق داخل السجون التونسية، مساحة الحرية التي تمتعنا بها بعد سقوط الطاغية جعلتني أعيد تسمية الرواية ب«برج الرومي» هذا السجن الذي قضيت فيه 3 سنوات من التعذيب والظلم والقهر. في ذلك الوقت كنت أهرب الى الكتابة وما ألذّها كتابة داخل السجون وهذه الفترة اي بعد ثورة 14 جانفي تحررت الأقلام من كل القيود وأطلقت العنان للكتابة وبالرغم من الفترة القصيرة التي ظهرت فيها هذه العناوين إلا أن مساحة الحرية والتعطش الى الكتابة الحرة من الحوافز الكبرى والدافعة للكتابة رغم ضيق الوقت. والنتيجة عشرات العناوين ظهرت بعد 14 جانفي الى اليوم. ناصر عبد السلام: هناك بعض الإنتهازية الفكرة انطلقت عندما كنت في رحلة عبر الطائرة ولاحظت الفراغ التنموي والسكاني في المناطق الداخلية مقارنة بالسواحل فقررت الكتابة كان ذلك سنة 1998 لكن لم يقع إصدار الكتاب حيث اتهمه البعض بالأدب التحريضي لخلفيات مقينة. وفي الآونة الأخيرة تحليت ببعض الشجاعة وبدأت الطباعة قبل بداية الأحداث في تونس بأيام قليلة «الشعب الحائر» هو حيرة التونسي بين الواقع الذي يقتضي النسبية وبين المطلق والهروب من تحمل المسؤولية. هذا العمل إبداعي يتحدث عن التوازن الجهوي بعيدا عن الانتهازية التي ظهرت في الكتابات الأخيرة...أنا ضد الإقصاء ومع العدل الجهوي ومثلما يغيرون التاريخ يغيرون الجغرافيا.