٭ تونس «الشروق» كريم مقديش هو سجين منذ 13 سنة حصل أمس على شهادة ختم الدروس الجامعية في اختصاص الاقتصاد والتصرف بالسجن المدني بالمرناقية بدرجة جيد جدا بعد أن رأت لجنة المناقشة منحه 18 من 20. هذا السجين الذي كسر قيود السجن وتجاوز حدود القضبان بفضل عزيمته القوية من جهة وبفضل ما توفر له من ظروف ملائمة داخل السجن من جهة أخرى كان محل متابعة من قبل «الشروق» حيث كتبت عنه منذ سنتين مقالا تحت عنوان «بعد الامتياز في الباكالوريا سجين يرتقي إلى السنة الثانية لنيل الاجازة التطبيقية في المحاسبة». وشاءت الأقدار أن تواكب صباح أمس مناقشة مشروع ختم الدروس التي تمت داخل السجن بحضور مدير عام السجون ومجموعة من الأساتذة المشرفين على البحث وبعض أفراد عائلته وبعض المساجين الذين يدرسون بدورهم داخل السجن ومحاميته الأستاذة راضية النصراوي. والتفاصيل في «الريبورتاج» التالي: لم يكن يوما عاديا بالنسبة لكريم الذي كان يقف وراء الطاولة وعلامات الاضطراب أو ما يعرف «بالتراك» بادية عليه وسرعان ما تلاشى كل شيء بمجرد الانطلاق في تقديم مشروع البحث، الذي أعده داخل السجن. عرض جيد انطلق في عرض بحثه الذي تعلّق بإعداد جمعية داخل السجن تعنى باستغلال البلاستيك أطلق عليها اسم Ecoplastico جمعت بين الاقتصاد والحفاظ على البيئة واستغلال النفايات. استعرض تفاصيل البحث بطريقة شدت اليه جمع الحضور الذين صفّقوا بحرارة شديدة عند انتهائه منها. وأطلقت خالته الزغاريد واحتصنه كل الحاضرين من أفراد عائلته بحرارة كبيرة فاختلطت دموع فرحته بالنجاح والتفوق بدموع فرحتهم ودموع فرحة بقية الحاضرين ومنهم السيد نورالدين الشعباني مدير عام السجون والاصلاح. وفي تصريحه ل«الشروق» أفاد كريم مقديش ان الهدف من وضع الناس هو الاصلاح والسجين بدوره يمكنه ان يقدّم أشياء للسجن في هذا الاطار ومن هنا جاءت فكرة البحث حيث حاولت افهام السجين بأنه يمكنه المشاركة في استغلال النفايات وتحويلها الى أشياء تنفع. وقال: «هذا المشروع يمكن تطبيقه في كل السجون». وأكد ان السجناء يشتكون دائما من انعدام آفاق التشغيل بسبب البطاقة عدد 3. رحلة الدراسة كريم دخل السجن بتهمة قتل شاب آخر حيث نشب بينهما شجار أدى الى ممارسة العنف الجسدي ولم تكن في نية السجين القتل حسب قوله. مضيفا انه دفع القتيل فسقط أرضا وتوفي فكانت الصدمة شديدة عليه مثلما كانت شديدة على الجميع. دفعت الكثير ثمن خطأ غير مقصود وقررت ان أواصل الدراسة داخل السجن سيما وأني كنت من الأوائل حيث درست ب«ليون» بفرنسا. وواصل حديثه : اجتزت الباكالوريا الفرنسية وحصلت على أفضل معدل سنة 2008 (16.95) وتم حينها تكريم من هو أدنى مني لأنه يتمتع بالحرية. وأضاف في نفس السياق: أشكر عائلتي التي ساعدتني كثيرا على الدراسة بشراء الكتب وكل مستلزمات الدراسة. وختم برجاء الهياكل المعنية تمكينه من السراح الشرطي والعفو عن استكمال الثلاث سنوات المتبقية داخل السجن واطلاق سراحه ليعود الى فرنسا حيث يقيم سابقا وله الجنسية الفرنسية التي تخوّل له العمل هناك والعودة الى الحياة الطبيعية. احتفال وقفت لجنة التحكيم عند الايجابيات العديدة للبحث واتفقت على إسناد 18 من 20. وقال الاستاذ المؤطر كمال الديماسي (خبير محاسب) إنه لما تمت دعوته لتأطير الطالب السجين كريم قديش شعر بنوع من التردد والخوف لأنه لأول مرة يلتقي سجينا ولكن لما تعرّف اليه شعر أنه أمام طالب غير عادي من حيث رفعة الاخلاق وسرعة البديهة واختزان عديد القدرات المعرفية التي لا تتوفر لدى طلبته الذين يراهم يوميا بالجامعة. واعتبر ان 18 من 20 هو العدد الذي يمكن اسناده للبحث بغض النظر عن الشخص الذي قام به. وختم بأنه لو تم السماح له بالخروج فسوف أمكّنه من العمل معي مباشرة. وذكر الاستاذ نسيم خروف رئيس اللجنة ان البحث الذي قام به كريم يمكن تعميمه على جميع السجون نظرا لأهميته الاقتصادية والبيئية. وأضاف ان البحث لم يبرز فقط أهمية الاقتصاد في الكلفة بل كذلك في توفير مواطن شغل جديدة. المحامية كانت الاستاذة راضية النصراوي حاضرة أمس باعتبارها محاميته وشاركت موكلها فرحة النجاح والتفوق وقالت: «القضاء لم يكن عادلا معه و20 سنة هو حكم مجحف. ووسط أجواء احتفالية توزعت على هامشها الحلويات والمرطبات والمشروبات تحدثنا الى بعض من أفراد عائلته حيث أفادت خالته فتحية والدموع تملأ عينيها أنها سعيدة جدا لنجاحه وجاءت لتعوضه والدته التي لم تتمكن من المجيئ لأنها مريضة وصعب عليها التنقل من فرنسا حيث تقيم. وقالت: «أتمنى أن يخرج من السجن لتتمكن من رؤيته وتهنئته بهذا النجاح الباهر».