شارك العلامة والمفكر الايراني محسن الأراكي خلال الاسبوع الماضي في مراسم ذكرى رحيل الامام الخميني التي أقيمت بتونس، وقدّم مجموعة من المحاضرات في تظاهرات نظمت بالاشتراك بين المركز الثقافي الايرانيبتونس ومنتدى ابن رشد المغاربي ومنتدى الجاحظ. والدكتور محسن الاراكي من مواليد النجف بالعراق والده من أشهر الفقهاء وأساتذة الحوزة العلمية، تتلمذ على يد الكثير من كبار العلماء منهم محمد الهاشمي الشاهروردي ومحمد باقر الحكيم والسيد البهشتي وغيرهم. في رصيده الكثير من المؤلفات باللغة العربية منها «نظرية الحكم في الاسلام» و«فقه القضاء» و«الأسس النظرية للدولة الاسلامية». ترجمت بعض كتبه الى اللغة الانقليزية منها كتاب «الصحوة الاسلامية المعاصرة». والمفكر محسن الاراكي عضو المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب،وعضو مجمع الفكر الاسلامي والمجلس الاعلى للشوري... «الشروق» التقت عالم الدين والمفكر الاسلامي محسن الاراكي، وكان الحوار التالي... في أي اطار تتنزل هذه الزيارة لتونس؟ هذه الزيارة تأتي في اطار مراسم ذكرى رحيل الامام الخميني، وهي زيارة ثقافية نرجو ان تكون خطوة من خطوات التبادل الثقافي بين ايران الثورة وتونس الثورة لأننا نعتقد أن الثورتين تشتركان في الهموم والامال. تحدثتم في احدى محاضراتكم عن زخم الانتاج الفكري الايراني في شتى مجالات العلوم الانسانية، لكن هذا الانتاج لا يصلنا، كيف تفسّرون ذلك؟ عدم وصول انتاجنا الى الجماهير خارج ايران له أسباب عدّة، بعضها داخلي وبعضها خارجي، في الداخل هناك حاجز اللغة، فأكثر الأعمال المنجزة تتم باللغة الفارسية، وترجمة هذا الانتاج الى اللغة العربية يحتاج الى همة عربية، الانتاج الغزير لا يمكن نقله بجهود فردية او بمجهود مؤسسات محدودة، أما خارجيا فالمؤسسات العربية المختصة في النشر لا تروّج ولا تنشر أعمالنا، وأكثر البلدان الغربية تمنعه من الوصول الى القراء... انتاجنا لم يترجم، وما ترجم منه لم يصل الى القارئ فحصلت القطيعة. المسألة تنسحب أيضا على الفكر الاسلامي عموما الذي تراجع اشعاعه عالميا؟ هو تراجع للهموم العلمية في الأمة الاسلامية الذي يعود لأسباب ذاتية، لقد شعرت الأمة الاسلامية بالنقص بعد الهزيمة في بدايات القرن العشرين، مع انتكاسة الدولة العثمانية التي كانت تمثل القوة الاسلامية العظمى في الغرب، كما تحطمت الامبراطورية الايرانية التي كانت قوة اسلامية في الشرق، أضف الى ذلك استحداث الدولة الصهيونية، واذلال الضمير الاسلامي، كل هذا جعل الامة تشعر بالحقارة، وتمكن الشعور بالعجز والانهيار من الضمير الاسلامي والعربي وتولّد عن هذا حالة من التبعية، لكن عندما جاءت الثورة الايرانية أحدثت شعورا بالعزة. اذن الصراع مع الغرب ليس بسبب البرنامج النووي الايراني، بل هو صراع حضاري؟ نعتقد ان الغرب لا يناصب العداء لإيران ولكن للمارد الاسلامي الذي بدأ يحيى من جديد، بدأت تتكون حالة من الشعور بالقدرة والحيوية واستعادة الهوية الاسلامية، هذا يخيف القوى المهيمنة، لو استطاعت الامة ان تفعّل طاقاتها البشرية والعلمية والمالية لتخلصت من الهيمنة الغربية، لذلك تعمل هذه القوى الغربية جاهدة لضرب الثورة حتى لا يقوم ضمير الانسان الاسلامي بدوره الفعّال. وهل نحن قادرون على الفعل؟ نحن قادرون على ان نبني أنفسنا بناء قويا، وقادرون على ان نؤثر من جديد في الثقافة الكونية، نحن نملك من الفكر والطاقات الفاعلة لو وظفناها وفعّلناها لاستطعنا تقديم الكثير للعالم البشري... باستطاعتنا ان نخلف عالما جديدا لأن الحضارة الاسلامية تقوم على أسس العدل والقيم الفضلي وفهم الانسان الآخر، وهذا لا يروق للقوى المهيمنة على العالم، هم يخشون من فقدان سيطرتهم ونفوذهم. كيف تقرؤون ما حدث ويحدث في بعض البلدان العربية، مثل تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا...؟! هل هي بداية الصحوة؟ نعتقد ذلك هذا الذي يحدث في العالم العربي هو من آثار حياة الأمة الجديدة وهذا يدل على ان الهوية الاسلامية الضائعة قد عادت الى الأمة بحيوية عالية جدا، وما دامت الأمة استعادت هويتها فلن تقف عن النضال حتى تحقق غايتها المنشودة في بناء حضارة اسلامية على أساس قيم القرآن الكريم والسنّة المجيدة. لكن ثمة دعوات ملحة لفصل الدين عن الدولة؟ نحن نعتقد انه لا يمكن فصل الدين عن الدولة الا اذا شوّه الدين وانحرفت الدولة وضلت طريقها، فإذا كانت الدولة دولة بمعناها الصحيح، واذا كان الدين دينا بمعناه الذي جاء به القرآن الكريم والمتمثل في قوله تعالى: {قل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم}... مهمة الاسلام إقامة العدل في المجتمع البشري، وهذه هي الدولة العادلة، ونحن نرى ان كل الويلات والمصاعب والمحن التي مرت على أمتنا الاسلامية في هذه العقود الاخيرة انما نشأت من فصل الدين عن الدولة والسياسة، فالحكومات الدكتاتورية انما قامت على أساس إبعاد الدين الصحيح عن الدولة السليمة، والدولة التي تتبنى العدل لا يمكن ان تقوم الا على أساس من أحكام الاسلام وشريعته شرط ان لا تمسسها يد التحريف. حاوره: المنصف بن عمرتونس الشروق : شارك العلامة والمفكر الايراني محسن الأراكي خلال الاسبوع الماضي في مراسم ذكرى رحيل الامام الخميني التي أقيمت بتونس، وقدّم مجموعة من المحاضرات في تظاهرات نظمت بالاشتراك بين المركز الثقافي الايرانيبتونس ومنتدى ابن رشد المغاربي ومنتدى الجاحظ. والدكتور محسن الاراكي من مواليد النجف بالعراق والده من أشهر الفقهاء وأساتذة الحوزة العلمية، تتلمذ على يد الكثير من كبار العلماء منهم محمد الهاشمي الشاهروردي ومحمد باقر الحكيم والسيد البهشتي وغيرهم. في رصيده الكثير من المؤلفات باللغة العربية منها «نظرية الحكم في الاسلام» و«فقه القضاء» و«الأسس النظرية للدولة الاسلامية». ترجمت بعض كتبه الى اللغة الانقليزية منها كتاب «الصحوة الاسلامية المعاصرة». والمفكر محسن الاراكي عضو المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب،وعضو مجمع الفكر الاسلامي والمجلس الاعلى للشوري... «الشروق» التقت عالم الدين والمفكر الاسلامي محسن الاراكي، وكان الحوار التالي... في أي اطار تتنزل هذه الزيارة لتونس؟ هذه الزيارة تأتي في اطار مراسم ذكرى رحيل الامام الخميني، وهي زيارة ثقافية نرجو ان تكون خطوة من خطوات التبادل الثقافي بين ايران الثورة وتونس الثورة لأننا نعتقد أن الثورتين تشتركان في الهموم والامال. تحدثتم في احدى محاضراتكم عن زخم الانتاج الفكري الايراني في شتى مجالات العلوم الانسانية، لكن هذا الانتاج لا يصلنا، كيف تفسّرون ذلك؟ عدم وصول انتاجنا الى الجماهير خارج ايران له أسباب عدّة، بعضها داخلي وبعضها خارجي، في الداخل هناك حاجز اللغة، فأكثر الأعمال المنجزة تتم باللغة الفارسية، وترجمة هذا الانتاج الى اللغة العربية يحتاج الى همة عربية، الانتاج الغزير لا يمكن نقله بجهود فردية او بمجهود مؤسسات محدودة، أما خارجيا فالمؤسسات العربية المختصة في النشر لا تروّج ولا تنشر أعمالنا، وأكثر البلدان الغربية تمنعه من الوصول الى القراء... انتاجنا لم يترجم، وما ترجم منه لم يصل الى القارئ فحصلت القطيعة. المسألة تنسحب أيضا على الفكر الاسلامي عموما الذي تراجع اشعاعه عالميا؟ هو تراجع للهموم العلمية في الأمة الاسلامية الذي يعود لأسباب ذاتية، لقد شعرت الأمة الاسلامية بالنقص بعد الهزيمة في بدايات القرن العشرين، مع انتكاسة الدولة العثمانية التي كانت تمثل القوة الاسلامية العظمى في الغرب، كما تحطمت الامبراطورية الايرانية التي كانت قوة اسلامية في الشرق، أضف الى ذلك استحداث الدولة الصهيونية، واذلال الضمير الاسلامي، كل هذا جعل الامة تشعر بالحقارة، وتمكن الشعور بالعجز والانهيار من الضمير الاسلامي والعربي وتولّد عن هذا حالة من التبعية، لكن عندما جاءت الثورة الايرانية أحدثت شعورا بالعزة. اذن الصراع مع الغرب ليس بسبب البرنامج النووي الايراني، بل هو صراع حضاري؟ نعتقد ان الغرب لا يناصب العداء لإيران ولكن للمارد الاسلامي الذي بدأ يحيى من جديد، بدأت تتكون حالة من الشعور بالقدرة والحيوية واستعادة الهوية الاسلامية، هذا يخيف القوى المهيمنة، لو استطاعت الامة ان تفعّل طاقاتها البشرية والعلمية والمالية لتخلصت من الهيمنة الغربية، لذلك تعمل هذه القوى الغربية جاهدة لضرب الثورة حتى لا يقوم ضمير الانسان الاسلامي بدوره الفعّال. وهل نحن قادرون على الفعل؟ نحن قادرون على ان نبني أنفسنا بناء قويا، وقادرون على ان نؤثر من جديد في الثقافة الكونية، نحن نملك من الفكر والطاقات الفاعلة لو وظفناها وفعّلناها لاستطعنا تقديم الكثير للعالم البشري... باستطاعتنا ان نخلف عالما جديدا لأن الحضارة الاسلامية تقوم على أسس العدل والقيم الفضلي وفهم الانسان الآخر، وهذا لا يروق للقوى المهيمنة على العالم، هم يخشون من فقدان سيطرتهم ونفوذهم. كيف تقرؤون ما حدث ويحدث في بعض البلدان العربية، مثل تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا...؟! هل هي بداية الصحوة؟ نعتقد ذلك هذا الذي يحدث في العالم العربي هو من آثار حياة الأمة الجديدة وهذا يدل على ان الهوية الاسلامية الضائعة قد عادت الى الأمة بحيوية عالية جدا، وما دامت الأمة استعادت هويتها فلن تقف عن النضال حتى تحقق غايتها المنشودة في بناء حضارة اسلامية على أساس قيم القرآن الكريم والسنّة المجيدة. لكن ثمة دعوات ملحة لفصل الدين عن الدولة؟ نحن نعتقد انه لا يمكن فصل الدين عن الدولة الا اذا شوّه الدين وانحرفت الدولة وضلت طريقها، فإذا كانت الدولة دولة بمعناها الصحيح، واذا كان الدين دينا بمعناه الذي جاء به القرآن الكريم والمتمثل في قوله تعالى: {قل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم}... مهمة الاسلام إقامة العدل في المجتمع البشري، وهذه هي الدولة العادلة، ونحن نرى ان كل الويلات والمصاعب والمحن التي مرت على أمتنا الاسلامية في هذه العقود الاخيرة انما نشأت من فصل الدين عن الدولة والسياسة، فالحكومات الدكتاتورية انما قامت على أساس إبعاد الدين الصحيح عن الدولة السليمة، والدولة التي تتبنى العدل لا يمكن ان تقوم الا على أساس من أحكام الاسلام وشريعته شرط ان لا تمسسها يد التحريف.