(المحامي لدى التعقيب) الأستاذ الوليد بن عمارة (المحامي) لقد أثار مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة ردود فعل متباينة بين محترز ومندد بما جاءت به أحكامه من قبل أطراف الهياكل القضائية والشبه قضائية وغيرهم. كما بلغت هذه الردود درجة المس بهيبة قطاع المحاماة وتاريخها العتيد والمناضل فكان لزاما علينا الرد على مثل هذا التجني على المهنة ورجالاتها الذين أسسوا لمهنة حرة ومستقلة عبر التاريخ. إن عراقة مهنة المحاماة وجذورها التاريخية متأصلة في جملة من المبادئ والثوابت التي هي أساسا قيمتي العدل والحرية والتي ساهمت في تكريسها المحاماة داخل كل نظام قانوني واجتماعي للشعوب. ولئن لم تثر مجمل فصول مشروع هذا القانون جدلا خارج قطاع المحاماة باعتبارها مسألة داخلية الا ان موضوع اختصاص المحامي المنصوص عليه صلب الفصل الثاني من المشروع وموضوع حصانة المحامي المنصوص عليه صلب الفصل 47 قد اثارا جدلا واسعا بل وتجاوز الى التنديد والمس بقطاع المحاماة ككل علاوة على الإضرابات. 1 – في ما يتعلق باختصاص المحامي: بالرجوع لمشروع القانون المنظم للمحاماة في فقرته الثالثة من فصله الثاني التي جاء فيها: «كما يختص بتحرير العقود والاتفاقات الناقلة للملكية العقارية دون المساس بما أجازه القانون لعدول الإشهاد و محرري العقود التابعين لإدارة الملكية العقارية» يتضح وأن مشروع القانون يخص ثلاثة أطراف بتحرير العقود وإن صياغة هذا الفصل لا تحصر اختصاص عدل الإشهاد في تحرير العقود صحبة المحامي ومحرري العقود لدى الملكية العقارية و انما تستثني كل اختصاص أسنده القانون لعدل الاشهاد و بالتالي فان كل ما أجازه القانون لعدل الاشهاد يبقى من اختصاصه ولا يمكن المس منه بموجب قانون المحاماة. وبالرغم من وضوح هذه الفقرة فقد استغل البعض من عدول الإشهاد الضجة المثارة عند الإعلان عن مشروع القانون للمساس من مكاسب المحاماة والرغبة في الانقضاض على اختصاص المحامي من ذلك انه لم يكفهم الاعتراض على مشروع القانون الذي لا يمس اختصاصهم البتة بل تجاوزوا إلى طلب إسنادهم اختصاص تحرير عقود الأصل التجاري و التي هي من الاختصاص المطلق للمحامي بموجب القانون عدد 31 لسنة 2003. وقد تجرأ البعض من عدول الاشهاد على مخالفة القانون المذكور و تحرير عقود بيع الأصل التجاري بالرغم من بطلانها بموجب هذا القانون. وفي المقابل فقد اختص عدل الاشهاد بتحرير عقود الهبة بمفرده دون غيره بالرغم مما جاء بأحكام الفصلين 204 من م أ ش من أنه: «لا تصح الهبة إلا بحجة رسمية...» وقد عرف الفصل 442 من م إ ع الحجة الرسمية إذ جاء فيه : «الحجة الرسمية هي التي يتلقاها المأمورون العموميون المنتصبون لذلك قانونا في محل تحريرها». ويتضح من خلال هذين الفصلين أن عدل الاشهاد هو مأمور عمومي مثله مثل غيره ويمكن بالتالي للمحامي تحرير عقود الهبة التي يقع التعريف بامضاؤها لدى مأمور عمومي وعلى إدارة الملكية العقارية ترسيم عقود الهبة المحررة بواسطة المحامين و ذلك تطبيقا لأحكام الفصلين المذكورين مع العلم وأن إدارة الملكية العقارية دأبت على رفض ترسيم عقود الهبة المحررة بواسطة المحامين و قد ساهم المحامون أنفسهم في ترسيخ هذا التمشي غير القانوني المتمثل في تحرير الهبة بواسطة عدول الإشهاد بل وأكثر من ذلك فإنهم يوجهون كل طالب لتحرير عقد هبة لعدول الإشهاد مع ما لهم من الحق في تحرير هذه العقود وطلب ترسيهما بمقتضى الفصلين 204 من م ا ش والفصل 442 من م ا ع. وقد أثار البعض باستعلاء علوية الحجة المحررة بواسطة عدل الإشهاد باعتبارها حجة عادلة على خلاف الحجة المحررة بواسطة المحامي باعتبارها كتب خطي وفي هذا الإطار نذكر بأن الحجة العادلة تكتسب حجيتها بالقانون و ليس لأسباب موضوعية أو ذاتية يتميز فيها عدل الاشهاد بدراية أو ثقافة قانونية تفوق الدراسة التي يتلقاها المحامي. وبمجرد الإعلان عن مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة أصبحنا نستمع ونقرأ بيانات تشكك في شرعية السلطة الانتقالية لا لشيء إلا لأنها سائرة في تشريع هذا القانون وكأن هذه القطاعات تستند إلى الشرعية وفي هذا الإطار صدر بيان الجمعية الوطنية لغرف عدول الاشهاد الذي عبر عن استيائه العميق ولاحظ بأن الحكومة الانتقالية لا تستند إلى أي شرعية, ونحن بدورنا نعبر عن استيائنا من هذا الاستياء ونحمد الله أننا بدأنا نستمع ونقرأ بيانات منددة ومستاءة بعد نصف قرن من الصمت الرهيب. فعلاوة على صدور هذه البيانات نلحظ حملات لجمع مليون توقيع ضد مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة والتي لم يصادق عليها سوى 160 شخصا فقط ومازلنا ننتظر جمع هذا العدد للدعوة الى منع المحامين من تحرير العقود بالرغم من ان المحاماة كانت ولا تزال السد المنيع لدفع اي تجاوز في حق اي مواطن وفي حق عدول الإشهاد أنفسهم. وتزامنت هذه الحملات من قبل عدول الإشهاد مع ما أوردته كافة وسائل الإعلام من ضجة كبيرة أثيرت من قبل المحاسبين والخبراء المحاسبين بلغت حد التهجم على المحاماة التونسية ووقع وصفها بالإنتهازية و باستغلال الظروف التي تمر بها البلاد دون أي مبرر والحال ان القانون المنظم لمهنة المحاماة لم يمس لا من قريب ولا من بعيد بأي قطاع كان وبالخصوص قطاع عدول الاشهاد والمحاسبين و الخبراء المحاسبين ذلك انه بالرجوع إلى الفقرة الرابعة وما يليها من الفصل الثاني من مشروع القانون المذكور نلاحظ انه جاء في صيغة الجواز بمعنى انه يجوز لغير المحامي كما يجوز له وليس في ذلك إقصاء لأي طرف بل بالعكس فان صيغة الجواز ليس فيها إسناد لأي اختصاص مطلق للمحامي وتبقى اختصاصات كافة القطاعات مسندة لهم بمقتضى القوانين المنظمة لمهامهم.