هل يمكن تصديق الاسباب التي تذكرها بيانات الغاضبين من أحزابهم، والتي على أساسها اختاروا الترشح في قائمات مستقلة خلال الانتخابات التشريعية القادمة؟ إن هذا السؤال يوضع لأنه يجابه بفرضية اخرى تقول: هل كان هؤلاء سوف يغضبون حقّا لو أن اسماءهم تواجدت في قوائم الاحزاب المذكورة. وهل كانوا سيجدون الشجاعة والجرأة لتقييم واقع أحزابهم بنفس الطريقة التي يقيّمونها من خلال بياناتهم الغاضبة الان. وهي بيانات تحتوي عموما على الافكار التالية: اتهامات للامناء العامين للاحزاب. تأكيدات على أن هذه الاحزاب حادت عمّا بُعثت من اجله. تشريح لواقعها المترهّل والذي لا يسرّ، مع وضع نقاط استفهام حول مستقبلها أي الاحزاب . وتتأتى هذه الاتهامات عموما انطلاقا من غضب حول اختيار ممثلي الاحزاب في القائمات التشريعية، خصوصا رؤساء القائمات، حيث لم يتمّ الاختيار حسب المقاييس المطلوبة، ولم يتمّ الحسم فيه من قبل الاطر المكلّفة به، ولم تتم استشارة القواعد فيه. ذلك ما تحتوي عموما بيانات الغاضبين، وما تؤكّد عليه من تهم، وما تلحّ أنها ترفضه. وبالتأكيد فإن هذه الاسباب وجيهة، وهي في ادنى الحالات دليل على ما يحدث في الاحزاب التي سوف تدخل السباق الانتخابي من خصومات ومعارك قبل موعد لا يحتمل لا الخصومات ولا المعارك، وهي ايضا اشارة مبكّرة لامكانية، استقالات وانسلاخات قادمة سوف تشهدها الاحزاب المعارضة، لتعيد الحديث حولها دائما بشكل لا يختلف عن الحديث الذي يدور حول واقعها منذ سنوات. فهي أحزاب مأزومة، تشقّها الخلافات، غير قادرة على التأسيس لطور آخر في حياتها السياسية! أو هكذا تقول التهمة! أمام هذا الواقع يهمّنا ان نضع سؤالا، يقول هل ان هذه الاحزاب اصبحت تدريجيا احزاب «انتخابات»؟ وليس هذا المصطلح بجديد، فمن المفكرين السياسيين من صنّف الاحزاب، لاحزاب جماهيرية، وأحزاب نخبوية، وأحزاب انتخابية، وصنف رابع تعسر ترجمته حرفيا من الانقليزية: اPartisب Catch all. يبدو أن أمر هذه الاحزاب كذلك، أي انها اصبحت تدريجيا أقرب الى الاحزاب الانتخابية، وليس هذا التشخيص بالتهمة او بالسّبة، مادامت احزابنا لم تبتدع بدعة، وما دامت تتصرف حسب الممكن والمتاح ذاتيا وموضوعيا، وما دامت تحاول ان تظل في المشهد السياسي رغم ازماتها. لكن الذي يهمّنا هو هذا المخاض الذي يحصل فيها، وهذه القائمات التي تتناسل منها ورغما عنها في هذه الفترة بالذات. هل هي تعود الى الاسباب المذكورة في بيانات الغاضبين، أم هي دلالة على معارك حول مواقع قبل استحقاق هام. يبدو أن التوقيت على الاقل، يشير الى صحة الفرضية الثانية بدون ان يلغي بالضرورة الاسباب الواردة في البيانات الاحتجاجية، ولكنهها أسباب كانت تنتظر خلافا ما حتى تبرز ثانية على سطح الاحداث.