بالتقويم الهجري يكون أول رمضان ذكرى ميلاد «عبد الرحمان بن محمد بن خلدون أبو زيد» ولي الدين الحضرمي الإشبيلي المشهور بإبن خلدون مؤسس علم العمران (علم الإجتماع) كما يسميه صاحبه وصاحب المقدمة لتاريخ «إبن خلدون» الذي يقع في أكثر من مجلد والذي دون فيه صاحبه تاريخ البشرية من النشأة الأولى وصولا إلى الزمان الذي كتب فيه. لقد ولد «إبن خلدون»-إذن- يوم الإربعاء غرة رمضان سنة 732 هجري الموافق ل27 ماي 1332 ميلادي بحي «تربة الباي» أحد أحياء مدينة تونس العتيقة وكانت نشأته بمدينة تونس وفيها تخرج من جامع الزيتونة ثم إنتقل إلى مصر حيث تقلد قضاء المالكية ثم إستقال وإنقطع إلى التدريس والتأليف... إبن خلدون مؤسس علم الإجتماع وصاحب كتاب «العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» والمختصر كما أسلفنا بتاريخ «إبن خلدون»...في القاهرة توفي سنة 1401 ميلادي الموافق 26 رمضان سنة 808 عن عمر بلغ 76 عاما وفيها دفن!... وهنا يكتنف الغموض مكان دفنه إذ لا أحد يعلم إلى اليوم أين يوجد قبر هذا العالم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس واعترف الغرب قبل الشرق بأنه مؤسس ما يسمى حديثا بعلم إجتماع وهو آخر عالم موسوعي ونسقي في الحضارة العربية الإسلامية. من الثابت إذن أن وفاته كانت بالقاهرة وتقول بعض كتب المؤرخين أنه دفن في «قرافة» ومقابر «باب النصر» وتبعا لحالة الإهمال الشديدة لضريحه لم يتسن إلى الآن معرفة مكان قبر هذا العلم . وزارة الآثار المصرية تقول في ردها عن سؤال تعلق بهذا الموضوع ما يلي «لا أثر في الوقت الحالي بالشيء المادي الملموس لحوش الصوفية الذي دفن فيه إبن خلدون فوق سطح الأرض ولم يتيسر لنا بالإمكانات المتاحة العثور على شاهد قبر أو ضريح أو مكان محدد بعينه لقبر «إبن خلدون»...فقد مضى زمان إختلفت فيه طبقات الأرض وكثرة مريدي هذه المقابر ما بين زوار وساكنين ومدفونين وسارقين ونابشين للقبور».. وتضيف الوزارة بأنها حددت تقريبا المنطقة التي دفن فيها «إبن خلدون» «وسط جبانة» باب النصر»،شمال قبة «الشيخ يونس»،وجنوب شرق قبة «سيدي نجم الدين...» ولكن الوزارة تعترف بأنها عجزت تقريبا عن العثور على أي دليل يحدد مكان القبر فقد مرت فترة على المقبرة لم يشر إليها أحد.ربما بساطتها فلم تشغل أحدا من الرحالة والمستشرقين ولذلك فيبدو أن الإهتمام بها لم يكن على النحو المرجو حتى أن «السيخاوي» قال أنها كانت مهدمة وحدد قبر الشيخ «برهان» وهو الأوسط وأسفله قبر «المقريزي» و«إبن خلدون». وتذهب أوساط مصرية متخصصة إلى ان المقبرة قد تم هدمها في مرحلة معينة..وقد تكون بمناسبة توسعة شارع «البهاوي» أو غيره. قضية قبر «إبن خلدون» كانت مؤخرا منطلق نقاشات مصرية شملت الصحافة حيث قدم الكاتب المصري «يوسف القعيد» طلبا لرئيس مجلس النواب المصري «د.علي عبد العال» متسائلا عن مكان قبر إبن خلدون الذي لا يعرف مكانه إلى الآن. الذي حوله بدوره إلى رئيس الوزارء ومنه إلى وزارة الآثار وكان ردها كما أسلفنا بأنها عاجزة حاليا عن تحديد مكان القبر وقد نشر «يوسف القعيد» رد الوزارة في عموده الأسبوعي «بالأهرام» بتاريخ 16أفريل 2018. الأمر لا يختلف كثيرا من الجانب التونسي فقد سألنا الباحث التونسي المتخصص في «إبن خلدون» «د.إبراهيم شبوح» الذي أفادنا بأن تونس التي ولد فيها «إبن خلدون» وغادرها مضطرا لا تعلم شيئا عن قبره مؤكدا ان الإهمال واللامبالاة من قبل بلد المولد (تونس) وبلد الوفاة (مصر) هما السببان الأساسيان في إستحالة تحديد موقع القبر. إبن خلدون الذي يرى التونسيون كل صباح تمثاله الأنيق منتصبا شامخا في ساحة الإستقلال بأول شارع الزعيم بورقيبة بالعاصمة التونسية جدير بأن تتولى الدولة التونسية عمليات البحث مع الجهات المصرية ذات العلاقة عن موقع قبره على غرار ما تم مع القائد القرطاجني العظيم «حنبعل» وغيره من رموز التميز الحضاري التونسي.