القلق مرض عضال، وداء أصاب الشيوخ والشباب والأطفال، أسبابه كثيرة، وعلاجه سهل يسير على من يسره الله عليه، فأسبابه تكمن في البعد عن الله والتعلق بغيره وغير ذلك مما هو راجع إليه، وأما علاجه، فالتعلق بالله واللجوء إليه ودوام ذكره جل وعلا، والحفاظ على الصلوات. يوصف عصرنا بأنه عصر القلق، وهناك أسباب متعددة لهذا القلق ولّدتها الحضارة الحديثة، ولا شك أنّ الإحساس بالقلق إحساس قديم رافق الإنسان منذ وجوده على ظهر الأرض، لكن حجمه ازداد في العصر الحاضر، والقلق في أجلى صوره هو الخوف من المستقبل والقادم المجهول، فكيف عالج الإسلام القلق عند الإنسان؟ قال الله تعالى ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد 11) فالعلاج هو في كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ (البقرة 45) فصلاة دواء القلق والكآبة وتبث في النفوس الطمأنينة، فهذا رسول صلى الله عليه وسلم يضرب لنا أروع الأمثلة في ذلك حيث أنّه إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ويقول لبلال أرحنا بالصلاة يا بلال ويقول (وجعلت قرة عيني في الصلاة) فما من مسلم يقوم فيصلي بخشوع وتدبر وحضور قلب والتجاء لله تعالى إلا ذهبت همومه وغمومه أدراج الرياح كأن لم تكن ، فالصلاة على أسمها صلة بين العبد وربه. ولقد أخبرنا الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم بأنّ قراءة القرآن علاج لكل داء. قال عز وجل ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾ (الإسراء 82) فلنقو صلتنا بهذا الكتاب العظيم ولنتدبر آياته ولا نكن ممن يهجره فهو ربيع القلب ونور الصدر وجلاء الأحزان وذهاب الهموم و الغموم. قال تعالى ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد 28) ومن أهمّ الوسائل التي تعين العبد عن الابتعاد عن القلق الدعاء فهو سلاح المؤمن الذي يتعبد لله به فمن كان له عند الله حاجة فليفزع إلى دعاء من بيده ملكوت كل شيء ومجيب دعوة المضطرين وكاشف السوء الذي تكفل بإجابة الداعي. قال تعالى ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(البقرة 186). والذكر أنيس المستوحشين وبه يُطرد الشيطان وتتنزل الرحمات. قال تعالى ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ (طه 124). فعلى المسلم أن يشغل الوقت بالعمل المباح فإن الفراغ مفسدة ويجلب الأفكار الضارة والقلق وغير ذلك. الشيخ عبد الناصر الخنيسي