إذا لم تطرأ طوارئ فإن المسلسل التركي الطويل والممل والذي دخلته البلاد منذ أزيد من الشهرين سوف ينتهي اليوم. وبنهايته يصبح بالإمكان توقع أن ينصرف الجميع الى العمل والكدّ لتدارك ما فات وما أهدر من وقت ومن فرص... والى محاولة سحب البلاد من حافة الهاوية وانقاذها من انهيار مدوّ تكدّست نذره وتراكمت اشاراته الحمراء... ذلك أن الطبقة السياسية عندنا وفي طليعتها الأحزاب وكذلك المنظمات الوطنية المؤتلفة في اطار وثيقة قرطاج 2 قد استهوتها لغة التجاذبات ولعبة شدّ الحبل حتى بدا الأمر وكأن الجماعة يحشدون لمواجهة ضارية فيها غالب ومغلوب وليس للتوافق على حكومة تكلّف بتنفيذ القرارات والتوصيات التي صاغتها لجنة الخبراء... والتي يفترض نظريا أن تفضي في الوقت المتبقي الى الاستحقاق التشريعي والرئاسي القادم الى تحسين كافة المؤشرات الاقتصادية والى معالجة الأزمة وإعادة عجلة الاقتصاد الى الدوران.. علاوة على اطلاق عمليات الاصلاح المرتقبة في الملفات الكبرى من قبيل تخفيض كتلة الاجور في علاقة بعدد الموظفين والتقاعد والصناديق الاجتماعية والمنشآت العمومية وغيرها من المجالات التي أصبح اصلاحها مسألة لا تحتمل التأجيل. والواضح أن طبقتنا السياسية ومنظماتنا المهنية والقطاعية تعاني كلها من خلط وتداخل كبيرين في مقاربة المسائل والاشكاليات والملفات. فالسياسيون يتحرّكون ويعدّلون بوصلتهم على المناصب والكراسي والمنافع. ويلوذون بالمحاصصة وحروب المواقع والتموقع وما سينالهم من كعكة السلطة او ما سيحوزون من مواقع في انتظار الاستحقاقات السياسية القادمة. وهي مسائل ولئن كانت مفهومة في الظروف العادية الا انها تبقى مرفوضة بالطول والعرض في حال البلاد وفي وضع شبيه بوضعها.. وضع تتقاذفها فيه نذر الانهيار ومؤشرات السقوط الشامل ويدعو الجميع نظريا الى نبذ الحسابات السياسية وألوان الأحزاب والتكتل خلف راية الوطن عسانا نفلح في تجاوز هذه العاصفة التي تنذر باقتلاع كل شيء.ليس هذا فقط، بل إن انتهازية الأحزاب وتشتتها ولهثها وزاء المحاصصات شجعت المنظمات على الانخراط في لعبة المواقع سعيا وراء تأمين نصيب لها من كعكة الحكم أو للدفاع عن مصالحها ومصالح منظوريها. وبالنتيجة بدا أن مصالح المنظمات ومنظوريها تمر قبل مصالح البلاد وضرورات الانقاذ السريع الذي لن يتحقق الا بتقديم تنازلات من أجل الوفاق والالتقاء على برنامج الانقاذ وعلى الفريق الذي سيكلف بتولي عملية انجازه.هذا العبث الذي انخرط فيه الجميع والذي أصبح بمثابة الرياضة الوطنية التي نهرع اليها مع كل أزمة تطرح فيها الحاجة الى تغيير الحكومة أضاع على البلاد وعلى الشعب وقتا ثمينا وفرصا أثمن كان بالإمكان استغلالها لإنجاز ما ينفع البلاد والعباد. أما وقد ذهبت الأمور الى المنعرج الذي دخلته فالرجاء أن يقتنع الجميع بداية من اليوم بخطورة الوضع وأن يكفوا عن لعبة التجاذب والمحاصصات الحزبية وأن يدركوا بأن تونس فوق الأحزاب وقبلها وأنها تستحق أن نرصّ الصفوف لأجل انقاذها من انهيار تكدّست نذره في كافة المجالات.