فيديو مؤلم: " عون نظافة يتعرض للضرب المبرح من قبل منحرفين"    الفرنسي عثمان ديمبيلي يتوج بالكرة الذهبية 2025    زاده الشيب جمالاً... تيم حسن يلفت الأنظار بوسامته    نابل.. .أنجزت أكثر من 7400 عملية تلقيح للكلاب والقطط.. فرق بيطرية تجوب المعتمديات    أزمة حادة في سيدي بوزيد والمدرب يرمي المنديل    بطولة الرابطة المحترفة الاولى: برنامج مباريات الجولة الثامنة    ميناء رادس: إحباط تهريب أكثر من 10 ملايين قرص مخدر    أمس في عملية استخباراتية ثانية بميناء رادس .. حجز ملايين أقراص من «حبوب الهلوسة»    الدكتور أشرف عكة الخبير في العلاقات الدولية ل«الشروق»...الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة تاريخية    في دورة كانت ضيف شرفها: تونس تحصد جائزتين في مهرجان بغداد السينمائي    الإعلامي محمد الكيلاني في أمسية أدبيّة بسوسة...غادرت التلفزة واتجهت إلى الكتابة لغياب التحفيز والإنتاج    تحسين الخدمات الادارية    "أكسيوس": ترامب يعرض على القادة العرب والمسلمين رؤية واشنطن لإنهاء حرب غزة    زياد غرسة يضيء سهرة افتتاح مهرجان المالوف الدولي بقسنطينة    المقاومة لترامب.. وقف اطلاق النار لشهرين مقابل نصف الرهائن    عاجل/ فتح تحقيق في حادث هبوط طائرة "nouvelair" في مطار نيس الفرنسي    إنتبه لها.. 10 علامات مُبكّرة للزهايمر    عاجل/ أمطار غزيرة ورعدية تتجّه نحو تونس الكبرى وهذه الولايات..    عاجل/ بيان إسرائيلي بشأن أسطول الصمود    يا توانسة ردّوا بالكم: مواد غذائية فاسدة محجوزة في برشا ولايات!    مشاركة تونسية مكثفة في مهرجان بوسان الدولي للفن البيئي    الحلبة: فوائد كبيرة.. لكن هذه الأضرار لا تتوقعها!    عاجل: الاتحاد المنستيري يعلن عن تركيبة جديدة للهيئة المديرة    75 مدينة إيطالية تشهد مظاهرات حاشدة وإضرابا عاما ضد الحرب على غزة    QNB الشريك الداعم للبادل في تونس    منظمة إرشاد المستهلك : ''غلاء اللّحوم والإنترنت يوجّع في جيوب التوانسة''    صيام ربيع الثاني: برشا أجر في 3 أيّام برك...أعرفهم    عاجل: أمطار رعدية مع برد تتقدم للشمال والوسط التونسي    نهاية العلاقة التعاقدية بين الرجاء المغربي ولسعد جردة    دور الثقافة والفضاءات الثقافية تفتح أبوابها لاستقبال الراغبين في المشاركة في مختلف أنشطتها    المطر في تونس: وين كانت أكثر الكميّات حسب المدن؟    خطير/صيحة فزع: أكثر من 50% من المؤسسات الصغرى والمتوسطة مهددة بالافلاس والاندثار..    حفل كبير اليوم في باريس... شوفو شكون من العرب في القائمة    جراية التقاعد المبكر للمرأة: شروط، وثائق، وكمية المبلغ... كل شيء لازم تعرفو    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    تونس على موعد مع حدث فلكي غريب بدخول الخريف... الشمس تعانق خط الاستواء..شنيا الحكاية؟!    بداية مبشرة مع أول أيام الخريف: أمطار وصواعق في هذه الدول العربية    كيفاش تعرف السمك ''ميّت'' قبل ما تشريه؟    تحذير طبي جديد يخص حبوب شائعة الاستعمال بين النساء...شنيا؟    علامات خفية لأمراض الكلى...رد بالك منها و ثبت فيها ؟    انطلاق حملات نظافة كبرى في دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية    أحكام بين 10 و20 سنة سجنا في قضية تهريب مخدرات أطيح بأفرادها عبر "درون"    محاولة تهريب أكثر من 500 كغ من المخدرات: الاحتفاظ بموظفة في شركة خاصة وموظف في الديوانة    تنبيه/ احتجاجات وغلق لهذه الطريق..#خبر_عاجل    تواصل ارتفاع أسعار السيارات الشعبية في تونس.. وهذه أحدث الأسعار حسب الماركات..    الدورة الاولى لصالون الابتكارات الفلاحية والتكنولوجيات المائية من 22 الى 25 اكتوبر المقبل بمعرض قابس الدولي    قفصة: تسجيل رجّة أرضية بقوّة 3،2 في الساعات الأولى من صباح الإثنين    5 سنوات سجناً لشيخ حاول اغتصاب طفل بحديقة الباساج    عاجل/بالفيديو: رصد طائرات مسيّرة تحلّق فوق سفن أسطول الصمود..وهذه التفاصيل..    عاجل/ آخر مستجدّات فقدان مهاجرين تونسيّين في عرض البحر منذ أسبوع..    البطولة الفرنسية : موناكو يتفوق على ميتز 5-2    طقس الاثنين: خلايا رعدية وأمطار غزيرة محليا مع تساقط البرد... التفاصيل    من برلين إلى لندن: الطيران الأوروبي في قبضة هجوم سيبراني    أول لقاء علني بعد الخلاف.. تأبين الناشط اليميني كيرك يجمع ترامب وماسك    الصينيون يبتكرون غراء عظميا لمعالجة الكسور    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    استراحة «الويكاند»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر العاشر لحركة «النهضة» في سياق الأولويات الوطنية:البناء النهضوي كمساهمة في بناء رافعة واسعة وصلبة للمشروع الوطني
نشر في التونسية يوم 26 - 03 - 2016

«الكلمات تبقى على حالها، والمبادئ لم تتغير، لكن القواعد تختلف، وكذلك الرسالة»
مارسيل غوشيه : الدين في الديمقراطية
بقلم: عبد الحميد الجلاصي (نائب رئيس «النهضة» ومسؤول التفكير الاستراتيجي والتّخطيط)
يستحسن أن يضع الفاعلون السياسيون، وكل المهتمين بالشأن العام، مجموعة من الحقائق نصب أعينهم:
-1 نحن نموذج ناجح لبلد في قلب عملية بناء ديمقراطي. حققنا عبر حوارنا، وحتى صراعنا، خطوات مهمة في مسارنا، ولكننا لم نصل بعد الى تلك المحطة المهمة التي يمكننا فيها ان نهتف: لقد أصبحنا بلدا ديمقراطيا، ولا خوف من الردة.
تجربة الأمم توكد ان مثل هذه المراحل تكون عادة طويلة، ومعقدة، ومتعرجة، ومتشعبة، ويترافق فيها التقدم مع التراجع، وتحتمل الفوز كما تحتمل الارتكاس.
وما يعرقل هذه المسارات، عادة، هو استمرار التجاذب حول معالجة مظالم الماضي، وخاصة الإبطاء في الاستجابة لمطلب العدالة الاجتماعية، والتعثر في التصدي للفساد وآثاره، وهو القرين الملازم لكل استبداد.
الإبطاء في الاستجابة لمطالب الاجتماعي يمكن ان يلتهم كل مكاسب السياسي.
الوصفة الناجحة لترسيخ المسارات الديمقراطية، وتجاوز كل أصناف الهشاشات، يتمثل في تشكيل أوسع كتلة ممكنة، حول مشروع وطني جامع.
القوى الحاكمة السابقة يجب ان تكون لها الشجاعة الكافية للنقد الذاتي، وللاعتذار عند الاقتضاء، وخاصة التخلص من نوازع وأوهام العودة الى الماضي. يجب عليها ان تدرك ان عصرا جديدا قد حلّ، وأنها هي ايضا مستفيدة منه، إذ حررها هي نفسها. يجب أن تكون لها الشجاعة للاعتراف بالجميل للمقاومين.
أما القوى التي تعرضت للاضطهاد، فيجب ان تكون لها القدرة على تجاوز خلافاتها البينية ورواسب الصراعات الأيديولوجية، وأن تمتلك الشجاعة للتجدد والخروج من الشعار إلى البرامج، ومن أدعاء الثورة الى الاشتغال العيني على تحقيق أهدافها. فالثورة في فضاء الدولة تصبح برنامجا وأولويات، تترجم في النهاية ارقاما في الميزانية.
لا بأس أن نذكر هنا بقرامشي، ومحمد عابد الجابري، وطارق البشري، وعبد الوهاب المسيري. ولا بأس ان نفتخر بمثالنا التطبيقي في تونس ما قبل الثورة، من خلال تحالف 18اكتوبر للحقوق والحريات، وأيضا باللحظات التي توحدنا فيها بعد الثورة. صورة المصادقة على الدستور ليلة السادس والعشرين من جانفي سنة 2014 لم تتحول للأسف الى مسار، ويجب ان تتحول الى ذلك.
الكتل التاريخية، أوالتيارات الرئيسية، كما تشكلت في التاريخ، لم تكن ائتلافات حزبية فقط، كانت تضم ايضا القوى الاجتماعية الأكثر تأثيرا.
الكنيسة الكاثوليكية كانت في إيطاليا السبعينات، وبعدها في بولونيا الثمانينات، شريكا مع قوى سياسية عديدة يسارية ووسطية، في قيادة المرحلة. كنيسة أمريكا اللاتينية ابدعت «لاهوت التحرر»، لاهوتا يكون في خدمة الانسان يضيف الى التبشير بالتصورات والشعائر التركيز على «أبعاد الدين الاجتماعية».
ان وصفة إدارة التنوع في مثل هذه الاوضاع الانتقالية يتطلب إبداعا، وتفكيرا خارج الوصفات الجاهزة، أنه يتطلب تفكيرا «خارج الصندوق».
ان وصفتها هي مزيج من التكامل والتنافس. هي وصفة صعبة، لأنها ضد النزوع الفطري. وقد وجدنا صعوبات جمّة في إقناع عدد من الأصدقاء بفلسفة «النهضة» في إدارة حملتها الانتخابية سنة 2011 وخاصة سنة 2014. اذ ان التصور الكلاسيكي للانتخابات انها حرب، وأن الحملة هي إدارة لمعارك تبدأ بتحديد الخصم الرئيسي، ومن ثم استهدافه مباشرة.
لم نكن، في «النهضة»، نرى ذلك. كنا ندرك ان العملية الانتخابية ستنتهي، وستأتي بعدها إدارة العملية السياسية. وكنا نفكر في هذا المستقبل، وكنا نتجنب مصادرته، وأولى خطوات مصادرة المستقبل إنما تبدأ بالمعارك الكلامية.
إن مراحل البناء الديمقراطي تعني الاقتناع «بإمكان تعدد الحلول للمشكل الواحد، وتنوع المداخل لمعالجة قضايا التغيير والإصلاح في بلادنا: فالعدالة الاجتماعية مدخل، والليبرالية السياسية مدخل، وحقوق المرأة مدخل، وحقوق الانسان مدخل، والثقافة والتربية مدخل، والوحدة المغاربية والعربية مدخل... ولا ضير في ان تختلف درجات تركيز فرق الإصلاح والتغيير على هذا العنصر أوذاك. ولأجل ذلك نحن نزّاعون لنسج التحالفات الواسعة، بما يعدد الحلول ويجمعها تنسيقا وانسجاما، بدل تحولها ذريعة للتنازع والاقصاء المتبادل ...»
هذا مقتطف مطول من بيان كتب في 8 جوان 2006.تلك كانت قناعتنا حينها، وتأكدت هذه القناعة اليوم.
مستقبل بلادنا يمكن ان يدار عبر مرحلتين:
- مرحلة الديمقراطية التوافقية، أوالتنافس في إطار التكامل، هي مرحلة «سايس خوك»، من أجل الاستجابة خاصة للاستحقاق الاجتماعي، وتحمل أعبائه ونجاحاته بالتشارك، وتكون نهايتها إرساء الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية. وفيها تحتاج الهندسة السياسية لكل ألوان الطيف. هنا يتعايش الانتخاب مع السياسة، والصندوق مع التوافق.
- مرحلة الديمقراطية التنافسية، أي إطلاق الصراع حسب قوانين السوق السياسي، أي الأقلية والأغلبية.
-2 دخلت لسوق التداول السياسي مفردات التنافس، والبرنامج، والقاعدة الانتخابية، والناخب. نحن امام مشهد انتخابي بكل مكوناته، ولكن هذا المشهد، ككل شيء في البلد، هوفي طور بناء، ولم يستقر بعد. نحن في بداية تشكل مشهد انتخابي. تلفت النظر فيه مجموعة من الحقائق:
أ- القاعدة الانتخابية المفترضة تتجاوز السبعة ملايين تونسي. انتخب منها سنة 2011 حوالي 4.200 ألف ناخب.
هذا الرقم تقلص الى 3.600 ألف ناخب في تشريعيات 2014، ليتدحرج الى 3.200 ألف في الدور الثاني من الرئاسيات في نفس السنة. بما يعني ان جاذبية العملية السياسية تتقلص.
- هل ان المصالحة التي بشرت بها الثورة بين التونسي والسياسة قد وصلت الى حدودها؟ ربما.
- هل توجد فجوة بين زمن الشعب وزمن الطبقة السياسية ؟ ربما.
الثورات ترفع سقف الانتظارات. والسياسيون -حتى ان أحسنوا النية -محكومون بإكراهاتهم.
- هل يوجد سوء تفاهم بين عالم الساسة وعالم الشعب؟
بالتأكيد.
أصبحت البرامج التلفزية حلبات صراع وتنافس وتصفية حسابات. تجاوزت في الإثارة بعض برامج الفضائح الاجتماعية.
الحصيلة ماثلة أمامنا من خلال تدني نسبة المشاركة في الانتخابات، ومن خلال اهتراء منسوب ثقة الناس في الأحزاب السياسية، كما تبرز ذلك النتائج المتعاضدة لاستطلاعات الرأي. اذ لا تتجاوز نسبة الثقة في الساسة ربع المستجوبين والقادم أسوأ ما لم يتداركوا أمرهم.
وحال المعارضة ليس أحسن من حال احزاب الحكم، بل هو أسوأ.
وهكذا تكون النتيجة: ضعف الطالب والمطلوب، بما يعني اهتراء العملية السياسية، وحضور مشكلة القيادة في البلاد، لا بالمعنى القانوني والمؤسساتي وانما بمعنى القدرة على المسك والإنجاز وتوفير الثقة والاطمئنان النفسي.
وهذا وضع يفترض -ان صح -ان يؤرق الأحزاب السياسية لتعكف على محاولة الاجابة عنه.
ب- المتأمل في الخارطة الانتخابية الوليدة يلحظ مؤشرات تدعوالى الانشغال. يلحظ احتمالات انقسام جغرافي وربما ثقافي، واجتماعي، بين ما أسماها الأستاذ المهدي المبروك: «رمال» النهضة، و«أحراش» النداء.
في الليالي الرمضانية لسنة 2013، كان التونسيون يعبرون عن مواقفهم في معسكرين متقابلين، في ساحة باردو، امام مقر المجلس الوطني التأسيسي. وعندما تنتهي «المناوشات»، و«ينفض السامر»، كنت تجد اكتظاظا في اتجاهين متقابلين:
في اتجاه الضواحي الشمالية عبر الطريق
وفي اتجاه الضواحي الشعبية الغربية.
هذا الاصطفاف الميداني عبر عن نفسه لاحقا في اصطفاف انتخابي.
السؤال المطروح وطنيا هوالتالي: هل سيترك تشكيل الخارطة الحزبية، باعتبارها تمثيلا لكتل اجتماعية ومجموعات من المصالح والتطلعات، للعفوية، أولقوى المناولات السياسية، أم سيدار بطريقة عقلانية ،وفقا لعقل سياسي وطني أعلى؟
ت- لم تستطع الأحزاب السياسية، ولا حتى المنتظم الجمعياتي، تقديم نفسه بطريقة جاذبة للشباب التونسي.
لقد تراجع الدور الوطني للحركة الطلابية، كما تراجعت القدرة الاستقطابية للمنظمات والمناشط في الفضاء الجامعي، صانع قادة المستقبل.
الضعف العام للمشاركة في الحياة السياسية، وفي الحياة العامة، يدعوالى الانشغال، لأنه يتعلق بإدارة الحاضر. أما ضعف انخراط الشباب فإنه يدعوالى دق نواقيس الخطر لأنه لا يتعلق بالحاضر فقط، أنه يتعلق بالمستقبل أيضا.
ضعف قدرة الدولة والأحزاب على الإدماج يعني ترك الباب مفتوحا أمام باعة أوهام الدنيا، ومن تجاوزوهم، جهلا ووقاحة، بأن أضافوا الى ذلك بيع أوهام الآخرة.
ان أحد أهم مسالك التصدي للإرهاب يبدأ بأقدار الأحزاب السياسية على اغراء الشباب بالمشاركة في البناء الوطني عبرها اوعبر العمل الجمعياتي، والانتقال من دور الرقابة والاحتجاج و«التنبير» الى مواقع الاقتراح والفعل والمبادرة.
السياسة هي قدرة الفضاء المنظم، من دولة، وأحزاب، ومجتمع مدني، على إعطاء الحلم، والإنجاز، والإدماج. فمن يترك على الهامش يكون عنصر عرقلة أو حتى تخريب.
والسياسة هي أيضا القدرة على التمثيل. والتمثيل درجات، يبدأ من التمثيل العقلاني عن طريق البرامج، ويصل الى التمثيل الرمزي، بما يقارب التماهي وتلبية الحاجة العميقة الى الانتماء. هذه العلاقة بين المنظم الجماعي والأفراد أو الكتل هي تواصل، هي لغة.
نحن هنا ازاء التحدي الرئيسي لمدى قدرة المشهد الحزبي في بلادنا، في هذه المرحلة، حتى يكون ادماجيا لأقصى درجة، حتى لا نترك على الهامش إلا من أبى.
كيف يمكن لوصفة المراحل الانتقالية الجامعة بين التنافس والتكامل، المنطلقة من هندسة وطنية عليا، أن تستجيب لهذا التحدي، وان تكون إدماجية وتسد مواطن الرخاوة والفراغ؟
ننطلق من هذه المسلمات:
- في الأوضاع الديمقراطية تبحث الشعوب عن التوازن، وذكاؤها يمنعها من ان تسلم قيادها لأي قوة بمفردها. لا تعطي تفويضا على بياض لأحد.
لقد انتهى عصر حركات التحرر التي كانت تمثل مجمل الطيف الوطني. الآن، كل الأحزاب تتجه نظريا الى عامة المواطنين، وعامة الناخبين. ولكنها في الحقيقة ترتكز على قاعدة انتخابية معينة. لا يعني ذلك بالضرورة انها تعادي فئة اوجهة، ولكنه يعني فقط انها تمثل البعض أكثر مما تمثل البقية.
ديمقراطيتنا وليدة وما زلنا لم نصل بعد الى الربط بين قواعد انتخابية واحزاب سياسية. سنصل الى ذلك بعد استقرار المشهد الحزبي، وبعد تكرر الامتحان الانتخابي. ستصل الى ذلك خلال سنوات قليلة.
الى ذلك الوقت، سيكون كل جهد لتقطيع segmentation القاعدة الانتخابية تقريبا، ولكنه يسمح - مع ذلك -بإعطاء بعض المؤشرات.
اذا كان المشروع الوطني يرتكز على مجموعة أركان، أهمها الحرية، والعدالة، والهوية، والوحدة، ويلبي كل ركن منها حاجة، ويحقق قدرا من التوازن في الكيان الاجتماعي، فقد تركز بعض القوى على ركن أكثر من البقية، بحيث يكون مجاله «الخاص»، أوعلامته التجارية.
الاستقرار الوطني إنما ينتج من الحصيلة، من التفاعل، من التكامل المخطط له أوالمضمر. سيكون لكل حزب، أو عائلة مجاله، وستكون هناك مناوشات على الحدود الانتخابية، ومواجهات خفيفة على التخوم، في مرحلة تعايش وتنافس، قبل الوصول الى حالة استقرار حزبي، وإلى رسم تقريبي للحدود الانتخابية، التي لن تلغي المنافسة أي تركز على منطقة «السيبة» السياسية، كما تركز على إبراز، أوالتشكيك، في سجل الإنجاز.
اذ أن القاعدة الانتخابية في الأوضاع الديمقراطية بقدر ما فيها من ثبات جزئي، بقدر ما فيها من حراك وتموج. اننا أمام صورة الانقباض والانبساط لآلة الأكورديون.
اننا نرى أن الفضاء الاجتماعي والانتخابي يمكن أن يمثل عبر عدد من العائلات، بما يحقق هدف الإدماج، ويضمن حضور كل أبعاد المشروع الوطني.
ان الفروق بين هذه الكيانات أو العائلات انما تتم من خلال المقارنة بين ثلاثة أصناف من التموقعات: التموقع السياسي والتموقع الاجتماعي، والتموقع الثقافي.
اننا نرى مكانا:
- لعائلة ديمقراطية اجتماعية إسلامية.
- ولعائلة ليبرالية، محافظة أو حداثية.
- ولعائلة ديمقراطية اجتماعية.
- ولعائلة يسارية.
تشكيل هذه الكتلة، الحزبية المتعددة الألوان، والرافعة للمشروع الوطني، والمكونة من كيانات تمثل كل الطيف المجتمعي، وتكون لكل مكون فرادته ونكهته الخاصة،لا يمكن أن تنجح، ولا أن تتحمل أعباء هذا الانتقال، إن لم تكن معضودة بمنظمات اجتماعية كبرى.
أرى تفكير «النهضة» يتموقع في هذا المكان وفي هذا الأفق الوطني. وأرجو أن نشتغل جميعا ضمن هذه الفلسفة التنافسية التكاملية.
الفكرة الجوهرية أن يحدد كل طرف عبر «هويته» السياسية، والاجتماعية، والثقافية قاعدته الانتخابية الأساسية، ويسعى الى الدفاع عنها وتثبيتها ثم إلى القضم من بقية الجسم الانتخابي. وهذا تكون السياسة عملا قاصدا وليس خبط عشواء.
- العائلة الليبرالية يمكن أن تضم طيفا واسعا من الشخصيات، والتجارب، والحساسيات. وبعضها مطلوب منه أن يرتب علاقته بالتاريخ.
الجميع يجيد التبرير. وحدهم الشجعان يجيدون الاعتراف بالأخطاء، ليسمحوا للقاطرة الوطنية بأن تنطلق خفيفة، متحررة من مطبات الماضي.
في شهري نوفمبر وديسمبر من سنة 1987 احتضنت جريدة «العمل» ندوات تقييمية صريحة وعميقة لمسيرة «الحزب الاشتراكي الدستوري»، شارك فيها جامعيون ومثقفون. بعدها أغلق القوس! كان ذلك فجرا كاذبا.
للأسف أرى اليسار التونسي في قلب أزمة هوية، وتموقع. بل لعله قد خسر روحه الاجتماعية -وتلك هي في الأصل نكهته، وفرادته، وبصمته -ليستغرق في مقاربة ثقافوية، وفي معارك أغلبها موهوم.
لعل البلاد ستخسر كثيرا من الوقت قبل ان نكتشف أن ماركس شب ثم شاب، وان أنور خوجة ما كان إلا نسخة رديئة جدا من لينين، وأن القراءة المقاصدية لسانتياغوكاريوولويجي لونجوكانت أكثر وفاء للماركسية من القراءة الحرفية لستالين، وأن مجتهدي الديمقراطية الاشتراكية في النصف الثاني من القرن العشرين كانوا هم الأبناء الحقيقيون لماركس.
نرجو أن يستثمر رفاقنا في «الجبهة الشعبية» الندوة الوطنية القادمة ليطرحوا بجرأة سؤال التجديد والتموقع في سنة 2016 وليس بعدها، وخاصة ليس قبلها! وليتأكدوا أن الوطن يتسع للجميع، وأن الضدية لا يمكن أن تكون هوية ولا برنامجا.
- للعائلة الديمقراطية الاجتماعية مكانها ضمن هذا البناء. لها تاريخ مشرف في مناهضة الاستبداد. بعض مكوناتها وزعاماتها، رفع صوته ضد الاستبداد من داخل المنظومة يوم كان الكلام مكلفا، وبعضها قام بمراجعات مؤلمة من داخل دائرة تيارات الاحتجاج الشبابي. نقطة قوتها هي، بالضبط، نقطة ضعفها ،فهي تتوفر على طاقم من الزعامات، التحدي أمامه ان يتجاوز مشكلات التعايش والتنافس ليرافق اجيالا شابة جديدة تستكمل مسيرته وتحقق ما كان له جرأة وشرف البدء فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.