ظلت العلاقة متفجرة بين القذافي وريغان خلال الثمانينات...لكنها أصبحت أكثر تعقيدا خصوصا في ربيع عام 1986 حين تعرض بيت القذافي في باب العزيزية الى هجوم أمريكي بناء على ادعاءات أمريكية تقول بأن الأجهزة الليبية متورطة في تفجير ملهى ليلي بالعاصمة الألمانية برلين. يتذكر قذاف الدم تلك السنوات التي شهدت عداء كبيرا بين البلدين، وصل إلى درجة تتبع ما يقال عنها من نكات هنا وهناك. ويقول: "طبعا قبل الهجوم الأمريكي في سنة 1986 كانت هناك مواجهات في سرت وفي البحر مع الأسطول السادس الأمريكي، وأسقطنا بعض الطائرات الأمريكية في مواجهات الثمانينات.. هم أيضا ضربوا بعض الزوارق الليبية وأغرقوها. يعني المواجهة مع الأمريكان استمرت تقريبا طوال حقبة الثمانينات. وعرفت وقتها أن ريغان كان لديه أسطوانة موسيقية ويجلس يوم الأحد (إجازة نهاية الأسبوع) ويغني على معمر القذافي، قائلا: "سنطاردك حتى النهاية". ويشير قذاف الدم في مذكراته التي نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية أيضا إلى واحدة من النكات التي كانت شائعة بين الأمريكيين بسبب انشغال ريغان بالقذافي وتحديه لأمريكا في الدفاع عن حق ليبيا في خليج سرت. وتقول النكتة، إن حلاق الرئيس الأمريكي كان في كل مرة يجلس فيها معه ليصفف له شعره، يحكي له عن القذافي، فسأله أحد العاملين في مكتب الرئيس: لماذا كلما جئت تحلق للرئيس تتحدث معه عن معمر القذافي؟ فأجاب الحلاق قائلا: لكي يقف شعر رأسه فأعرف أحلق له جيدا. وفي المقابل، كان معمر القذافي يسخر من الديمقراطيات الغربية، ويقول قذاف الدم، إن القذافي كان يتساءل: "كيف لشخص يمتهن التمثيل طوال عمره، أن يصبح فجأة رئيسا لأكبر دولة في العالم، ويتحكم في مصائر الشعوب، دون أن يكون لديه أي خلفية سياسية... إنه مجنون، ومختل عقليا، ويعتقد أن ما يجري في العالم الحقيقي ما هو إلا فيلم سينمائي يقوم فيه هو بدور البطولة". لكن ماذا فعل قذاف الدم حين علم بضرب ريغان لباب العزيزية؟ يقول: "نحن كنا قد التحقنا بمعسكراتنا، وفي مثل هذه الحالات نرفع درجة الاستعداد القصوى، ويبقى كل الناس في معسكراتهم، وتواصلت مع القيادة ليلا، وأنا كان عملي في القوات المسلحة في طبرق، وكنا نتابع على الشاشات، إلى أن حصل إبطال لكل شاشات الرادارات في ليبيا بالتقنية الأمريكية. وخلال دقائق من الضربة علمت أن القذافي بحالة طيبة ولم يصب بسوء، لأن شبكة القوات المسلحة كانت مرتبطة بعضها بعضا ولدينا شبكة أخرى من التواصل أيضا" وعن سبب عدم ترك معمر القذافي لمعسكر باب العزيزية الذي كان يقيم فيه مع أسرته رغم وجود معلومات عن أن المعسكر ضمن أهداف الضربة الأمريكية، يجيب قذاف الدم موضحا: "حاول الإخوة إقناعه بمغادرة المعسكر، لكنه قال كيف أغادر وأترك العسكريين في المعسكر وحدهم؟ هل لكي يقول الليبيون إنني أخاف من الغارة؟ كما أنني إذا غادرت، فكأنني أهرب من المواجهة". ويقول قذاف الدم: "أنا، في الحقيقة، لم أكن مع هذا الرأي، لكن الأخ معمر أصرَّ على موقفه، وفشل كل الإخوة في إقناعه بمغادرة المعسكر. ولم يغادر أحد البيت. كانت معه العائلة كلها؛ زوجته وكل أولاده". وعن طريقة تصرف القوات المسلحة الليبية تجاه الهجوم الأمريكي، يكشف قذاف الدم عن أنه كانت توجد خطة موضوعة للرد مباشرة.. "أطلقنا صواريخ أرض - أرض، طويلة المدى، في نفس الليلة، من البر، من على الأراضي الليبية، على قاعدة أميركية في جزيرة لامبيدوزا في إيطاليا، وبدأنا في الإعداد لتنفيذ خطط أخرى.. لكن للأسف، وبسبب أن معظم القواعد الأميركية موجودة على الأراضي الأوروبية، وصل إلينا إنذار من معظم الدول الأوروبية ومن حلف الناتو، بأن أي اعتداء على أرض أوروبية سوف نهاجم ليبيا.. ولم نكن نحن على استعداد لمواجهة كهذه، فتوقفنا". وعن تأثير الهجوم الأمريكي على ليبيا في 1986 على شخصية القذافي، وعما إذا كانت قد تغيرت، يجيب قذاف الدم: "بالطبع.. تأكد لديه صحة نظرته للغرب. وقال: هؤلاء همج.. هؤلاء لا أخلاق لهم.. و هاجمونا دون إعلان حالة حرب، ولا يلتزمون بأي قواعد ولا أي أخلاق للحرب.. نحن لا بد أن نكون حذرين في التعامل معهم". ويضيف قذاف الدم أن القذافي بدأ منذ تلك اللحظة يرى أنه لا بد من الإسراع بخطوات عملية للتحصن بكيان أكبر، والتفكير في أفريقيا الموحدة، من خلال اتحاد أفريقي تكون له حكومة أفريقية واحدة...هذا الاتحاد الذي أنشئ بمبادرة منه و الذي وصفه القذافي في تصريحات له في مطلع الألفية الثانية بأنه "حلم حياته" . فإلى حلقة قادمة