قتلى وجرحى في تصادم 13 سيارة بالسعودية    مصنوعة من الورق.. أسرّة أولمبياد باريس تثير الجدل!    سباق التجديف: محمد الطيب ينهي التصفيات في المركز الخامس    اولمبياد باريس 2024 (جيدو) اميمة البديوي تفوز على الفيتانمية هوانغ وتصعد الى الدور ثمن النهائي    يدعم 750 ألف حريف... التمويل الصغير بوابة لمعاضدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة    القرض الرقاعي الوطني 2024: موعد وتفاصيل الاكتتاب للقسط الثالث    أولمبياد باريس: برنامج المشاركة التونسية لليوم السبت    ''فيروس هانتا '' الإصابات في إرتفاع .. مالقصة ؟    عاجل/ السعودية ترصد زلزالا وسط البحر الأحمر    الكشف عن أول حالة تعاطي منشطات في أولمبياد باريس.. التفاصيل    عاجل : كم تكلفت مراسم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس ؟    جندوبة: عامل حضيرة ينقذ عائلة من إنفجار سيارتهم.. ثم يلقى حتفه    طقس اليوم: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    هكذا علق رئيس الوزراء الكندي على ظهور سيلين ديون في حفل إفتتاح أولمبياد باريس 2024    قبول استقالة القاضي مكرم الجلاصي المكلف بمأمورية بديوان وزيرة العدل    هيئة الانتخابات تُطلع عددا من الهيئات الانتخابية العربية والأجنبية على الاستعدادات لتنظيم الانتخابات الرئاسية    سول تأسف لخطأ في تقديم وفدها في افتتاح أولمبياد باريس    لأول مرة في تونس وإفريقيا: تجهيز قسم أمراض القلب بمستشفى سهلول بمعدات طبية حديثة    قبل انتهاء ولايته.. بايدن ينوي الحد من حصانة الرؤساء وموظفي الإدارة الأمريكية    وفاة شاب فلسطيني في غزة جراء سوء التغذية    ترامب: هاريس لا تحب اليهود وهكذا ستكون دائما    فرنسا ترفع العلم الأولمبي "معكوسا".. (فيديو)    القرض الرقاعي الوطني 2024: انطلاق الاكتتاب في القسط الثالث ب700 مليون دينار من 3 الى 11 سبتمبر 2024    القيروان: التصدي ل3 عمليات حفر آبار عشوائية منذ بداية الاسبوع    زغوان: انطلاق مشروع دعم المرأة الريفية بالمجامع النسائية والشركات الأهلية    أجندا المهرجانات من 27 جويلية إلى 2 أوت    مسرحية وصايا الديك ...حين تحاكي الأسطورة الواقع    قادة دول ورؤساء حكومات يجتمعون في باريس لحضور حفل افتتاح أولمبياد 2024    بقلم مرشد السماوي: لقاء وزيرة العدل برئيس نقابة القضاة في هذا التوقيت يعتبر مكسبا هاما لاستقلالية القضاء والعناية بالقضاة    حالة الطّقس ليوم السبت 27 جويلية 2024    ألف مبروك .. رقيّة ردّادي المتألّقة في البكالوريا بمعهد أبوالقاسم الشابي توزر.. أمّي وأبي قدوتي في العمل والحياة    منها نسبة النمو والتضخم والتحكم في الدين صندوق النقد العربي يتوقع تحسّن مؤشرات الاقتصاد التونسي    خلال أربعة أيام..نزوح 180 ألف شخص في خان يونس    عاجل/ هذه الشخصية تعلن الترشح للانتخابات الرئاسية..    حديث الناس...المبدع المسرحي عيسى حراث.. قامة إبداعية شاهقة... تتوجع تحت وطأة المرض !    هنية العشي مديرة مهرجان الريحان بعين دراهم...صعوبات مالية ترافق الدورة 33 للمهرجان !    مهرجان نسمات المتوسط بحلق الوادي في دورته الثالثة...عروض فرجوية متنوّعة ومجانية    القرض الرقاعي 2024: انطلاق الاكتتاب في القسط الثالث في سبتمبر    أولمبياد باريس: سيلين ديون تتغلّب على المرض وتغنّي في حفل الافتتاح    أولا وأخيرا .. شرط العودة    مع الشروق ..التمييز الإيجابي للقطاعات الاقتصادية    عزيز الجبالي: أعلن تعليق عروض Binomi s+1 خلال المهرجات لهذه الأسباب    الصحة العالمية ترسل أكثر من مليون جرعة من هذا اللقاح الى غزة    وزارة التشغيل تمنع تسجيل المتكونين الأجانب الموسم القادم    شركة تونس للشبكة الحديدية السريعة توجه بلاغا    إرتفاع قيمة صادرات المنتجات الفلاحية البيولوجية العضوية بنسبة 16 بالمائة    وفيات جراء مرض خطير ينتشر بين الفئران وينتقل للبشر في أمريكا    عمليات مراقبة مكثفة لمحلات بيع المياه المعدنية والمواد الغذائية بهذه الولاية وتحرير محاضر..    المنستير تعرض 16كشفيا إلى حالة إغماء    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    القصرين : اصطدام سيارة بدراجة نارية    السعودية تأمر المواطنين بحماية حيواناتهم من حرّ الصيف وتعاقب المخالفين    مخربون يهاجمون خطوط سكك حديد بفرنسا قبل ساعات من افتتاح الأولمبياد..ما القصة..؟    مفاجأة.. فيتامين يمكن أن يزيد طولك بعد سن العشرين..!    علم نفس: علامات تدل على أنك شخص جيد حتى لو لم تكن تعتقد ذلك    إتحاد الشغل ترك فراغا كبيرا …سارة عبد المقصود    حدث غير حياتي...عائشة معتوق.. النّجاح لا يُهدى ولا يُمنَح على طبق من ذهب بل يُصنعُ بالجهد والمثابرة والصّبر !    السعودية: بدء مراسم غسل الكعبة المشرفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير الحريات الفردية والمساواة:حريات فردية في خدمة التطبيع مع الصهيونية؟
نشر في الشروق يوم 23 - 07 - 2018

بعد مرور أكثر من شهر على صدور تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة لم تهدأ ردود الفعل عليه بين مساند ومعارض. غير أن القاسم المشترك بين الموقفين تمثل في اقتصارهما على الخوض في التفاصيل والجزئيات من منطلقات فكرية بالأساس وإهمال مسائل جوهرية خطيرة ذات طبيعة سياسية في علاقة بالسيادة الوطنية.
فقد تضمن التقرير في باب الحريات الفردية فقرة تطالب بمراجعة المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات وذلك بمنعها من ممارسة الدعوى التي من شأنها أن تتدخل في الحرية الفردية للغير. وقد أبان التقرير عن نواياه عندما استعرض ثلاثة قضايا اعتبرها قد مست بحرية الغير ( الصفحات من 83 إلى 86 من التقرير). وتمثلت هذه القضايا أولا في الدعوى التي رفعتها جمعية " مقاومة الامبريالية والصهيونية" لمنع وكالات أسفار من تنظيم رحلات للقدس معتبرا أن ليس لها الصفة لذلك. وثانيا في الدعوى التي رفعتها جمعية المحامين الشبان لمنع عرض فيلم wonder women مما مثل تدخلا في حريات الآخرين حسب اللجنة، وثالثا في منع حفل ميشال بوجناح الذي رفضت المحكمة الدعوى المقامة ضده بدعوى عدم الاختصاص. وبناء على ذلك اقترح التقرير تنقيح الفصل 14 من المرسوم المذكور أعلاه بربط رفع الدعوى بعدم التدخل في حقوق وحريات الغير. كما طالب بإلغاء الفقرة 2 من مجلة الاجراءات الجزائية التي تنص على إمكانية أن تقوم الجمعيات بالحق الشخصي فيما يتعلق بأفعال تدخل في اطار موضوعها وأهدافها المنصوص عليها في نظامها الأساسي.
وبذلك يتبين أحد أهداف لجنة الحريات الفردية والمساوة وهو سحب البساط من الأطراف التي اعتمدت على مستندات قانونية من أجل إيقاف زحف تيار التطبيع الذي عرفته بلادنا في السنوات الأخيرة في ظل عدم التنصيص على تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في دستور سنة 2014 وبعد إجهاض مشروع قانون تجريم التطبيع في مجلس نواب الشعب في بداية سنة 2018. والخطير أن إثارة اللجنة لهذه المسائل القانونية وما ترمي من ورائها من غايات سياسية قد تزامنت مع مؤامرات في نفس السياق على المستوى العربي والمحلي.
فعلى المستوى العربي شن الرئيس الامريكي ترامب حملة بدأت بإبرام الصفقة المالية المشهورة مع المملكة السعودية ثم أعلن في نهاية سنة 2017 عن نقل سفارة بلاده إلى القدس وجسده في شهر ماي الماضي في إطار ما سمي ب " صفقة القرن " الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية وفرض التطبيع على الأقطار العربية. كما تشهد القوى الوطنية في بعض الأقطار العربية مثل سوريا ولبنان واليمن هجوما شرسا تنفذه بعض الأنظمة العربية والعصابات التكفيرية ويستفيد منه الكيان الصهيوني.
أما على المستوى المحلي وإضافة الى ما ذكره التقرير من قضايا كانت تهدف إلى منع محاولات التطبيع في السنوات الأخيرة في المجالين السياحي والفني فقد شهدت الساحة السياسية في تونس تحركات ونضالات قامت بها القوى الوطنية من أجل عرقلة بعض الأنشطة المروجة للتطبيع. ونذكر هنا خاصة ما قامت به الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية بالتعاون مع ثلة من المحامين الوطنيين وبفضل القضاء الوطني المستقل وذلك باستصدار حكم لمنع دخول صهاينة في افريل 2018 للمشاركة في بطولة التايكواندو في الحمامات وحكم آخر بمنع عرض سلسلة الكاميرا الخفية " شالوم" في قناتين تلفزيتين في شهر رمضان الماضي.
لذلك فإن مشروع تحوير بعض الفصول القانونية الذي دعت له لجنة الحريات الفردية والمساواة في هذه النقطة بالذات ليس سوى محاولة لمنع أي طرف من إثارة مثل تلك الدعاوى وترك المجال مفتوحا لكل من يريد التعاون مع الصهاينة سواء بزيارتهم في فلسطين المغتصبة أو باستضافتهم في تونس. كل ذلك بدعوى الحق في ممارسة الحريات الفردية.
والى جانب منع الجمعيات من تقديم قضايا لتجريم التطبيع فقد دافع تقرير اللجنة عن " الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي وتحجير تعطيلها وإبطالها تحت أي عنوان سياسيا كان أو ايديولوجيا أو أخلاقيا أو دينيا "، كما دافع بصفة مطلقة ودون أي تحفظ على حرية الابداع الأدبي والفني مما يجعل من المسموح به لكل فرد الحق في الترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني بدعوى الحرية الفردية بل ويحجر على كل فرد أو جمعية رفع دعوى ضده.
ولا نعتقد أن هذه المواقف مجرد دفاع عن الحريات إذا وضعناها في إطار ما سبق التطرق له عند تعداد القضايا التي تناولت منع ممارسة التطبيع وبعد تقييم النضالات التي عرفتها الساحة الثقافية والاكاديمية والفنية التونسية في هذا المجال. ونذكر على سبيل المثال الحملة التي قامت بها القوى الوطنية ضد المخرج زياد دويري لمنعه من عرض فيلمه" القضية 23 " في أيام قرطاج السينمائية سنة 2017 وهو المعروف بدفاعه على التطبيع والذي قام بتصوير فيلم سابق في الكيان الصهيوني. كما نذكر التحرك من أجل منع إقامة معرض في السنة الماضية في المكتبة الوطنية بتونس العاصمة للتباكي على الصهاينة.
إن الدفاع عن حرية البحث العلمي دون ضوابط وطنية يمثل مدخلا للتطبيع الأكاديمي الذي يعتبر من أخطر أشكال التطبيع. وتشير بعض المعطيات إلى وجود تنسيق بين بعض الباحثين التونسيين وما يسمى بالباحثين الصهاينة في المجالات الطبية والعلمية في السنوات الأخيرة. ومن البديهي أن هذا التنسيق العلمي والبحثي يعتبر اعترافا بكيان العدو الصهيوني ومساهمة في تدعيم قدرات "جنوده العلميين" في اضطهاد أبناء شعبنا في فلسطين. وهو تنسيق لن يستعمله الصهاينة بالتأكيد في علاج الأطفال الفلسطينيين بل سيستعملونه في قتلهم بدم بارد والأمثلة عديدة. ونكتفي للتدليل على خطر التطبيع الأكاديمي أنه كان الغطاء الذي استعمل لاغتيال الشهيد محمد الزواري.
لذلك فإن غاية التقرير تتمثل في ايجاد المستندات القانونية للتشجيع على ممارسة التطبيع مع الصهاينة و"التحجير على أي كان أفرادا وجماعات التعرض لحرية العلوم والحريات الأكاديمية وتقييدها وتعطيلها وإبطالها بأي شكل وتحت أي عنوان سياسيا كان أو ايديولوجيا أو أخلاقيا أو دينيا". والأكيد أنه لا يختلف اثنان من الناحية المبدئية على الحرية الاكاديمية وحرية البحث العلمي والابداع الأدبي وواجب النضال من أجل تكريسها. لكن أن تصبح الحرية الفردية مطية لتخريب الأوطان فذلك ما لا يمكن أن يقبل به أي وطني غيور على بلاده.
لقد بررت اللجنة عملها من ضرورة متابعة المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتوجّهات المعاصرة في مجال الحريّات والمساواة. وهي بذلك تكشف عن أن التقرير لم ينبع من إرادة داخلية صادرة عن فئة من الشعب أو عن الشعب كله حتى إن أضافت إلى مبرراتها مقتضيات دستور جانفي 2014 الذي نعلم الظروف الاقليمية التي تمت في ظلها صياغته وخاصة ما سمي بالربيع العربي والتوازنات المحلية تحت حكم الترويكا وما رافقها من ضغوطات لإلغاء تجريم التطبيع من الدستور. وحبذا لو طبقت المنظمات الدولية معاييرها على الشعب الفلسطيني الذي ما انفك يتعرض إلى مختلف أنواع الحصار والتنكيل وتداس حرياته الفردية والعامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.