بقلم المؤرخ محمد حسين فنطر (المختص في التاريخ القديم والآثار الفينقية البونية وتاريخ الأديان) أليس الحل في الهروب بعيدا حيث لا يستطيع الاشوريون ملاحقة الكنوز الفينيقية؟ تلك هي الظروف القاسية التي سيطرت على حياة صور وصيدا وجبيل وبيريت وارواد وغيرها من مدن السواحل الكنعانية، وقد أصابها الوهن من جراء ذلك ممّا أثر على حضور الفينيقيين في غربي البحر الأبيض المتوسط حيث كانوا أسيادا ينفردون بالكسب والسلطان وقد تزامن الخطر الأشوري مع استفاقة المدن اليونانية والإغريقية من سباتها، وقد استفادت من تجارب الفينيقيين الذين كانوا يترددون عليهم وفي بطون سفنهم بضاعة الشرق وحضارتها الأصلية وكم اينعت فسائل الشرق في ارض الإغريق. قد يطول الكلام عمّا يدين به الإغريق الى الفينيقيين وليس المجال هنا لتناول مثل هذه القضايا الخطيرة بل نكتفي بالإشارة إلى الكتابة الأبجدية التي ابتدعوها كما ابتدعوا الانسان الفرد l›individu المؤمن بفرديته وحريته وقدرته على صناعة مصيره بعيدا عن القبيلة والعشيرة دون ما انفصال عنها، بل كفرد حرّ يساهم في بناء مجتمع يتعدى الأواصر الدموية العرقية وينبت المواطنة. فالكتابة الأبجدية والفرد المؤمن بفرديته وذاته مكسبان يدين بهما الإغريق إلى أولئك الذين كانوا يأتونهم من السواحل الفينيقية على متن سفن حبلى بروائع البضاعة والحضارة فهم القدميون الذين تحدثت عنهم كتب الاغريق واليونان ورفعت ذكرهم، ولمّا استيقظ الإغريق من سبات دام قرونا طويلة واستفادوا من تجارب القدميين الفينيقيين أضحوا يلاحقونهم ويزاحمونهم في غرب البحر المتوسط بهجرة منظمة تشرف عليها المدينة الدولة، وأخرى غير منظمة يتزعمها مغامرون قادرون على الإغراء والقيادة والقدميّون اسم اشتقه الاغريق من اسم قدموس وهو بدوره مشتق من قدم وهي كلمة كنعانية تعني الشرق فقدموس جذوره مشرقية، فهو الذي أقبل من الشرق، فالقدميّون هم المشارقة الذين يأتون من حيث تشرق الشمس. * محاضرة قُدمت بتاريخ 3 ديسمبر 2015 في إطار ندوة علمية نظمتها الجمعية التونسية للتاريخ والتربية على المواطنة حول «المرأة والمجتمع في تونس عبر التاريخ».