على الورق سيخوض الفريق الوطني غدا على أرض سوازيلاند إحدى أسهل المُواجهات في تاريخ الكرة التونسية بالنّظر إلى الضّعف الفادح والتاريخ الهَزيل لهذا الخصم الذي من المفروض أن يهزمه «النسور» شرّ هزيمة في عقر داره وأمام جمهوره. والحقيقة أن المُقارنة مُستحيلة بين تونس صاحبة المكانة الرَفيعة في الخريطة الافريقية وسوازيلاند التي لا نكاد نعرف عنها شيئا غير حكايات الاستبداد الذي يُمارسه ملك هذا البلد «المغمور» كُرويا و»الصّغير» تُرابيا وديمغرافيا. وسوازيلاند هذه سجّلت اسمها في وثائق «الفيفا» عام 1978: أي عندما كان منتخب الشتالي حديث العالم بفضل «المَلحمة» الخَالدة في المُونديال الذي لم يذهب إليه خَصمنا في أيّة مُناسبة بل أنه لم يَقدر إلى حدّ يومنا هذا على المُشاركة في «الكان». الأطرف من ذلك أن مُنافس أبناء البنزرتي في لقاء الغد تعرّض في 2013 إلى «طريحة» تاريخية على يد مصر الشَقيقة التي «تلاعبت» بالسوازيلانديين وأمطرت شباكهم بعشرة أهداف خلال مباراة ودية كان محمّد صلاح من المُشاركين في «مَهرجانها» التهديفي. المُعطيات المذكورة تؤكد بما لا يدع مجالا للرّيبة أن منتخبنا سيكون في طريق مفتوح ليكتسح سوازيلاند هذا طبعا بعد «التَلقيح» ضدّ الاستسهال وإعداد «الطّبخة» الفنية المُلائمة لتحقيق الفوز هُناك في سوازيلاند التي تتوسّط جنوب افريقيا والمُوزمبيق. هجوم كاسح بالتوازي مع التَحضيرات البسيكولوجية والاستعدادات البدنية المُهمّة في مثل هذه الرّحلات القارية الشّاقة والحافلة بالمفاجآت، جهّز الإطار الفني للمنتخب بقيادة فوزي البنزرتي «الخَلطة» التَكتيكية اللاّزمة للخروج من المَملكة السوازيلاندية بفوز ثمين على درب التأهل إلى النهائيات الافريقية. المعلومات القادمة من مُحيط «النّسور» تؤكد أن ابن المنستير سيظل وَفيا لتقاليده التدريبية وسيمارس «الضّغط العَالي» منذ الاختبار الأوّل مع فريقنا الوطني. البنزرتي سيعتمد على «البريسينغ» ل»خَنق» الخَصم وإجباره على ارتكاب الأخطاء في مناطقه علاوة على «حِرمانه» من التدرّج بالكرة بشكل منظّم وسليم. ومن المفروض أن تَهدم عناصرنا الدولية العمليات الهجومية للمنافس في «مَهدها» الأوّل من خلال الضّغط على حَامل الكرة بطريقة مدروسة وفي مناطق معلومة. أمر مفهوم هذا الأسلوب المَبني على «البريسينغ» له مبرّراته. فَعلاوة على أن «الضّغط العالي» ثَقافة راسخة و»فلسفة» ثابتة في «فكر» البنزرتي تُوجد عدّة عوامل أخرى تجعل من الضّغط العالي أمرا مَحتوما في لقاء «مْبابان». ومن المُلاحظ أن خَصمنا من «الدرجة العَاشرة» الشيء الذي يفرض على فريقنا صاحب التاريخ الكبير في افريقيا والمُشارك مؤخرا في المونديال أن يكون هو المُبادر بصنع اللّعب والتوجّه نحو شباك سوازيلاند اعتمادا على «مَاكينته» الهُجومية التي تملك قدرات لا يُستهان بها خاصّة في ظل المهارة الفنية للخزري والسليتي والبدري والرّغبة الكبيرة للخنيسي في تَفجير طاقاته واسترجاع حاسّته التهديفية. وتَتضاعف الحُلول في المنطقة الأمامية في ظلّ المُساندة التي قد تُوفّرها عناصرنا الدولية المَتمركزة في خط الوسط أوتلك القادمة من الرواقين ومن المعلوم أن فريقنا يملك «بيفوات» لا تعوزهم المَهارة ل»إطلاق» عمليات هجومية واعدة أوحتّى المُساهمة في التهديف كما هو شأن السخيري وبن عمر. وَتزداد قدراتنا الهجومية بفضل الانطلاقات الجانبية للظهيرين - الطَائرين علي معلول وحمدي النّقاز وهما الأقرب للّعب في مباراة الغد ما لم تتغيّر الحسابات الفنية في اللّحظات الأخيرة. الخيارات المُتوقّعة رغم أنّ جُلّ الحصص التدريبية لمنتخبنا دارت وراء الأبواب المُغلقة فإنّ الخُطوط العريضة ل»الطّبخة» الفنية تَسرّبت من بين جدران المنزه الشاهد على جُزء كبير من تاريخ «النسور». المُعطيات القادمة من المنتخب تفيد بأنّ التشكيلة التونسية في المُواجهة السوازيلاندية ستهيمن عليها كما أسلفا الذّكر النزعة الهجومية وستكون الأولوية لأصحاب الخبرة والعناصر المُونديالية. في المرمى سينافس فاروق بن مصطفى نفسه ليكون أوّل المُرسّمين في ورقة البنزرتي خاصّة في ظل «الفُورمة» الكبيرة لحارس الشباب السعودي علاوة على إبعاد «الكابتن» أيمن المثلوثي و»ضَياع» بن شريفية الذي من المفروض أن يكتفي بالفرجة مثله مثل زميله «الصّغير» غيث اليفرني. في محور الدّفاع تصبّ التَوقّعات في مصلحة ياسين مرياح وصيام بن يوسف على أن يُرافقهما في الجهتين اليمنى واليسرى حمدي النقاز وعلي معلول الذي يواجه مُنافسة شرسة من أسامة الحدّادي. في خطّ الوسط تتّجه النيّة إلى المُراهنة على الثنائي المُتكوّن من السخيري وبن عمر وسيضطلع اللاعبان بمَهام مُزدوجة تجمع بين التغطية الدفاعية والمُعاضدة الهجومية لتكون النجاعة قياسية في المنطقة الأمامية التي قد يقودها الرباعي المتركّب من السليتي والبدري والخزري والخنيسي ويملك المدرب أوراقا أخرى مُهمّة قد يلجأ إليها في بداية اللقاء أوأثناء اللّعب كما هو الحال بالنسبة إلى فخرالدين بن يوسف وعصام الجبالي وبسّام الصّرارفي. السّذاجة الدفاعية تلقّت الشباك التونسية ثمانية أهداف في الكأس العالمية وكانت السذاجة الدفاعية لفريق نبيل معلول من العوامل المُساهمة في الفضيحة الكروية أمام بلجيكا. وقد أظهر المدرب الجديد فوزي البنزرتي عِناية مُشدّدة ب»المنظومة» الدفاعية أملا في توفير الصّلابة الضرورية وهي رهن العمل المُنجز في التمارين والأداء الفردي والجماعي للاعبين الذين نَحسبهم اتّعظوا من دَرْسي أنقلترا وبلجيكا عندما ارتكبوا هفوات فادحة في التمركز والمُحاصرة. ردّة فعل قوية من النّقاط التي قد يستفيد منها البنزرتي في أوّل امتحان مع «النّسور» نَذكر رغبة «الكَوارجية» في ردّ الفِعل بقوّة بعد «وجيعة» المونديال وفَضيحة بلجيكا ولاشك في أن الربّان الجديد للسفينة التونسية سيستثمر هذا الحَماس لتحقيق انطلاقة مثالية مع المنتخب. وهذا الإصرار على تعويض الخيبة المونديالية سيكون أكبر عند بعض الأسماء الطّامحة إلى استعادة ثقة الجمهور بعد أن تعرّضت إلى انتقادات واسعة على هامش الرحلة الروسية والكلام بالأساس عن معلول وبن عمر والبدري. في المُتناول عَلاوة على الاستعدادات «الداخلية» على كلّ المستويات الفنية والبدنية والذهنية وحتى التنظيمية والطبية كان لِزاما على الإطار الفني أن يضع خصمه السوازيلاندي تحت المِجهر من أجل التعرّف على نقاط قوّته (إن وُجدت) وتحديد مواطن ضَعفه وهي كثيرة. الإطار الفني للمنتخب كلّف لجنة المُتابعة والتقييم بإعداد تقرير شامل وكامل عن الخَصم. وقد خرجت لجنة مبارك الزطال بجملة من المُلاحظات أبرزها الضّعف الدفاعي للمنافس وانكماشه المُستمرّ في منطقته: أي أنه من الرافضين لصناعة اللّعب وذلك ليس من باب التأثر بحالة «الكَسل» التي اشتهر بها السوازيلانديون وإنّما بفعل مَحدودية الامكانات والمَهارات. ومن الواضح أنّ هذا الخصم سيراهن بشكل كبير عن الهجومات المُعاكسة في مُحاولة للإستفادة من الثغرات التي قد تتركها عناصرنا الدولية عندما تنزل بكل طاقاتها وعَتادها إلى مناطق المحليين الذين سيستقبلون «نسورنا» على أرضية عشبية مقبولة الجودة وهو عنصر آخر ايجابي ومن شأنه أن يجعل مَهمّة منتخبنا أسهل لصناعة اللّعب ولم لا الفُرجة. تجدر الإشارة إلى أن منتخبنا وصل أمس إلى مَملكة سوازيلاند تمهيدا لمواجهة فريق المكان يوم الغد في حدود الثانية بعد الزّوال بتوقيت تونس ويندرج هذا اللّقاء كما هو معلوم في نطاق الجولة الثانية من التَصفيات المؤهلة ل»كان» الكامرون عام 2019. ويحتلّ فريقنا المركز الأوّل في مجموعته بفضل انتصاره في الجولة الافتتاحية على مصر مُقابل تعادل النيجر وسوازيلاند بالأصفار.