المرتبة الثانية في البرلمان ب 47 عضوا، كتلة الائتلاف الوطني تفرض قوتها وأهميتها وبإمكانها أن تكون معادلة صعبة في الانتخابات القادمة إذا كانت نواة لمشروع حزبي لكن الطريق ليست سالكة فالمشروع مهدد بآفة داخلية اسمها الزعامة. تونس (الشروق) هي كتلة نيابية هدفها «تجاوز الصعوبات التي تعرقل مسار الإصلاحات على المستويين التشريعي والتنفيذي ومشاريع القوانين المعطلة ومواصلة الحرب ضد الفساد...» حسب ما صرح به الناطق الرسمي باسم الكتلة مصطفى بن أحمد خلال ندوة صحفية عقدتها يوم 27 أوت الماضي بالعاصمة للإعلان عن تأسيسها. وعليه فإنها «لا تمت بأية صلة وليست لها أية علاقة برئيس الحكومة يوسف الشاهد» على حد قول عضوها طارق الفتيتي في الندوة سابقة الذكر لكن علينا ألا نغفل عما أشار إليه رئيس الوطني الحر سليم الرياحي في تدوينة له على الفايس بوك من السعي إلى «تكوين قوة برلمانية متوازنة الخط تدفع نحو استكمال مقومات ديمقراطيتنا من مؤسسات دستورية، ومشروع وطني وسطي حداثي يحرص على التجميع نحو مصلحة تونس وقبل كل شيء…». المشروع الوطني يقتضي بالضرورة حزبا تكون الكتلة النيابية نواته، والحزب يقتضي بالضرورة زعيما فمن يستحق الزعامة في مشروع الائتلاف الوطني؟. تقاسم أدوار؟ لم تظهر من «المشروع الوطني الوسطي الحداثي» حتى الآن غير كتلته البرلمانية التي يرأسها النائب مصطفى بن أحمد، أما ما عدا هذا فيدخل في إطار التوقعات والاستشرافات والإشاعات مثل القول بالاتفاق سلفا على أن تؤول الزعامة إلى يوسف الشاهد في الوقت المناسب. بعض هذه القراءات ترى أن زعامة الحزب ستكون مبدئيا بيد سليم الرياحي فيما يكون الشاهد مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة دون أن يكون له دور فعال داخل الحزب. وبعضها الآخر يقر بأن الشاهد سيترأس الحزب بمجرد استقالته من الحكومة (من المفترض أن تتم هذا الشهر) على أن يتخلى عن الرئاسة لسليم الرياحي إذا ما كتب للأول الفوز بالاستحقاق الرئاسي ذلك أن الدستور يمنع رئيس الجمهورية من رئاسة أي حزب. لو صحت إحدى هذه الفرضيات فلن تكون هناك ظاهريا حرب داخلية حول الزعامة لكن سنحاول النظر إلى الأمر بعقلانية: شخصيتان متطابقتان تتكون كتلة النداء حتى الآن من نواب كتلة الوطني الحر ونواب مستقلين من كتلتي النداء والحرة (ممثلة حركة مشروع تونس) فضلا عن بعض النواب المستقلين. وبالنظر إلى قائمة الأعضاء لا نجد اسما ذا طموح جامح في القيادة والزعامة المطلقة. وبما أن كل حزب يحتاج بالضرورة زعيما أو رئيسا أو قائدا فإن البحث عن الشخصية المطلوبة يقودنا إلى خارج الكتلة حيث نجد شخصيتين تحوزان الشروط الضرورية هما رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي ينفع كثيرا مشروع الائتلاف الوطني بقدر استفادته منه، ورئيس الوطني الحر سليم الرياحي الذي «هندس» للمشروع الجديد وضحى من أجله بكتلته النيابية الخاصة. الشخصيتان متطابقتان من حيث النزعة إلى القيادة وحتى لو قدر لهما أن يلتقيا في مشروع واحد ويتقاسما الأدوار فإن «توافقهما» قد لا يعمر طويلا… علينا أن نستحضر في هذا المجال تجربة التوافق بين الرياحي ورئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق وتحولها إلى ما يشبه العداء جراء اختلافات كان منطلقها الزعامة. المشكلة في التأسيس قد تسير الأمور بما يشتهي جميع أطراف الائتلاف الوطني كأن تكون الرئاسة للرياحي والزعامة المؤقتة للشاهد على أن يتخلى عن الحزب عند جلوسه على كرسي رئاسة الجمهورية ولكن ما العمل إذا فشل في الامتحان الانتخابي فهل يرضى بدور ثانوي في حزب يحمل كل آماله أم ينزع من الرياحي صلاحياته وحقوقه المشروعة؟. الأدهى أن هناك حاليا حديثا عن سعي محسن مرزوق إلى الالتحاق بالائتلاف الوطني بعد أن تجلى له ضعف نداء تونس وعبثية التحالف مع حزب على حافة الانهيار، وإذا ما وجد مرزوق طريقا سالكة إلى المشروع الجديد فقد نعيش حربا حول الزعامة ثلاثية الأبعاد (الشاهد والرياحي ومرزوق). المشكلة في المشهد الحزبي التونسي أن الأغلبية تشيّد أسقف الأحزاب وجدرانها قبل إقامة الأسس والدعامات ذلك أن هناك من يؤسس حزبه دون أن يعقد مؤتمرا تأسيسيا توزع فيه المسؤوليات ديمقراطيا، وهناك من يسارع إلى إقامة الجبهات والتحالفات دون الاتفاق مسبقا على قيادتها. هذه المشكلة لن ينجو منها المشروع الجديد إلا إذا كان هناك اتفاق سابق حول الزعامة لم نحط به علما أو إذا أغلق الباب دون من يحملون في جيناتهم مورث الزعامة كمرزوق وحتى الشاهد نفسه. «تسخين»للزعامة من المفترض ألا يتم التطرق إلى مسألة الزعامة في المشروع الجديد إلا عند المرور من مستوى الكتلة البرلمانية الضيق إلى المستوى الحزبي العام ومع هذا فهناك ما يشبه التسخينات حول الزعامة القادمة: فهذا نائب الكتلة الجديدة كريم الهلالي يرى «أنّ يوسف الشاهد بإمكانه أن يكون زعيم الائتلاف كما بإمكان أي شخصية أخرى أن تتولى الزعامة، قبل أن يضيف قبل أيام في تصريح إعلامي أن "الشاهد إبن العائلة الوسطية وأنا شخصيا لا مشكل لي أن يتولى يوسف الشاهد زعامة هذا الائتلاف لأنّه اكتسب خبرة في السنتين الفارطتين تؤهله للقيادة››. وهذه النائب عن الكتلة ليلي الشتاوي ترى في تصريح ل"موزاييك آف آم" بتاريخ 20 سبتمبر الجاري أن «رئيس الحكومة يوسف الشاهد تمكن من التصدي لعديد المشاكل وهو شاب يمكنه أن ينقذ تونس في عام 2019»، ومن غير المستبعد «مساندته في حال ترشحه للانتخابات المقبلة». عذاب وليس سياحة حزبيّة ! قالت ليلى الحمروني عضو كتلة الإئتلاف الوطني ردا على التعليقات السلبية جدا حول تشكيل كتلة الائتلاف الوطني:" الأحزاب الكبيرة والمتوسطة ليست ثابتة فقد خسرت قواعدها وناخبيها ومارست العنف على مؤسسيها وأعطت توصيات لنوابها للضغط على الزر، والنواب ليسوا قطيعا وعندما وجدوا أنفسهم يجتمعون مرة في السنة بعد ضغط كبير ثم يغيبونهم ..بل فقط التعليمات للتصويت». وأضافت انّ من أسّس حزبا وخرج منه يخرج بعذاب وبالتالي ذلك ليس سياحة حزبية بقدر ما هو فشل لهذه الأحزاب عدا حركة النهضة التي بقيت متماسكة.