اسدل الستار مساء امس السبت 10 نوفمبر على فعاليات مهرجان ايّام قرطاج السينمائية في دورته 29 ، و رفع البساط الأحمر ذو 300 متر الذي حمل ما حمل من الأقدام الوافدة على عالم السينما الساحر ، إما بحثا عن الحياة كما يقول المخرج الفرنسي الشهير جان لوك قودار ، او طمعا في مصلحة او ظهور إعلامي بات يمثل مرضا حقيقيا في المجتمع التونسي . إن اكبر نجاح ربما حققته ايّام قرطاج السينمائية هو إنساء جمهور المهرجان على الأقل ، فاجعة العملية الإرهابية الاخيرة في شارع بورقيبة و عراك « الساسة « و أشباه المحللين في القنوات الإذاعية و التلفزيونية التي أرقت المشاهدين و المواطنين . و حتى « الساسة « الذين حاولوا استثمار المهرجان بالظهور في بعض محافله و احتفالاته لم تتجاوز صورهم مواقع التواصل الاجتماعي و بعض الفقرات التلفزيونية الموغلة في الإثارة الرخيصة . ودع شارع بورقيبة احتفالات ايّام قرطاج السينمائية و حركة الجمهور التي مددت في حياة العاصمة ليلا و التي كانت لا تتجاوز يوميا الساعة التاسعة مساء . بداية من يوم غد ستعود العاصمة الى سباتها و يتوقف نشاط المحال التجارية و الترفيهية بعيد غروب الشمس ، و توصد أبواب قاعات السينما في التاسعة ليلا ، و يفسح المجال من جديد للقنوات التلفزية لتنفرد بنا و تفعل فينا ما تفعل . هل قدر التونسي مهرجان ايّام قرطاج السينمائية او مهرجان ايّام قرطاج المسرحية في كل يوم حتى يتخلص من ارق الحياة و ما فعله الساسة فيه ؟ لماذا لا تعتبر الحكومة و المسؤولين عموما من هذه التظاهرة و غيرها لخلق مشهد جديد في البلاد ، او على الأقل في وسط العاصمة ، يبعث على الأمل و يعيد الحياة الى المواطنين ؟ أين شيخة المدينة التي يبدو انها اكتفت بامتيازات المشيخة وهي اخر طموحاتها على ما يبدو ، لترسم وسط العاصمة صورة جديدة تبعث الابتسامة و الفرح و التفاؤل في نفوس المواطنين الذين ضاقوا ذرعا من عراك الساسة و تواطئهم على هذا الشعب المسكين المثقل بهموم الحياة التي أفرزتها احداث 14 جانفي ذات صبيحة مشؤومة . في فرنسا كان وسط مدينة مونبليي الى وقت قريب اشبه بشارع بورقيبة اليوم موحشا بلا حياة فجاءت بلدية المدينة و قررت ان ترسم لوحة جديدة تليق بمتساكني المدينة و أحوازها من الطلبة بالخصوص ، فانتدبت كل العاملين في عروض الشارع و قامت بتشغيلهم بالتداول ، و منحت اصحاب المحال الترفيهية من مقاه و مطاعم و حانات تراخيص تمديد في أوقات العمل الى وقت متأخر من الليل . و هكذا أصبحت ساحة الكوميدي ( place de la comédie ) وسط مدينة مونبليي من اجمل الأماكن السياحية في فرنسا يؤمها السياح من كل بقاع العالم . الم يكن وسط العاصمة الى حدود سبعينيات القرن الماضي مليئا بالحياة و الحركة مثل ساحة الكوميدي الفرنسية ، فلماذا يحرمون شعبا يؤكد في كل يوم انه محب للحياة حتى و ان فجر كل الإرهابيين أنفسهم من حوله ؟ ألم يعش هذا الشعب عملية ارهابية تنفذ بجانبه قبل ايّام معدودة ، و مع ذلك يصر على المضي في نفس المكان غير عابئ ! انتهت ايّام قرطاج السينمائية و لكن حب التونسيين للسينما و الحياة بشكل خاص لن ينتهي .