خلال اضراب الوظيفة العمومية الذي حقق نسبة نجاح 100 % حسب مصادر نقابية، غصت امس ساحة باردو بآلاف المتظاهرين ممن توافدوا منذ الساعات الاولى جماعات وافواجا رافعين شعارات ضد الحكومة متهمينها بالارتهان لصندوق النقد الدولي داعين إياها الى الاستقالة . تونس (الشروق) لم يكن المشهد امس بساحة باردو عاديا حيث امتزجت الراية الوطنية مع راية الاتحاد العام التونسي للشغل خيمة الاجراء والشغالين، ورفعت اللافتات، فلخصت مطالب قطاع الوظيفة العمومية وترجمت حجم الظلم الذي أحسّته هذه الشريحة … تعالت الهتافات والشعارات التي اختلفت وتعددت، لتصب جميعها في خانة رفضهم لسياسة الحكومة المعتمدة في التعامل معهم . كبارا وصغارا، رجالا ونساء وشيوخا، قدموا من مختلف الأسلاك والقطاعات التابعة للوظيفة العمومية تنديدا بتعنت الحكومة واصرارها على عدم الاستجابة لمطالبهم الدنيا في إطار المفاوضات الدورية مع المركزية النقابية خضوعا لاوامر واملاءات صندوق النقد الدولي ما افقد تونس سيادتها الوطنية وفق تعبيرهم. واكد المحتجون تمسكهم بمواصلة الاحتجاج دفاعا عن مطالبهم المشروعة ضد ما وصفوه بحكومة العجز وتجويع الكادحين لصالح فئة ضيقة من المهربين والمتهربين وبارونات الفساد واقتصاد الجريمة الذي استفحل ودمر الحياة الاقتصادية والعامة بالبلاد داعين نواب الشعب الى اليقضة تجاه ما يحاك ضدهم وضد البلاد والفطنة الى الخطر الذي بات يحدق بالطبقة الشغيلة . شعارات اختلفت شعارات المحتجين وتنوعت لتتحد في موقف واحد رافض للسياسة الاقتصادية والاجتماعية «اللاشعبية واللاوطنية» المتبعة والتي لم تزدهم الا فقرا واهتراء لمقدرتهم الشرائية. ومن بين هذه الشعارات «الزيادة استحقاق يا عصابة السراق»، «لا خوف لا رعب السلطة بيد الشعب» و»يا حكومة يا شرعية اخرج سوينا الوضعية»و»لا لا التجويع يا حكومة التطبيع» و»البلاد مش للبيع يا حكومة التطبيع» و»معا من اجل السيادة الوطنية «. وبين الحين والاخر ترتفع الأصوات عاليا مرددة عبارة «ديقاج «، منادية باسقاط الحكومة متهمة إياها بالفشل في حسن إدارة البلاد والعجز عن النهوض بالاقتصاد الوطني والاستجابة لتطلعات الشعب ولانتظاراته والارتهان لصندوق النقد الدولي ما يجعل مسالة استقالتها أمرا مفروضا على حد تعبيرهم . واكد النقابي الحبيب جرجير في تصريح للشروق ان الوضع الذي وصلنا اليه الْيَوْمَ وهذا الغضب الشعبي الواضح هو نتاج عملية احباط لانتظارات لم تتحقق ما يؤكد فشل المنوال الاقتصادي والسياسي المعتمد مضيفا ان تحسن أجر العامل قابله تردي مقدرته الشرائية بصفة ملحوظة والسبب في ذلك هو ان الإصلاحات الكبرى والمهمة كإرساء العدالة الاجتماعية ومقاومة التهرب الضريبي والتهريب والاحتكار لم يشهد اي تقدم في الإصلاح بل استفحلت المسألة اكثر واصبحنا نلاحظ لوبيات ومافيات فساد برعاية جهات حكومية وحزبية . واشار الحبيب جرجير ان الأزمة الْيَوْمَ أعمق من استقالة الحكومة باعتبارها نتاج لقانون انتخابي ونظام سياسي فاشلين وغياب لتقاليد ديمقراطية صحيحة، فالإصلاح أعمق واهم من مجرد اقالة حكومة اوبعض وزراء ويمكن للاتحاد والمجتمع المدني ان يقوم بمبادرة لحماية حريتنا وديمقراطيتنا المهددة من هذه الممارسات وخاصة من الحيف الاجتماعي وتفاقم الفقر والتهميش والحاجة . ارتباك السلطة واكد المنسق العام لحركة تونس إلى الأمام عبيد البريكي ان الوضع الذي تعيشه تونس الْيَوْمَ قد ادرك مرحلته القصوى من التعقيد والتأزم وان الأزمة السياسية هي وعاء اجتماعي مشيرا الى ان المظهر الأساسي للأزمة الاجتماعية الخانقة هي ان القرار المتعلق بالشان الداخلي اصبح مسلوبا من قبل قوى اخرى خارجية تتحكم فيه . واضاف عبيد البريكي ان الدلالة الاساسية لإضراب الوظيفة العمومية امس هي الدفاع عن السيادة الوطنية وهي شان عام لا يقتصر على الجانب النقابي فحسب مؤكدا ان تأجيل الجلسة البرلمانية المتعلقة بمناقشة ميزانية 2019 التي كانت مبرمجة ليوم امس يؤكد ارتباك السلطة وعندما ترتبك السلطة تصبح قراراتها غير خاضعة الى اَي منطق ونحن في مرحلة عّم فيها الارتباك وأصبحت فيها كل القرارات مرتجلة وفق قوله . الامر ذاته عبر عنه الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للبريد الساسي بن سعيد مشيرا الى ان الجلسة التفاوضية الاخيرة التي جمعت بين الشاهد والطبوبي كشفت النقاب عن غياب القرار الوطني وسيادة البلاد وقال ان شعور المواطن العادي بغياب سلطة الدولة في كل المجالات على غاية من الخطورة وان وجود هذه الوفود امام مجلس النواب تأكيد على ان الاتحاد هوالوحيد الذي يحمل هم شعبه وهو القاطرة الاولى التي ستحاول اخراج البلاد من هذا الوضع المزري. وقد شهد اضراب اعوان الوظيفة العمومية مساندة عريضة من قبل عديد الأحزاب والمنظمات التي عبرت عن دعمها لمطالب المحتجين حيث حضرت عديد الوجوه السياسية والحقوقية على غرار حمه الهمامي وعمار عمروسية عن الجبهة الشعبية وزهير حمدي عن التيار الشعبي وعبيد البريكي عن حركة تونس الى الامام وأنس الحطاب عن نداء تونس الى جانب أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد وغيرهم من الشخصيات الاخرى التي عبرت عن تضامنها مع هذا التحرك الاحتجاجي الذي يهم اكثر من 650 الف عون في الوظيفة العمومية كما شهد هذا التجمع العمالي الحاشد حضورا أمنيا مكثفا طوَّق كافة المنافذ المؤدية الى ساحة بارود كما حضرت وسائل إعلامية مختلفة وطنية واجنبية لتغطية هذا الحدث النقابي والوطني الهام .