يأمل عموم التونسيين في أن تكون انتخابات 2019 بداية المرحلة السياسية الدائمة والمستقرة ومنطلق المعالجات الاقتصادية والاجتماعية التي طال انتظارها غير أن جملة الاشكاليات المطروحة حول وضعية الهيئة ومازاد عليها من تجاذب سياسي واجواء يأس اجتماعي تزيد من منسوب المناخ الضبابي وتدفع الى انعكاسات سلبية. تونس-: حسابيا لم يعد يفصل عن الاستحقاقات الانتخابية الوطنية سوى 10 أشهر حيث يٌفترض بالمناخ العام أن يكون في حالة استعداد لاختيار البرامج الجادة والتصورات العملية لإنقاذ الاوضاع المتردية على أكثر من صعيد، غير أن توق المواطنين الى الأفضل يصطدم بكوكبة من الاشكاليات والمناكفات في اكثر من مجال لتزيد من منسوب الاحباط والابقاء على ضبابية المستقبل. ولما كانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المؤتمنة على المسار الانتخابي والمسؤولة تقنيا على انجاح مواعيدها فان ما يلفها من صراع مركّب ومستمر يضعها اليوم موضع تشكيك طالما وأن ملفات استقالة شفيق صرصار واقالة محمد التليلي المنصري مازالت عصية عن كشف اسرارها العميقة. ولئن قرر مكتب البرلمان مؤخرا عقد جلسة عامة يوم 21 ديسمبر الجاري لانتخاب رئيس جديد للهيئة وتجديد عضوية 3 من اعضائها وفق مبدإ التجديد الثلثي المدرج في قانونها الاساسي فان غياب اعضاء مجلس الهيئة الخميس الماضي عن جلسة المصادقة على ميزانية الهيئة في البرلمان دليل واضح على ان الوضع داخل الهيئة غير عادي وان الاشكاليات اصبحت ظاهرة للعيان فهل يمكن لمن تبادلوا توزيع الاتهامات في ما بينهم بالأمس أن يعملوا في مناخات سليمة غدا ؟ كما لا تبعث الكواليس البرلمانية على أي بصيص للأمل نحو الخروج من أزمة الهيئة حيث مازال الانقسام يشق الكتل البرلمانية ويحول دون التوافق لا على شكل مسار المعالجة سواء بتقديم التجديد الثلثي على انتخاب الرئيس ولا على التوافق بشأن الرئيس الجديد، يضاف اليه أن المبادرة المقترحة لتقدم مجلس الهيئة لانتخاب رئيس مؤقت جديد من تلقاء نفسه لم تجد الآذان الصاغية بما زاد من اتهام مجلس الهيئة بالخضوع الى توجيهات الاجندات السياسية المتباينة والتي تتخذ شكل نزاعات تقنية تحجب رغبات سياسية مختلفة يريد بعضها المرور بقوة فيما يذهب آخرون الى التأجيل والاستفادة من حالة العطالة غير المسبوقة لهيئة الانتخابات والتي لم يجتمع مجلسها منذ 4 سبتمبر الماضي. نفور المواطنين من المشاركة في الانتخابات يرتبط ايضا وبشكل اساسي بتعفن المناخ السياسي حيث تتزايد نسب العزوف المتوقعة لسببين رئيسيين اولهما أن ما ترسخ في الأذهان لعموم التونسيين أن «النخبة السياسية» تحيد تماما عن قضاياه الاساسية ومنخرطة بشكل كامل في العبث السياسي وحسابات التموقع والصراعات الجانبية ، وثانيهما أن هؤلاء السياسيين لم يحاولوا بأي شكل من الأشكال استمالة «الجسم الانتخابي العازف عن الانتخابات». كل هذه المؤشرات للمناخات المنفرة تتغذى ايضا من حالة الاحتقان الاجتماعي نتيجة غياب الاصلاحات الحقيقية بشكل بات معه كل خطاب سياسي ذي منحى اجتماعي اليوم محل تشكيك من قبل المواطنين ان لم تتبعه اتهامات بالتوظيف ومحاولة الركوب على الاحداث لأن النخبة السياسية في نظر جل التونسيين هي واحدة لا تقبل التجزئة ومساهمة في نظرهم بأشكال متفاوتة في تأزم الاوضاع وانهيار المقدرة الشرائية. في المحصلة من العبث الحديث عن امكانية تأجيل الاستحقاقات الانتخابية التي حددت مواعيدها بآجال دستورية تتقاطع مع صورة تونس في الداخل والخارج لكن هل سيدفع اجراؤها الى تنافس جاد على البرامج والتصورات وانتاج نخبة جديدة وفاعلة أم ستظل دار لقمان على حالها ؟