غضب شعبي عارم تعيش على وقعه تونس منذ أسابيع شمل عديد القطاعات والأسلاك اما بسبب تباطؤ الحكومة في تفعيل وعودها في التنمية والتشغيل ومقاومة الفساد أو جراء «انقلابها «عن الاتفاقيات المبرمة معها علاوة على ما تضمنه قانون المالية 2019 من قرارات «مجحفة» في حق هذه القطاعات المنتفضة. تونس الشروق: مناخ اجتماعي متوتر أخذت رقعته تتسع يوما بعد آخر لتعمّ الاحتجاجات أغلب القطاعات في العديد من الجهات الامر الذي بات ينذر بانفجار اجتماعي حقيقي في صورة عدم الاسراع بتطويق الأزمة والوقوف عند أسبابها ومسبباتها والبحث عن الحلول الكفيلة بامتصاص غضب المحتجين بعيدا عن سياسة التطمينات التي لم تعد تجد نفعا لدى هؤلاء ممن أعلنوا «حربهم» ضد السياسة المعتمدة في التعامل مع مطالبهم. ولئن انطلقت هذه الاحتجاجات ببعض المناطق الداخلية ضد غياب التنمية والتشغيل في ظل الارتفاع المشط للاسعار وعجز المقدرة الشرائية فإن رقعتها أخذت تتسع لتشمل هذه المرة أغلب القطاعات بمختلف الولايات التي تشهد احتجاجات مختلفة ومتنوعة تراوحت بين الاضراب والاعتصام والمسيرات في الشوارع ومقاطعة الامتحانات التلمذية والجامعية وغيرها من أشكال التصعيد دفاعا عن مستحقاتهم ورفضا لسياسة تعامل السلطة مع جملة المطالب الشعبية «العاجلة والحارقة». فهذه الجامعة العامة للتعليم الثانوي تحسم أمرها وتعلن قرار «اللاعودة» عن مربع الاحتجاجات التي سطرته هيئتها الادارية القطاعية والذي أخذ منحى تصاعديا انطلق بوقفات احتجاجية تلته مقاطعة لامتحانات الثلاثي الاول والدخول في اعتصامات بالمندوبيات الجهوية للتربية لينتهي بتجمع وطني يوم 19 ديسمبر الجاري أمام مقر وزارة التربية في انتظار عقد هيئة ادارية ثانية واتخاذ قرارات جديدة وصفت «بالمحرجة و الموجعة». وتلك جامعة التعليم العالي والبحث العلمي تستعد للدخول في اعتصام مفتوح داخل مقر الوزارة احتجاجا على ما وصفته بالتراجعات الحاصلة عن تفعيل الاتفاقيات المبرمة بينها وبين سلطة الاشراف المتعلقة بمطالب الجامعيين. بالتوازي مع ذلك وبعد قراره حجب أعداد الأشغال التطبيقية وفروض المراقبة ، اتخذ اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين «إجابة» خطوة تصعيدية جديدة تمثلت في الدخول في إضراب إداري بكامل المؤسسات الجامعية والامتناع عن إعطاء تقارير البحث السنوية الفردية بالنسبة للأساتذة الباحثين في كلّ مراكز البحث العلمي ، احتجاجا على «انقلاب»سلطة الاشراف عن اتّفاق 7 جوان 2018 المتعلق باحترام سلم التأجير في الوظيفة العمومية وفتح خطط الانتداب للدكاترة المعطلين عن العمل وتعنتها في الاستجابة لمطالبهم التي تعاقبت عليها الحكومات. ولم تستثن ثورة المحتجين الأساتذة والمعلمين النواب وعمّال الحضائر الذين انطلقت احتجاجاتهم على مستوى جهوي منذ تاريخ 5 ديسمبر الجاري تعبيرا عن رفضهم للسياسات «اللاعادلة» في حقهم مطالبين بالإسراع في تسوية وضعياتهم المهنية عبر الإدماج عملا بما ينص عليه الاتفاق المبرم بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 22 افريل 2011 القاضي بإلغاء العمل بالمناولة بصفة رسمية في القطاع العام والقطع مع سياسة التشغيل الهش. قانون مجحف هذا التوتر الاجتماعي والغليان الذي تعيشه اغلب القطاعات الحيوية في البلاد ، زاد في تأجيجها قانون المالية لسنة 2019 لما تضمنه من قرارات وإجراءات وصفت بالمجحفة في حق العديد من القطاعات ما دفع باتحاد المهن الحرة الى الخروج أمس في مسيرة احتجاجية حاشدة انطلقت من قصر العدالة وصولا الى ساحة الحكومة بالقصبة تعبيرا عن رفض توظيف عبء جبائي جديد نسبته 1 % من رقم المعاملات على أطباء القطاع الخاص ومسديي الخدمات الصحية بصفة عامة في القطاع الخاص الذي ذكر في الفصل 55 من قانون الماليّة لسنة 2019 الى جانب رفض الفصل 33 من قانون المالية المتعلق بالسر المهني والذي اثار احتجاج المحامين (خاضوا إضرابا بثلاثة ايام) والخبراء المحاسبين ومحترفي المحاسبة لما فيه من مساس بمبادئ المهن الحرة وخصوصيتها. تنازلات كل هذه التحرّكات الاحتجاجية التي أخذت وتيرتها تتصاعد يوما بعد آخر والتي تكشف مدى تنامي الشعور بالغضب وتترجم عمق الأزمة ، تستوجب الْيَوْمَ ضرورة التدخل العاجل من مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية والهياكل والمنظمات والجمعيات لتطويق الأزمة وإيجاد حلول جذرية من شأنها امتصاص غضب الشارع وما يمكن ان يترتب عنه من انعكاسات سلبية على جميع المستويات. هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي تعيشها تونس في ظل ضبابية المشهد السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي وتوتر المناخ الاجتماعي، يفرض على الجميع تقديم التنازلات اللازمة التي من شأنها اخراج البلاد من عنق الزجاجة والنأي بها عما يترصدها من ارهاب وتهريب وفساد و إفساد بعيدا عن سياسة لي الذراع والحلول الترقيعية التي لن تحل الاشكال بقدر ما تزيد في تعميقه. فعلى الحكومة الْيَوْمَ وبعد وصولنا الى هذا الشوط الساخن من الاحتجاجات القطع مع سياسة الالتفاف على الاتفاقيات المبرمة معها والابتعاد عن التصريحات الاستفزازية وعن سياسة التهديد ، والبحث عن حلول جدية في كنف الحوار والتفاوض مع الهياكل النقابية المطالبة هي الاخرى بالرجوع الى طاولة الحوار بعيدا عن سياسة التصعيد خدمة للمصلحة العامة.