تَطرّقنا في عدد أمس إلى الخِبرات التي اكتسبها الترجي في إدارة الأزمات وقد استشهدنا في هذا السّياق بتغلّب الجمعية على فِقدان زويتن الذي قد يكون الرئيس الأفضل لكلّ الأوقات. وَبَعد أن تَجاوزت العائلة الترجية تلك «المِحنة» بسلام سَيعيش شيخ الأندية التونسية مَطلع السّبعينيات أعنف الهزّات ولن نُبالغ في شيء إذا قُلنا إن الأزمة المُتحدّث عنها قد تكون الأخطر في تاريخ «المكشخين» الذين كان مُستقبل فريقهم على كفّ عفريت. فما هي مُلابسات هذه الأزمة التي اختلفت حَولها الآراء والتي يَتناقل البعض تفاصيلها بشكل مَغلوط؟ عندما تَختلط السياسة بالرياضة خلال موسم 1970 - 1971 كان شيخ الأندية يُنافس بقوّة على لقبي البطولة والكأس ولم يَخطر على بال أحد أن هذا الحلم سينتهي بكَابوس مُزعج ويَأبى السّقوط من الذاكرة الترجية. وتجتمع الوقائع المُوثّقة مع الشهادات الحَيّة للمواكبين لتلك الفترة لتؤكد أن الأحداث المُؤسفة التي عرفها الترجي في صائفة 71 تَفوح منها رائحة السياسة والحِسابات الخَفية. فقد تقرّر إجراء «فينال» الكأس بين الترجي و»السي .آس .آس» بتاريخ 13 جوان 1971 في المنزه وسط احتقان كبير في صفوف «المكشخين» الذين كانوا قد طَالبوا بتقديم المُنافسات المُتبقية من عمر البطولة قبل اختتام الموسم بعُرس الكأس. الهدف من مَطلب الترجي لم يكن من باب احترام التَسلسل المنطقي للأحداث الرياضية فحسب بل أن نادي «باب سويقة» كان يُمنّي النفس بالاستفادة من تقديم لقاءات البطولة على نهائي الكأس ليسترجع خدمات مدافعيه الصّلبين و»المُعاقبين» أحمد الهمّامي وعبد القادر بن سايل ويُؤهلهما لخوض «الفِينال». وقد ضربت الهياكل الرياّضية مطلب الترجي بعرض الحائط تحت ضغط السلطات السياسية التي اتّهمها الترجيون بصفة علانية بأنها «تَحاملت» عليهم والوصف لعبد المجيد بن مراد الذي له قصّة طويلة وشهيرة مع «حَريقة المنزه» (هذا المُصطلح وقع استخدامه في أغاني الترجي تخليدا لتلك الأحداث الدّامية). عنف وشغب الوضع كان يُنذر بالانفجار ومع ذلك فإن «فِينال» الكأس دار في الموعد المُعلن عنه وقد خرج اللّقاء فعلا عن المَسار الطبيعي خاصّة أن جماهير الترجي حضرت مباراة 13 جوان بعد أن كانت قد هَدّدت بمقاطعة «الفِينال» لولا التدخّل الرشيق للسيّد علي الزواوي (رئيس الفريق بين 1968 و1971). وقد «تَحالف» غضب الأنصار مع هدف الطّرابلسي في شباك القابسي لِيُشعلا الأجواء. وكان النادي الصّفاقسي قد افتتح النتيجة بعد دقيقة أودقيقتين من انطلاق المباراة وذلك عن طريق عبد الوهاب الطرابلسي وكان الهدف بطريقة جميلة ومن مَسافة بعيدة. وقد شهدت المباراة أحداث عنف وشغب فَضلا عن رشق السياسيين الحَاضرين بالمقذوفات بحكم أنّهم كانوا من وجهة نظر الترجيين المسؤول الأوّل عن إفساد «الفِينال» بفعل قراراتهم «التَعسّفية» على الفريق. بورقيبة يُعيد الأمور إلى نصابها «اللّهيب» الرياضي - السياسي الذي اجتاح قمّة المنزه في 1971 أفرز نتائج وخيمة في ساحة «باب سويقة» بما أن إدارة علي الزواوي أعلنت عن الانسحاب بعد تَكليف هيئة مُؤقّتة لتسيير شؤون الجمعية التي تلقّت جماهيرها صَدمة عنيفة بعد القرارات الخَطيرة والصّادرة عن السّلطات الرياضية والأمنية. فقد تمّ الإعلان عن «تَجميد» نشاط الجمعية فَضلا عن إجراء بقية المُباريات دون حضور الجمهور وحلّ لجنة الأحباء مع ايقاف نشر مجلّة الترجي... حدثت كلّ هذه التجاوزات الخَطيرة والقرارات الكبيرة وسط غياب الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي كان في تلك الفترة خارج تونس من أجل التَداوي. وعند رجوعه إلى أرض الوطن في تلك الصائفة السّاخنة وجد في استقباله الجماهير الترجية الغاضبة والتي ردّدت بصوت واحد: «الترجي يا بورقيبة». وبعد أن فَهم الرئيس (وهو رجل القانون) القِصّة بكلّ خَفاياها أمر بإعادة الأمور إلى نِصابها وذلك بعد حوالي 40 يوما من «التَجميد» وهي العِبارة الأنسب والأصحّ لما عاشه الترجي الذي خسر آنذاك الكأس على الميدان وأضاع البطولة بعد قرار حجب كافّة نتائجه في ذلك المَوسم المُثير. ومن المعلوم أن بعض الجهات تَتناقل أخبار تلك الحادثة على أساس أن الترجي وقع «حَلّه» أوانزاله إلى الدرجة الثانية في حين أن الواقع يؤكد العكس خاصّة إذا عرفنا أن الفريق أحرز البطولة في 1970 وخاض منافسات بطولة 1971 إلى حُدود الجولة 21 (كان الثاني يوم 13 جوان وتَنقصة 5 مُباريات). أمّا في موسم 71 - 72 فقد كان النادي مُتواجدا بصفة عادية في القسم الأوّل خاصّة أن عقوبة الايقاف كما أسلفنا الذّكر لم تستغرق سوى 40 يوما وبالتحديد من 13 جوان 71 إلى 24 جويلية وهو اليوم الذي ألقى فيه بورقيبة خِطابا سياسيا - رياضيا تطرّق فيه إلى ذكرى عيد الجمهورية وعَرّج من خلاله عن الدور البارز للترجي على الصّعيدين الوطني والكروي. وُقوف بورقيبة في صفّ شيخ الأندية تَعتبره العائلة الترجية قرارا مُنصفا لفريقها الذي كاد أن يُواجه المجهول بفعل الحِسابات السياسية. وفي الأثناء قد يفتح البعض باب النّقاشات عن «أسرار» العَلاقة التاريخية بين بورقيبة والترجي وهذا ما سنكتشفه في حَلقة الغد التي سنتعرّف أثناءها كذلك على الطريقة التي ردّ بها نجم الفريق عبد المجيد بن مراد على هدف الطرابلسي وأحداث المنزه عام 1971. (يُتبع). أحداث 1971 في سطور 9 جوان 1971: رفض طلب الترجي بإجراء مُقابلته المُؤجلة في البطولة قبل «فينال» الكأس (ما يَعني حِرمانه من مُدافعيه الهمامي وبن سايل في الدور النهائي) 13 جوان 1971: النادي الصفاقسي يفوز بالكأس على حساب الترجي وسط مَوجة من العنف والشغب. 14 جوان 1971: رئيس الترجي علي الزواوي يَستنكر أحداث المنزه ويُعلن الاستقالة. - الإعلان عن تجميد نشاط الترجي 19 جوان 1971: عودة بورقيبة إلى تونس وسط هُتافات الترجيين المنادين بتصحيح الوضع 24 جويلية 1971: خطاب بورقيبة عن ذكرى عيد الجمهورية وعودة الترجي إلى سالف نشاطه 28 جويلية 1971: الاختيار على المرحوم حسّان بلخوجة لقيادة الترجي