لا شكّ أنّ الإضراب العام الذي عاشت على وقعه بلادنا يوم أمس يطرح أكثر من سؤال ويدعو الى اكثر من استنتاج. وحين نبدأ بالاستنتاجات فانّ ما يمكن الاشارة اليه ايجابيا يتمثّل في أن يوم الاضراب العام قد مرّ بشكل عادي وهوما يحسب لكلّ الأطراف المعنية بادارته ويمثل في حد ذاته دليلا آخر على أنّ تونس قد حققت مكاسب قد تكون هشة ولكنها مهمة في ما يتعلّق بتبنّي التقاليد الديمقراطية وتجنّب كل أشكال العنف والمواجهة. والاستنتاج الثاني يرتبط بما سبقه لأنّه بقدر ما نعتز بمكاسبنا بقدر ما تجعلنا هشاشتها نخشى عليها من الضياع والانتكاس ذلك أنّ الاضراب العام تنزّل في سياق ظرف وطني وإقليمي حساس ودقيق وهو ما يجعلنا نعتبر أنّه من الضروري العمل منذ الآن حتى لا يتكرّر فالخسائر الاقتصادية متأكّدة لأّنّ توتّر العلاقات الاجتماعية لا يشجّع بكل تأكيد على العمل والاستثمار ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحفّز الاقتصاد ويجعله يتجاوز منطقة الركود والتوتّر. والاضراب العام هوايضا دليل على حالة ضعف معمّم تعيشها كل القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأنّ الجميع يعلم أنّ هامش المناورة قد بدأ يضيق أمام الاتحاد العام التونسي للشغل كما أنّ رئاسة الجمهورية والحكومة لا يمكنهما بأي حال من الأحوال ان يعتبرا حصول الاضراب العام في عهدهما أمرا يحسب لهما. لقد أكّدت هذه الاطراف بمثل هذه الممارسات عجزها عن تدبير خلافاتها وفشلها في مواجهة التحديات الحقيقية في علاقتها بمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية كما أثبتت عجزها الواضح عن السمو على حساباتها السياسية الضيقة. إن المرحلة الراهنة بتحدياتها الكبرى تسائل الجميع بلا استثناء في الحكومة وفي رئاسة الجمهورية كما في الاتّحاد العام التونسي للشغل ومختلف الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية لكن ما ينبغي أن يستوقفنا اليوم هوأن نركّز على الأهم. ولا شكّ أنّ الأهمّ اليوم هو بحث كيفية الانقاذ والخروج من هذه الانزلاقات الخطيرة وتدبير خلافاتنا بصورة بنّاءة بعيدا عن مظاهر التشنج والعنف بكل صوره، ذلك أن الجنوح الى تحريك الشارع وتبادل الاتهامات يشكل انحرافا عن الطرح المفيد للقضايا ولا يخدم بأي حال من الأحوال المصلحة العامة للوطن. ان التمادي في هذا الصراع اليوم، بات أمرا يدعو الى القلق ويحفّز على دق ناقوس الخطر، لكن أخطر ما فيه أن ينشغل البعض بتقاذف كرة المسؤولية بينما البلاد تغرق في أزمة مدمّرة باتت تؤشر الى مرحلة خطيرة، خصوصاً في ظلّ التآكل المتمادي للدولة وانهيار مؤسساتها وشبح الأزمة الاقتصادية الذي يطل برأسه من يوم الى آخر بأكثر بشاعة. مخطئ من يعتقد أنّ منطق التصعيد سيؤدي إلى تحقيق مكاسب بل على العكس من ذلك لا يُمكن إلاّ أن يكون مدخلا إلى الفوضى وأن يتدحرج بالأزمة الى مستويات غير مسبوقة سيكون من الصعب الخروج منها ما لم يعمد كل طرف الى التنازل وتحكيم صوت العقل تفادياً لبلوغ مرحلة «حرق المراكب».