واضح جدا أن الخلاف حاد جدا بين الاتحاد العام التونسي للشعل والحكومة وبعض مكونات المجتمعين السياسي والمدني في بلادنا. النقطة المهمة في الخلاف الحاصل وتمظهراته المتعددة هو أنّه بدأ يطوي صفحة الغيبوبة ويدرك أن جوهر الأزمة اقتصادي بالأساس. وهنا نذكر أنّه في بداية مرحلة ما بعد الثورة حاولت أصوات كثيرة التذكير أن سبب الثورة الحقيقي إنّما يعود إلى أسباب اقتصادية ذات صلة بالبطالة والفقر ولكن لم ينصت لهذه الأصوات ولهذه القراءة أحد. فكان التركيز على الجانب الحرياتي والسياسي مع إهمال تام للتفكير في الحلول التنموية وفي كيفية دوران عجلة الاقتصاد. حاليا بدأ الحديث يتغير خصوصا أن انهيار الدينار التونسي وأيضا تزايد تراجع المقدرة الشرائية للمواطن جعلا الجميع على بينة من الواقع ومخاوفه. غير أن الخلاف الحاصل مازال يجانب العقلانية وسنضرب مثالا على ملاحظتنا هذه: لقد تواتر ذكر صندوق النقد الدولي بشكل وكأنه مسؤول عن المشاكل الاقتصادية التونسية. ويبدو لنا أن هذه المقاربة للصندوق النقد الدولي تكشف عن ضبابية في الرؤية ورغبة في عدم اعتماد المنطق وإلقاء المسؤولية على الغير. ذلك أن إملاءات صندوق النقد الدولي صحيح هي قاسية وضاغطة ولكنها لا تستهدف تونس. بمعنى أن للصندوق مقاربة تتبعها مع كل البلدان التي تعرف أزمة وتحتاج إلى صندوق النقد الدولي الذي يمتلك رؤية موحدة مع كل الدول تطرح كيفية معالجة الأزمات. كما أن صندوق النقد الدولي يشترط في منح القروض القيام بتغيرات اقتصادية لتعديل التصرف في الأموال العمومية وإحراز تقدم اقتصادي متوازن. أيضا لا ننسى أن صندوق النقد الدولي فيها 189 من بينها تونس التي من المفروض أن ممثليها يعلمون جيدا الشروط. مع العلم أن هذه الشروط تنضوي ضمن مقاربة اقتصادية كاملة للحل ولمعالجة الأزمة. ومنطقي جدا أن يضمن صندوق النقد الدولي تطبيق المقاربة التي تسمح بتسديد بلادنا للقروض. بيت القصيد: المشكل في تراكمات الأخطاء في كيفية معالجة المطالب الاجتماعية وحل المشاكل المالية والاقتصادية وليست في الجهات التي تقدم القروض. نحن من يتحمل مسؤولية الأزمة وليس غيرنا. فالخلاف يجب أن يركز على نقد الخيارات الاقتصادية وعلى تعطل عجلة التنمية. النقد يجب أن نوجهه نحو أنفسنا ونشمر عن سواعد العمل واحترام الكفاءات والقطع مع البيروقراطية واستقطاب رؤوس الأموال وتشجيعهم. إنّ شتم صندوق النقد الدولي وتوجيه الاتهامات له لن يجدينا نفعا. فنحن المسؤولون ونحن من يجب القطع مع الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه.