نجحت الاطراف السياسية أول أمس في انهاء ازمة هيئة الانتخابات واتضح ان قدر البلاد في الأزمات الكبرى هو التوافق، وهو ما يجعل الآمال عالقة على مزيد من التوافقات لانهاء بقية الأزمات. تونس - الشروق - تراكمت في الاشهر الاخيرة الأزمات والمشاكل المختلفة في البلاد والتي كان تاثيرها واضحا على الشأن العام في البلاد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا واصبحت سببا واضحا للتعطيل والشلل في مجالات حساسة. فمن أزمة التعليم الثانوي الى ازمة الزيادة في اجور الوظيفة العموميّة الى الازمات السياسية القائمة على غرار ملف العدالة الانتقالية وأزمة تعطل إرساء المحكمة الدستوريّة وغيرها من الهيئات الدستورية الى الجدل القائم حول تغيير النظام السياسي وتنقيح القانون الانتخابي وتنقيح بعض فصول الدستور فضلا عن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تسبب فيها تعطل الاصلاحات الجذرية المطلوبة في مجالات حساسة.. تواصل هذه الأزمات والتعطيلات المختلفة لفترات طويلة يدفع الى التساؤل باستمرار عن الاسباب وايضا عن كل الطرق والحلول الممكنة لحلحلتها. الحوار الوطني طوال السنوات الاخيرة مرت البلاد بأزمات عديدة كاد بعضها يعصف باستقرار البلاد. ففي سنة 2011 بلغ الجدل والعراك السياسي بين مختلف الاطراف السياسية حدا أقصى في ظل التشاور حول الخيارات السياسية الممكنة لما بعد الثورة. ووقع الاهتداء في الاخير صلب الهيأة العليا لتحقيق اهداف الثورة والانتقال السياسي الى جملة من التوافقات ابرزها تنظيم انتخابات مجلس تاسيسي واعادة صياغة الدستور وسن قانون مؤقت لتنظيم السلطات العمومية واصدار بعض المراسيم العاجلة لتنظيم مختلف الاشكاليات القائمة. وقد امكن تجاوز تلك الفترة الصعبة بسلام واجريت انتخابات 2011 وباشرت السلطات المنتخبة مهامها في اجواء من الانتقال السلمي للسلطة . ثم مر المجلس التاسيسي الى اعداد الدستور وتمكن رغم التعطيلات والصعوبات العديدة من اصدار دستور توافقي في جانفي 2014. وفي الاثناء برزت الازمة السياسية سنة 2013 عندما بلغ الاحتقان السياسي درجة غير مسبوقة جراء ارتفاع منسوب الارهاب والاغتيالات السياسية والمطالبة بوضع حد لحكومة الترويكا.. في تلك الفترة اهتدى الفاعلون على الساحة السياسية الى خيار الحوار الوطني باشراف رباعي المنظمات الوطنية وتوصل بعد صراعات ومشاكل عديدة الى خارطة طريق سياسية انهت الازمة سنة 2014 بانتخابات ناجحة مرت بعدها البلاد إلى بر الهدوء السياسي. هدوء سياسي بعد ذلك وعلى ضوء تلك الانتخابات ظهرت بوادر ازمة حول منظومة الحكم في ظل النتائج المحققة في التشريعية والتوازنات التي انتجها توزيع المقاعد في البرلمان.. فاهتدى الفاعلون على الساحة السياسية الى خيار التوافق في الحكم من خلال الحكم الائتلافي بين 4 مكونات في مرحلة اولى ثم وقع توسيعه الى حكومة وحدة وطنية سنة 2016 ضمت الاحزاب والمنظمات الوطنية بعد مشاورات وتوافقات عديدة انتهت بوثيقة قرطاج 1. ومطلع 2018 تواصل هذا التمشي التوافقي من خلال الدخول في مشاورات أخرى تحت راية « قرطاج 2» وتقدمت التوافقات في شانها لكنه وقع تعليقها منذ ماي الفارط ثم نجحت التوافقات مرة اخرى في تامين تنظيم الانتخابات البلدية. تقلبات بعد ذلك دخلت البلاد مجددا مرحلة تقلبات مختلفة تراوحت بين الصراعات السياسية حول ملفات عديدة ابرزها مصير الحكومة الحالية وحول هيأة الانتخابات وملف العدالة الانتقالية واستكمال ارساء الهيئات الدستورية والأزمات الاجتماعية بين الحكومة والطرف النقابي لا سيما ازمة الزيادة في اجور الوظيفة العمومية وازمة التعليم الثانوي. ويتضح في كل مرة أن غياب التوافق بين الفاعلين السياسيين في البلاد هو سبب كل ازمة رغم أن الاطراف الفاعلة حافظت على التقليد نفسه وهو الجلوس الى طاولة الحوار والتشاور والتفاوض. انفراج؟ في اليومين الأخيرين ظهرت بوادر انفراج على الاقل حول احدى اهم المسائل العالقة وهي أزمة هيأة الانتخابات التي ألقت بظلالها على حظوظ تنظيم انتخابات 2019 حيث وقع انهاؤها وأصبح تنظيم هذه الانتخابات مسألة وقت لا غير. وهو ما دفع بالمراقبين إلى القول إن إمكانية انهاء بقية الأزمات مازالت قائمة خصوصا في ظل تواصل تقليد الحوار والتفاوض رغم ما يحيط به من تشنج وتعطيلات. ويتحدث المتابعون منذ أمس عن بوادر انفراج في ازمة الثانوي وايضا في ازمة الزيادة في اجور الوظيفة العمومية كما اعتبر آخرون ان ملف الهيئات الدستورية وعلى راسها المحكمة الدستورية اصبح بدوره مسالة وقت لاغير وكذلك الشأن بالنسبة لملف العدالة الانتقالية رغم ما يحيط به من اشكاليات مختلفة. لا لسياسة الامر الواقع يتضح من خلال كل ذلك – في راي اغلب الخبراء والمتابعين – ان قدر البلاد اليوم هو التوصل في الاخير الى توافقات بين الفرقاء حول كل الازمات المختلفة. فقد أثبتت تجربة السنوات الماضية ان التصعيد من مختلف الاطراف يمكن ان يؤدي الى مزيد من الانسداد والى التعطيل والى إضاعة الوقت. وهو ما يجب ان تتفهمه كل الاطراف خصوصا ان محاولة البعض الانفراد بالراي وسياسة فرض الامر الواقع باستعمال اساليب المقايضة والترهيب والابتزاز لا يمكنها النجاح اليوم وأن المرونة في التفاوض وتقديم التنازلات من كل الاطراف ضرورة لا يمكن لاي كان استبعادها. أزمات انهتها التوافقات 2011: أزمة الخيارات السياسية التي سيقع اعتمادها وقعت حلحلتها داخل الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة 2013: ازمة سياسية خانقة وقع انهاؤها بفضل الحوار الوطني 2014: خلافات حول بعض فصول الدستور وقع تجاوزها بفضل التوافقات 2016: أزمة سياسية امكن تجاوزها بفضل مشاورات انتهت بحكومة وحدة وطنية وبوثيقة قرطاج 2018: ظهور بوادر أزمة وقعت محاولة حلحلتها بمشاورات قرطاج 2 لكن وقع تعليقها 2018: شكوك حول تنظيم الانتخابات البلدية لكن وقع تجاوزها بفضل التوافق 2018: ازمة كبرى احدثها قانون المالية ووقع تجاوزها في اللحظات الاخيرة استنادا إلى التوافق 2019: أزمة تعطل هيأة الانتخابات وقع انهاؤها ايضا صلب البرلمان بفضل التوافقات.