في مشاهد أشبه بالتخييل أو السرياليّة تدفعُ النخبة السياسية والإعلامية والثقافية الحياة الوطنية دفعا من جديد إلى مربّع المناكفات العبثيّة والتجاذبات الصبيانيّة العَدَميّة حول الهويّة وقضايا الدين ومدنيّة الدولة بالثنائية الكريهة: «الإسلام في خطر # أسلمة المجتمع». ليس هناك أخطر على المجتمع، أي مجتمع من صراع الهويّة، فهو مدخل دائم للفتنة والاحتراب الأهلي والتناحر وتقسيم المجتمعات والشعوب، وليس خافيا اليوم ما تعيشه دول عديدة من مظاهر مماثلة نتيجة صراع الطوائف والملل والنحل والتدافع حول الهيمنة من هذا الطرف أو ذاك. ظنّ كثيرون أنّ بلادنا قد تخطّت هذا المربّع الملغوم منذ المصادقة الجماعيّة على الدستور الجديد الذي فصَل كلّ النزاعات الايديولوجية والخلافات العقائديّة وأعطى مقدّمات بارزة لهوية الدولة المدنيّة العصرية وحرية المعتقد والضمير للمجتمع وواجب الدولة في حماية المعتقدات وفرض احترامها، ولكن للأسف عدنا فجأة، وربّما بتخطيط من بعض الجهات او الاطراف الى سماع نفس الشعارات التي ملأت الأجواء والساحات مباشرة إثر الثورة، وعاد الاستقطاب بشكله الحاد الى درجة تبادل اتهامات التكفير والتخوين وعودة اجندات الإقصاء والاستبعاد والاستئصال. معاول الهدم والتخريب عادت للتشكيك في كلّ شيء، وعادت لتهدّد السلم الأهلي، محاولات مدروسة لمزيد إنهاك الدولة وضرب مختلف مؤسّساتها التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائية والأمنيّة، ولا يُمكن لأيّة غاية أو هدف أن تُبرّر هذه العودة المجنونة المحمومة لأهواء الايديولوجيا العمياء أو نوايا تصفية الخصوم ولو كان ذلك بهدم أركان الاجتماع البشري التعددي المدني وقيم العيش الحضاري المشترك. هذا مسلك خاطئ دونما شكّ، بل هو نوع من العبث، لن يزيد أوضاع البلاد الاّ تعقيدا وتشابكا وخطورة ولن يفتح أمامها إلاّ سيناريوهات التوتّر والاحتقان والفوضى ومزيد انهاك مؤسّسات الدولة واضعافها لفائدة مختلف الجماعات الخارجة عن القانون من ارهابيين ومهرّبين ولوبيات فساد وجريمة منظمة وستضاعف من حجم تأثير مجموعات الضغط والمصالح. صراع خاطئ مشوبٌ بكم هائل من المخاوف والمحاذير: يُشتّت الجهد الأمني والعسكري ويُربكهُ، يضرب مصداقيّة القضاء، ويرفع منسوب الحقد والكراهيّة بين النَّاس.