نذكر مصر بالأفلام والمسلسلات أوّلا، و بالمقابلات الكرويّة ثانيا ، و بالأدب و الثقافة ثالثا ، وقلّما نذكرها في الآثار و الحضارة. وشهرة زاهي حواس بتخصّصه في الأهرامات تضاهي شهرة أمّ كلثوم في الغناء . وفي الأنترنات أشرطة "فيديو" عديدة يظهر فيها متكلّما عن نفسه قليلا وعن تاريخ بلده كثيرا بدقّة العالم وحماس المواطن الفخور بأمجاده ومثابرة المناضل في خدمة التراث تنقيبا ودراسة وتعريفا و استثمارا . وميزة زاهي حواس ، المستغني بتواضعه عن لقب دكتور ، أنّه صاحب رؤية وفاعل في الواقع . جعل السياحة الثقافيّة قوام الاقتصاد، ونشر الثقافة التاريخيّة بمختلف الوسائل و المحامل و اللغات والمستويات التعبيريّة ، من لغة أهل الاختصاص إلى لغة عامّة الناس، ومن الندوات الأكاديميّة إلى البرامج التلفزيّة. وفي جميعها تابعته وفهمته فيما اكتشفه شخصيّا وفيما توصّل إليه غيره ممّا أمكن وممّا لم يمكن حلّه من الألغاز و إيضاحه من العجائب. وكانت الحيرة هي الغالبة والجهل هو المنتصر على علوم الباحثين المفتونين بالمصريّات. وهذا موضوع كبير من التراث الإنساني الذي يعنينا نحن أيضا مع أشقّائنا.ولكن، للأسف الشديد ، وباستثناء حالات معدودات بنسبة واحد بالمائة ، هل وجدت دوريّاتنا العلميّة من يكتب لها في هذا الموضوع ؟ وهل استدعت فضائيّاتنا التلفزيّة خبيرا فيه يحدّثنا عنه ؟ وأغرب من هذا أنّ تلك الوسائل الاتّصاليّة لا تستضيف حتّى من يعرّفنا بتراثنا المادي واللاّمادي من أساتذة الجامعة وباحثي المعهد الوطني للتراث ومسؤولي وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية . والحال أنّ تراثنا الشاهد على هويّنا وقيمنا و إسهامنا في حضارة المتوسّط بالخصوص جدير بالعناية اللاّئقة به إلى حدّ يستوجب ترقية إدارته إلى كتابة دولة إذا تعذّرت الوزارة . فهو وحده حقيق بسياسة ممنهجة لحمايته و الاستثمار فيه بعد أن رأينا ما رأينا من عدوان صارخ عليه في أكثر من موقع و على أكثر من معلم. أذكر أنّه كانت تبرمج رحلة أثريّة لكلّ قسم من التعليم الثانوي مثل دقّة بالنسبة إلى تبرسق ومثل أوذنة بالنسبة إلى تونس رفقة أستاذ التاريخ . وهي رحلات تتكثّف خاصة بمناسبة شهر التراث من 18 أفريل إلى 18 ماي فتكون فرصا لزيارة متحف باردو أو قصر الجم أو موقع كركوان أو متحف رقّادة أو القبور الجلموديّة وهنشير ميدد بجهة مكثر . وما أكثر المواقع الأثريّة و المعالم التاريخيّة في بلادنا العريقة ! ولنا ، في اعتقادي ، أمثال زاهي حواس ، لنشر الوعي بالتراث وتدبّر توظيفه في التنمية . وأحسب أنّهم يكونون سعداء إذا استضافهم برنامج إذاعي أو تلفزي أو دعاهم مركز ثقافي لمحاضرة أو استكتبتهم جريدة أو مجلّة . ولكن ، للأسف الأشدّ مرّة أخرى ، لا يفكّر فيهم من المنشّطين و رؤساء التحرير أحد إذ لا يهتمّ منهم بمثل هذا الموضوع أحد. فلا غرابة أن تخلّى والي الكاف الأسبق عن فريقنا عندما تبيّن أنّنا سنصوّر شريطا عن تراثها وكان يتصوّر أنّنا قصدناه لشريط أو تحقيق تنموي تكون له فيه كلمة شكر للسيّد الرئيس لأنّ التراث و الثقافة في تصوّره كإداري و سياسي لا علاقة لهما بالتنمية . ولو علم أنّهما بمثابة العجلة الأولى ، لا الخامسة ، لتقدّمنا في جميع الميادين مبتدئين بترميم العقول.