صيحة فزع أطلقتها، كل من وكالة حماية المحيط الساحلي بنابل، ومكونات المجتمع المدني، وذلك على إثر تفاقم ظاهرة الإعتداء على الملك العمومي البحري، وسط صمت المسؤولين، رغم صرامة القوانين المتعلقة به. مكتب نابل (الشروق) تتميّز جهة الوطن القبلي بشريطها السّاحلي الرّملي والصّخري، الممتدّ على مسافة حوالي 185 كلم، والمطلّ على الحوضين الشّرقي والغربي للبحر الأبيض المتوسّط، هذا الأخير، بات محل أطماع وتجاوزات تمثلت أساسا، في الاعتداءات المتكرّرة، على الملك العمومي البحري، والتّي أثّرت سلبا على التّوازن البيئي وبالتّحديد على الشّواطئ التّي تقلصت رمالها بعد أن احتلها عدد من المتجاوزين للقانون ووظفوها لتحقيق أطماعهم مقابل حرمان المواطن، من حقه في شاطئ عمومي دون حواجز تمنعه من التنقّل على ضفاف البحر والجلوس على الرّمال بكلّ حرّية. قانون صارم... لكن غالبا ما تحصل التّجاوزات، في عديد المجالات لغياب التّشريعات المقننة لها، ولكن بالنّسبة للملك العمومي البحري فالأمر مختلف تماما، إذ احتوى الأمر الحكومي عدد 1847 الصادر والمنظم لهذا المجال سنة 2014 عديد النقاط التي جاءت لتحمي الملك العمومي البحري حيث جاء في فصله الأوّل ما مفاده أنّ كلّ إشغال وقتي للملك العمومي البحري لا يمكن منحه إلاّ بصفة وقتيّة وقابلة للرّجوع فيها من دون تعويض أو غرامة كما جاء الفصل السّابع واضحا وصريحا حول شروط التّرخيص في الإشغال الوقتي للملك العمومي البحري المتمثّلة في أن تتكوّن التّجهيزات المستعملة وجوبا من مواد خفيفة وقابلة للتّفكيك وموضوعة بشكل ينسجم مع الخصائص الطّبيعيّة والثّقافيّة والجماليّة للموقع وأن يتمّ الإبقاء على ممرّات تخوّل للعموم حرّية بلوغ البحر والمرور على ضفافه وعدم تجاوز المساحة المشغولة بالتّجهيزات نصف عرض الشّاطئ وعدم إنجاز أشغال تهيئة ولو سطحيّة تمسّ بالحالة الطّبيعيّة للملك العمومي البحري وتطبيق قواعد السّلامة وحفظ الصحّة والنّظافة والمحافظة على البيئة وصيانة التّجهيزات المستعملة بالمساحة المشغولة وعدم وضع تجهيزات فوق الكثبان الرّمليّة المتواجدة على ضفاف البحر. كما جاء في الفصل الثّامن أنّ التّرخيص في الإشغال الوقتي للملك العمومي البحري يسند لمدّة سنة قابلة للتّجديد ضمنيّا على أن لا تتجاوز المدّة القصوى خمس سنوات لنتبيّن أنّ جلّ هذه الشّروط – للأسف- لا تحترم على أرض الواقع وعلى شواطئنا المليئة بالتّجاوزات. تّجاوزات... موسميّة ترتفع التّجاوزات والمخالفات وتتنوّع بشكل كبير على طول الشّريط السّاحلي بولاية نابل وبكامل الجمهوريّة خلال موسم الصيف، نظرا لارتفاع عدد الوافدين من السيّاح والمصطافين، فيسمح بعض أصحاب النزل والخواص لأنفسهم بتجاوز المساحة المرخّص فيها بتركيز واقيات شمسيّة إضافيّة ومن أهمّ المخالفات الكبرى على الملك العمومي البحري هو احتلال الشّاطئ وعدم احترام مسافات الارتفاق في العديد من المشاريع على الشّريط السّاحلي، وذلك حسب ما افاد به نعمان حوّال وهو صاحب مكتب دراسات ومختصّ في دراسات الموانئ والشّريط السّاحلي في تصريح ل»الشروق»، مضيفا أنّ هذه التّجاوزات من شأنها أن تغزو الكثبان الرّمليّة الطّبيعيّة المشدود جزء منها ببعض الأعشاب السّاحليّة إلى جانب بعض العوامل الطّبيعيّة منها عدم تغذية الشّواطئ بالرّسوبيات المتأتّية من الأودية لضعف جريانها بسبب إنجاز السّدود وكذلك التغيّرات المناخيّة التّي تتمثّل أساسا في ارتفاع منسوب مياه البحر وتواتر العواصف المصحوبة بالأمواج والتيّارات البحريّة، التّي تتسبّب في الإنجراف البحري الذّي ضرب عديد الشّواطئ من سليمان وقليبية وقربة وبني خيار ودار شعبان الفهري ونابل والحمّامات. اتّهامات وقد بادر فرع وكالة حماية وتهيئة الشّريط السّاحلي بنابل بعقد عدة جلسات مع البلديات السّاحليّة، بهدف إعداد أمثلة إشغال الشّواطئ المزمع تنفيذه من قبل مكتب دراسات، ولكن تحوّلت الجلسة إلى مساءلة لمدير فرع الوكالة نوفل بوقرّة من قبل بعض المتدخّلين من مواطنين وحتّى مسؤولين بلديين من بينهم أحلام الدّرويش رئيسة لجنة النّظافة والصحّة والبيئة مستعرضة جملة من الصّور للعموم حول عديد التّجاوزات على الملك العمومي البحري ومتّهمين جميعهم وكالة حماية وتهيئة الشّريط السّاحلي بالتّقصير ومنح تراخيص في غير أمكنته، وعدم القدرة على ردع المخالفين، برفع التّجاوزات وحماية حقّ المواطنين طبقا للقانون في شاطئ عمومي بعيدا عن أصحاب الأكشاك والواقيات الشّمسيّة التّي توسّعت وزحف البعض منها إلى حافة البحر في تعدّ صارخ على راحة المواطنين والمصطافين، إضافة إلى استحواذ بعض الخواص والمؤسّسات السّياحيّة على المنافذ المؤدّية إلى الشّاطئ، بل وتعمّد البعض حتّى وضع الحواجز الصّخريّة لمنع المرور على ضفاف البحر. وقد جاء في ردود نوفل بوقرّة أنّ الوكالة لا تدّخر جهدا في القيام بمهامها الرّقابيّة على طول الشّريط السّاحلي للتصدّي للتّجاوزات التّي تشكو منها مختلف الشّواطئ التّونسيّة، وموضّحا أنّ عدد التّراخيص التّي منحتها الوكالة في الإشغال الوقتي للملك العمومي البحري بكامل الشّريط السّاحلي لولاية نابل والسّارية المفعول لسنة 2018 قد بلغت 196 ترخيصا 80 % منها تمّ تحيينها أو إسنادها بمقتضى الأمر الحكومي لسنة 2014 وتهمّ بنسبة 90 % أصحاب النّزل، بمنحها تراخيص في عدد محدّد من الواقيات الشّمسيّة، طبقا لعدد الأسرّة. كما أوضح بوقرة أنّ القانون لم ينصّ على إزالة التّجاوزات الموجودة، قبل إحداث الوكالة سنة 1995، والتي يتمّ معالجتها حالة بحالة واتّخاذ القرارات المناسبة في شأنها مؤكدا أنّهم أعوان محلّفون ويقومون صلب الوكالة برفع محاضر كلّ المخالفات التّي بلغت 46 مخالفة بكامل الولاية سنة 2018 بعد أن كانت 56 مخالفة سنة 2017 من إزالة وغيرها إلى السّلطة التّنفيذيّة ومنها البلديات التّي تتحمّل المسؤوليّة في عدم تنفيذ البعض منها . تحديد الشّريط السّاحلي أولويّة مطلقة ومن بين الأسباب التّي لم تساعد على حلّ مشكل التّجاوزات على الملك العمومي البحري هو عدم تفعيل الفصول الخاصّة بتحديد الشّريط السّاحلي، التّي وردت في القانون عدد 73 المؤرّخ في 24 جويلية 1995 بهدف وضع علامات حدود هذا الملك بالنسبة للعقارات المجاورة، بعد جملة من المراحل التي تشارك فيها وزارات أملاك الدّولة والتّجهيز والتّهيئة التّرابيّة، والبيئة ويفتح فيها المجال لملاحظات ومعارضة المواطنين طبقا للقانون وفي الآجال المحدّدة قبل إصدار الأمر الخاص بتحديد الملك العمومي البحري والذّي يتطلّب بالتّوازي التّعجيل بسنّ بعض التّشريعات الرّدعيّة لضرب كلّ من يتعمّد الاعتداء عليه وتفعيل دور البلديات وصلاحياتها الرّقابيّة والتّنفيذيّة في كلّ ما يرتبط بمنطقتها التّرابيّة البلديّة طبقا لمجلّة الجماعات المحلّية.