الاعتداءات المتكررة والاقتحامات المتلاحقة لجحافل المستوطنين لباحات المسجد الأقصى تشي بأن شيئا ما يطبخ لهذا المعلم الاسلامي قد يكون على علاقة بفصل من فصول ما سمي «صفقة القرن»... هذه الاعتداءات والاقتحامات ليست «عفوية» ولا هي نتيجة تصرفات منفلتة يأتيها عتاة التطرّف من المستوطنين... وهي تجري في إطار تنسيق كامل مع قوات الاحتلال وفي ظل حماية كاملة لهذه الخطوات التصعيدية المدروسة الرامية في نهاية المطاف إلى خلق واقع جديد يصبح معه تواجد المتطرفين اليهود في أجزاء من الأقصى «مشهدا عاديا»... مشهد يراد من خلاله في نهاية المطاف تمرير مخطّط مشبوه يتم بموجبه التمهيد لتقسيم المسجد الأقصى في مسعى لضرب قدسية المكان وتسهيل تنفيذ «صفقة القرن» التي تصطدم حتى الآن بعقبات هامة في مقدمتها المسجد الأقصى وباقي المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدسالمحتلة وهي معالم تبقى عناوين بارزة لعروبة القدس وعناوين بارزة لتعبئة أبناء الشعب الفلسطيني وتحفيزهم على التصدي للاحتلال ولمخططاته.. ويدرك الصهاينة وحلفاؤهم الأمريكيون وكل الواقفين في طابور دعم «صفقة القرن» أنه لا حظوظ لتمرير هذه الصفقة طالما بقيت هذه المعالم صامدة وطالما حافظت على قدسيتها في الخيال الشعبي وفي الوجدان الفلسطيني والعربي والاسلامي... لذلك فإن التصدّي للاعتداءات والاقتحامات المتكرّرة أصبحت بمثابة «الخبز اليومي» لأبناء الشعب الفلسطيني الذين استشعروا دقة وخطورة المرحلة وباتوا يدركون أنهم إزاء مرحلة مفصلية في تاريخ صراعهم الطويل مع الصهاينة ومع حملات التهويد المتكرّرة التي تستهدف الأقصى... ذلك أن الاستيطان الذي حوّل الأراضي الفلسطينية إلى شيء يشبه قطعة الجبن الفرنسية ومعه كل سياسات وخطوات التهويد التي استهدفت الأراضي المحتلة حتى الآن وما أفضت إليه من تغيير ملامح الأرض والمشهد المعماري سوف تبقى منقوصة ما لم يتم ضرب المواقع الدينية الإسلامية منها والمسيحية وفي طليعتها المسجد الأقصى... لذلك يَجدّ الاختلاف في استهداف رمزية هذه المعالم وفي محاولة النيل من قدسيتها لدفع أبناء الشعب الفلسطيني إلى التفريط في أجزاء منها والقبول بتدنيسها وتقاسمها مع الاحتلال تمهيدا لقضمها وتهويدها هي الأخرى شيئا فشيئا... وهنا يأتي تقاطع هذه الحملات الهستيرية التي يتعرض لها الأقصى منذ فترة مع إطلاق ما يسمى «صفقة القرن».. حيث أن الصهاينة وحلفاءهم الأمريكان وبعد كل خطوات التهويد ومصادرة وقضم الأراضي الفلسطينية وبعد الانهيارات المدوية التي ضربت البيت العربي باتوا يعتقدون أن الظروف مواتية لتوجيه «الضربة القاضية» للقضية الفلسطينية.. وأن تصفيتها أصبحت أمرا من قبيل تحصيل الحاصل شريطة توجيه ضربة قاصمة لمقدسات المدينة وفي طليعتها المسجد الأقصى... لكن الصهاينة الذين يراهنون على انهيار المشهد العربي وانكفاء الدول المحورية على مشاكلها وجراحاتها الداخلية يخطئون التقدير... لأن الشعب الفلسطيني المتحفز على أرض الرباط والذي أعلن النفير للذود عن الأقصى قادر على تفجير انتفاضة جديدة تنصر الأقصى وتحفظه من دنس ومؤامرات الصهاينة.. ولأن الشعوب العربية لن تبقى مكتوفة الأيدي وستهبّ في اللحظة الحاسمة لنصرة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.